نعمة الولد، كيف نشكرها ونؤدي حقها؟؟ – الحبيب عكي
في الحقيقة، كم هي نعمة كبرى أن يمن الله عليك بالولد والولد الصالح، بل ويزوجهم لك ذكورا وإناثا ولا يجعلك لو شاء عقيما، محروما قنوطا ميئوسا تسعى في طلب الخلف ب”الطبة والطلبة والريق الناشف، وبكل مال الدنيا دون جدوى أو أمل.
فالولد كما يقول الخطيب يحيى بن موسى الزهراني في خطبة قيمة له في الموضوع:”الأولاد ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، وفلذات أكبادنا، وأحشاء أفئدتنا، وزينة حياتنا، كما في قوله تعالى:”المال والبنون زينة الحياة الدنيا”الكهف/46، الأولاد قرة العين، وبهجة الحياة، وأنس العيش، بهم يدب الحبور والحيوية في البيت، بهم يحلو العمر ويرتاح البال، وعليهم تعلق الآمال، وببركة تربيتهم يستجلب الرزق، وتتنزل الرحمة،ويضاعف الأجر، ويستمر الثواب بعد الموت كما في الحديث:”إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:”صدقة جارية،أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”رواه مسلم.
وغير خاف، أن أطفال اليوم هم شباب الغد ورجال المستقبل، ومستقبل الأمة رهين بحاضر أطفالها وقوة شبابها وحكمة شيوخها ويقظة علمائها وعدل سلاطينها وقادتها، وأضاف الخطيب:”إن الشباب عماد الأمة، وعزها المجيد، ومجدها التليد، قوة الشعوب وحصنها الحصين، ودرعها المتين، هم رائدي الجوامع والجامعات، وحاملي الشهادات والديبلومات، وسواعد الإبداعات والاختراعات، جند الله في الفتوحات، وقوة الشعوب في الانتصارات، ورفع الرايات في مختلف المسابقات، وكسب الرهانات والتحديات، يدافعون عن الأعراض، ويتمسكون بالدين، ويتبعون السنة ويبتعدون عن البدعة، في صدر الإسلام كانوا لجيوش المسلمين قائدين، ولبلاد الكفر فاتحين، وعن بلاد الإسلام مدافعين، وعن عقيدتهم منافحين، ومن شراستهم تهاب وتفر الأعداء، حماة الأوطان وحفظة القرآن وشورى السلطان”.
هذا وقد تساءل الخطيب:”ولكن، ما بالنا اليوم مع الأسف،عندما يقلب الحصيف بصره، وينقل اللبيب عينه، لا يكاد يجد مثل هؤلاء الأطفال والشباب، بل مثل هؤلاء الرجال والنساء، الموظفين والموظفات، والمسؤولين والمسؤولات، هل أوهنتنا في الغالب حمى الغرب، وضربتنا شمس تقدمه الزائف، وطغت علينا بهرجة حضارته المادية، هل رضينا بأن نطبع مع الخوالف والتخلف والمخالفات، هل رضينا أن نهجر القيم الدينية القيمة،بل ونهجر حتى الوطن مسقط رأسنا وفضاء عيشنا، اسألوا البيوت عن ساكنيها من سرق منهم الفرح، اسألوا الأسر عن أبنائها والأبناء عن أبائها كيف احتدم بينهم الصراع، اسألوا المساجد عن روادها، والمدارس عن طلابها، والأعمال والمكاتب والمؤسسات عن موظفيها، واسألوا بالمقابل أيضا المقاهي والملاهي والملاعب والمسارح والحدائق والشواطئ عن مرتاديها،فعند جهينة الخبر اليقين”.
الحقيقة،أن هناك شرائح من الشباب صائبة في أفكارها، موفقة في اختياراتها، طيبة في سلوكها ومسالكها، ناجحة في أعمالها،تسر الجميع أحوالها، زادها الله توفيقا ونجاحا. لكن يضيف الإمام:”هناك شرائح أخرى لا تهتم إلا بسفا سف الأمور، تتنكر لدينها وتخرج عن عقيدتها، وتتبرأ من أهلها وعشيرتها، منسلخة من مروءتها وعاداتها، تغدو وتروح إلى المدرسة، لكنها لا تنكر منكرا ولا تعرف معروفا، فسدت طبائعها وقلدت أعدائها،همها التسكع في الطرقات، والمبالغة في المشوه من القصات والموضات، والقلائد والقبعات، والصاخب من الموسيقى والسهرات والحفلات، والقاتل من السجائر والمخدرات، هيئات مريبة وأشكال حائرة محيرة، من العادي عندها الجلوس في الأرصفة على الطرقات، وتدمير الكراسي والممتلكات، وسياقة المركبات بسرعة جنونية، واعتراض طريق الناس وانتشال أغراضهم،”مشرملون”يعتدون على المارة بالضرب والجرح، ويزهقون أرواح الأبرياء حتى من الأصول والأقارب وكأنهم الأفاعي السامة والعقارب، حتى إذا حل الليل أتوا البيوت من ظهورها، والسيارات من زجاجها، والمحلات من تكسير أبوابها، ولا يسلم من أذاهم بعيد أو قريب، فلان أو علان.
وليس حال شرائح واسعة من الأطفال بأحسن من هذا، أطفال الأسر المفككة والطلاق، أطفال الشوارع من رهط الأمهات العازبات، أطفال عصابات النشل والمخدرات، أطفال الهدر المدرسي والدعارة، أطفال الاستغلال الجنسي والإقتصادي، أطفال الحروب والمناطق المتوترة، أطفال الشغب الرياضي والهجرة القسرية التي تقضي قواربها في الأعالي، أطفال الآباء الغائبين والأمهات العاملات، أطفال العقوق والعنف ضد الأصول، أطفال اللعب في الطرقات ولو في أوقات الصلوات، وأطفال..وأطفال..، أطفال سالت دماؤهم، وانتفخت أوداجهم، وتشوهت ملامحهم الآدمية وفطرتهم الإنسانية، يخافون من خيالهم، ويهربون من ظلهم، ويتوترون بلا سبب، فكيف لا يكنون العداء لأمتهم والبغضاء لأوطانهم.
نعم، لقد وعى الكل بالمعضلة ويجيد تشخيصها بل ويبحث عن حلول ناجعة لها، لكن في هذا البحث عن الحلول، لقد جرب السياسيون سياستهم، والاقتصاديون اقتصادهم، والعسكريون والأمنيون أمنهم وعسكريتهم دون جدوى، بل ما لبثت المعضلة إلا في استفحال. فلماذا لا نعود إلى الأس والأساس في التغيير والإصلاح ألا وهي التربية،وبناء الإنسان أولا؟ وطبعا،لابد من سؤال أي جيل نريد، وأي تربية نحتاج، ماذا نربي وكيف نربي ومتى، ما المقصد والغايات، ما الوسائل وما المنهاج، ما التحديات والاتجاهات وكيف هي الفضاءات؟؟ فقط قبل هذا والدافع إليه،لابد من القناعة التامة بأن:”أمر التربية كما يقال هو كل شيء وعليه يبنى كل شيء وبه يتحقق كل شيء”:
1 – وهي أمر رباني:”يوصيكم الله في أولادكم”النساء/11.
2 – وهي مسؤولية كما في الحديث:”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”متفق عليه.
3 – وهي التي تجعل الولد قرة العين تسعد أهله لا فتنة ومصيبة وعداوة تشقيهم:”وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا”القصص/9.
4 – وهي التي تحافظ على الفطرة:”كل مولود يولد على الفطرة،فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”رواه البخاري.
5 – وهي أفضل الفضائل كما في الحديث:”ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن”رواه الترمذي.
6 – وهي سبب استمرار الأجر بعد الموت والدعاء لهم في الدنيا والآخرة كما في الحديث:”إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:صدقة جارية،أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”رواه مسلم؟؟.
7 – وهي سبب دخول الجنة:”مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَــــــابِعَهُ “رواه مسلم.
8 – واستعن على كل الأمر بالصلاة والدعاء:”رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ”إبراهيم/40.
فعلموا أبنائكم حب نبيكم وآل بيته وعلموهم القرآن، علموهم الصلاة والذكر ومخافة الله واليوم الآخر،والرماية والسباحة وركوب الخيل، علموهم التكاليف الشرعية والخطأ من الصواب والحلال من الحرام وطرق التفكير ومهارات الحياة، علموهم المرجعية والهوية والانتماء والمسؤولية والتعلم الذاتي، ففي الأثر:”لاعبه سبعا،وأدبه سبعا، ورافقه سبعا، ثم اترك أمره لله”، واحذر أخي المسلم أن تطمع في صلاح الأمة وأنت لم تصلح نفسك وبيتك،أو تطمع في رقي ابنك ونجاحه وقد فسدت تربيته وأخلاقه، أو تطمع في دعائه لك في حياتك أو بعد مماتك وأنت قد كفرت نعمته ولم تحسن تربيته، أو كما قال عمر رضي الله عنه لمن جاءه يشكو عقوق ولده وقد أحضره وعنفه أمامه،فقال الابن:” يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه ؟ قال عمر رضي الله عنه: بلى،قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه،ويحسن اسمه،ويعلمه الكتاب(أي القرآن الكريم)، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك،أما أمي فإنه اختارها عبدة كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا أي(خنفساء)،ولم يعلمني من الكتاب حرفا،فالتفت عمر رضي الله عنه إلى الرجل وقال له:”جئت إلي تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك،وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك”.