نصائح عطرة وتوجيهات نيِّرة من ممارس للأحبة الأساتذة الجدد – رشيد وجري
تحية عطرة فواحة من محب مبجِّل لمربي الأجيال وصناع الأبطال وزارعي الآمال، تحية طيبة إلى من يحاول أن يرد الضال إلى طريقه والمنحرف إلى سبيله، والتائه إلى جادته، والعاق إلى بره، والجافي إلى عقله، والمفـرط إلى صوابه،تحية زكية لمن ربَّى وهذّب وسدّد وقرَّب وعلم وأدَّب،لأهل العلم والتربية وعنوان المعرفة والتزكية معلمي الناس الخير .
بين أيديكم أيها الأحبة الأفاضل الأساتذة الجدد باقة فوَّاحة من التوجيهات المليحة المستخلصة من رحم التجربة العملية والممارسة الواعية، ممزوجة برحيق الخبرة الإيجابية لمهنة التربية والتعليم التي كان لنا شرف الانتماء لأهلها، وممارستها لأكثر من عقدين من الزمن بشكل فعلي وعملي، من خلال الممارسة الحقة داخل الفصول الدراسية فخلصنا بتوفيق من الله تعالى علاوة على الاقتناع التام بالأهمية القصوى لهذه المهنة الاستراتيجية التي لا غنى عنها، إلى حزمة من النصائح العطرة والتوجيهات النيرة والإرشادات المثمرة، إن شاء الله تعالى، التي من شأنها أن ترفع من جاهزية أساتذة الحاضر والمستقبل واستعداداتهم وقدراتهم ومهاراتهم في الوظيفة وتمكنهم من :
- التواصل الفعال وبناء العلاقات الناجحة مع الجميع: إدارة زملاء العمل آباء تلاميذ وزوار.
- توفير الجهد والوقت والحفاظ على اللياقة واللباقة والمزاج السليم والاستفادة من خبرات من سق.
- حسن أداء رسالة العلم النبيلة وترك البصمات الإيجابية الجميلة في نفوس النشء والطفولة.
- تفادي الكثير من المشاكل والمطبات والتحديات مع الجميع وربط علاقات سليمة وصادقة مع الكل.
- انتزاع احترام الجميع بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة والمساهمة في توفير الظروف الضرورية للعمل الجاد والمثمر ..
وإليكم أيها الصفوة المختارة والينابيع المدرارة، تلك الباقة المعطرة والكلمات المعبرة التي تتدفق حبا وتقديرا وتفيض نفعا ومهارة والتي رأينا أنها مهمة ومفيدة لكم لتقبلوا على مهنتكم بكياسة وتندمجوا فيها بسلاسة وتتركوا الأثر الطيب في نفوس الأجيال نبراسا.. وبالله التوفيق:
- العمل بإخلاص وضمير حي يقظ، فمن أخلص العمل لله تخلص من شوائب عدة وقاوم أدواء وطرائق قددا.
- التعليم رسالة سامية ومهنة شريفة لا تليق بمن هب وذب من أهل الخسة والدناءة ولا يجب أن يعطى لواءها إلا لمن يستحقها من أتباع الأنبياء والرسل لأن هذه المهنة مهنتهم السامية وهذه الرسالة رسالتهم الباقية .
- استشعار المسؤولية الملقاة على عاتقكم بحفظ أمانة الأجيال فمهنة التعليم وإن كانت تشريف فهي كذلك تكليف لابد لمن تشرف بحمل مشعلها أن ينهض بهذه المسؤولية على أكمل وجه وذلك حتى يجد الله تعالى وهو راض عنه غير غضبان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إِنَّ اللَّه سَائِل كُلّ رَاعٍ عَمَّا اِسْتَرْعَاهُ حَفِظَ ذَلِكَ أَوْ ضَيَّعَهُ ” سنده صحيح
- القدوة القدوة أيها الإخوة، يا معلم الناس الخير، فأول ما تبدأ به إصلاح نفسك قبل كل شيء فالحسن عند الطلاب ما استحسنت وفعلت والقبيح عندهم ما استقبحت وتركت، وإن حسن سلوكك معهم أعظم أثرا ونفعا من كل المحاضرات والمواعظ يقول الشاعر:
أيها الرجل المعـــــــــــلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام والضنى كيما يصــــــح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانـــــــــهها عن غيها فاذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تــــــقول ويقتدى بالقول منك وينفع التــــــعلم
لا تنه عن خلق وتأتــــــــــي مثله عار عليك إذا فعـــلت عظيم
غير تقي يأمر النــــــــــاس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو سقيم
- الاطلاع على التشريع المدرسي والقوانين المنظمة للمهنة عامة لمعرفة ما لك وما عليك، فلا يعذر أحد بجهله القانون خاصة إذا كان يتعلق بوظيفته وعمله ورسالته ..
- الإعداد الجيد للدروس والأنشطة وهو دليل (الكفاءة)ويزيد الثقة بالنفس ويمكن من إبلاغ وشرح المعلومة باقتدار، ويجعلك تتفادى أي ارتباك أو فوضى بالفصل، فالمعلم المتمكن أقدر على ضبط الفصل وشذ انتباه التلاميذ وإثارة اهتمامهم وإيقاظ تفكيرهم وهذا يتطلب الاطلاع الجيد على المراجع المقررة والأصلية والتوسع في الموضوع وهضم المادة واختيار الأمثلة والأنشطة المناسبة.
- حسن الهندام والمظهر وسلامة النفس والمخبر، فالأستاذ يجب أن يتفادى كل لباس مثير غير لائق يحطمن قدره وقيمته السامية، فقد قيل باللباس يحترمك الناس، وخير منه قوله تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) الآية .
- التعاقد مع التلاميذ منذ بداية الموسم الدراسي ضرورة وضع ميثاق للقسم أساس، ويجب على الجميع أن يحترمه وعدم السماح بتجاوزه،حتى تنتظم العلاقات وتوفر الجهود والأوقات طوال مدة الدراسة.
- منع كل ما من شأنه أن يشوش على حصة الدرس أو يعرقلها من: شغب، سخرية، ثرثرة، عنف .
- الحضور في الوقت المناسب دون تغيبات أو تأخرات أو تضييع للزمن المدرسي، بل إن الحضور قبل الحصة بفترة يعطي فرصة للأستاذ من أجل التركيز والمراقبة والإبداع وأحيانا التصحيح والتدارك.
- احترام التلاميذ حتى يبادلوك نفس الاحترام، والحرص على راحتهم وتوفير جو الدراسة والتحصيل لهم ولا تكن كثير التساهل غير مبال، بحيث يستأسد الفوضويون والفرغة في الفصل وينزوي من تهمهم الدروس ويرغبون في النجاح والتحصيل وهذا للأسف الشديد من المؤشرات الدالة على سوء تدبير الفصل وبالتالي ضعف النتائج والتحصيل! …
- اختر لغتك المناسبة لهم (اللغة الفصحى) واعتني بخطابك معهم، وليكن يسيرا وراقيا بعيدا عن “التنميق والتزويق” ولا تحدثهم بما لا يفهمون.. كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله) …
- احفظ أسماء تلاميذك ووزع نظراتك عليهم واسأل عن ظروفهم وأبرز اهتمامك بهم ولا تهتم بفئة على حساب الأخرى، وذلك حتى يسهل عليك ضبط القسم وتيسير التواصل والتعلم .
- امزج بين الحزم واللين بين الجد والبسط وبين العمل والترفيه حتى يزداد التركيز وتتيسر الحصة، لأن القلب إذا كلَّ عميَ، والدراسات العلمية تفيد أن الإنسان لا يستطيع التركيز المستمر لمدة أطول كيفما كان عمره، ويجب على الشخص أن يجعل لديه ضمن جدوله المكثف بعض من فترات الراحة (من 10-15 دقيقة تقريبا خلال ساعة كاملة) حتى يستطيع الدماغ تجديد قدرته على الاستيعاب وتواصله في العمل والتفكير والتركيز المطلوب منه.
- كن مبدعا في عملك مجددا في أساليبك وطرقك، فمن لا يتجدد يتبدد ومن لا يتطور يتدهور ومن لا يتقدم يتقادم..فالشخص المبدع يبحث دائما عن حلول وطرق مختلفة للقيام بالأمور، مما يجعله أكثر ابتكارا ومهارة، وهذا يساعد تعزيز الصحة النفسية وزيادة الإنتاجية والفاعلية.
- خذ بيد تلاميذك وحفزهم على الدراسة والإنجاز والإبداع وكن لهم عونا وميسرا دائما، ويكون التشجيع بطرق شتى فأحيانا بالكلمة الطيبة أو بالإشارة المحببة أو بالثناء الحسن أو غيره..
يخبرنا خبراء علمُ النفس أن كل إنسان يحتاج إلى الثناء عليه والاهتمام به وتشجيعه، لذلك فمن المهم أن تكون بيئة عملنا مفعمة بالحيوية والتشجيع، وأن نحيط أنفسنا بأصدقاء ورفاق يساعدوننا على التفوق والنجاح.
- حاول إيقاف التلاميذ المشاغبين عند حدهم ولا تتساهل معهم حتى لا يفسدوا عليك الجو المناسب للدراسة الفعالة وذلك باستعمال أساليب متنوعة وفعالة حسب كل حالة فهناك مهم من:
- يرتدع وينضبط بمجرد النظر إليه.
- وهناك من يحتاج النظرة القاسية.
- وهناك من يتعظ ويلتزم بالعتاب.
- وهناك من يحتاج إلى العقاب.
- في تنظيم الفصل والحجرة:
- حاول ما أمكن توزيع المقاعد بشكل مناسب ومريح ولتترك فراغات بين الصفوف يمر منها التلاميذ حتى يسهل عليهم المرور إلى السبورة أو عند وجود طارئ يستوجب إخلاء الفصل بأقصى سرعة كحريق أو تماس كهربائي أو ما شابه.
- وزع التلاميذ حسب أطوالهم وليكن القصير في الأمام والطويل في الخلف حتى لا يعيقوا رؤية بعضهم لبعض وتعم الفوضى، أما المتعلمين الطوال الذين يعانون نقصا في السمع أو البصر فضعهم في الجوانب في الصفوف الأمامية.
- عود تلاميذك على عدم تغيير وتبديل أماكن جلوسهم في القسم إلا بإذن وليكن ذلك لسبب معقول.
- لا تقبل برمي الأوراق والقمامة تحت الطاولة ولا بالكتابة على الجدران والطاولات وغيرها وليكن فصلك مميزا ونظيفا وأنيقا .
- راقب صور قسمك ولا تترك منها إلا ما يخدم العملية التعليمية والقيم الوطنية والسامية وأزل كل ما يثير أو يخدش الحياء أو يشتت الانتباه .
- فصلك مملكتك فأحسن تدبيره وتنظيمه وتجميله بحيث يخدم الرسالة التي بني لأجلها ويراعي مصلحة التلاميذ جميعا…
- أشرك تلاميذك في بناء الدروس دائما، واربط هذه الدروس بحياتهم اليومية حتى يستوعبوها أكثر ويستفيدوا منها مرتين .
- لا تتنازل عن القيم والأخلاق أبدا، وهذب ما يستدعي التهذيب في حينه دون تماطل لأنه كما قال أمير الشعراء:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت = فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
- التعامل مع التلاميذ على قدم المساواة دون تحيز أو تمييز، إلا أن يكون التمييز إيجابيا لجبر خاطر أو مواساة حزين أو إزالة ضرر.
- لا تقبل الأجوبة الجماعية التي تكون مرتعا خصبا وظرفا مناسبا لإثارة الفوضى والشغب داخل الفصل، وعوِّد التلاميذ على الاستئذان وآدابه عند طلب الإجابة أو تبديل مكان الجلوس أو الخروج والدخول أو غيره .
- التعامل مع الآباء والأولياء بسعة ورحابة الصدر، اسمع منهم واقبل نقاشهم وتحمل بعض “ثقل ظل” وتصرفات بعضهم خدمة لمصلحة الطلاب في التعلم والتحصيل وتحقيق أفضل النتائج.
- تلاميذك أنواع ومشارب مختلفة، فشجع كل مجد منهم، وحفز كل متعثر ووجه كل غافل واردع كل ظالم بأساليب تربوية وما شابه، وانفع الجميع وكن كالغيث أينما وقع نفع، فأنت في أم المهن، مهنة هامة وخطيرة في الآن نفسه فاحرص أن تنفع ولا تضر وأن تبشر ولا تنفر وأن تيسر ولا تعسر ..
- كن رساليا وازرع الخير في تلاميذك ينبت فيهم سلوكا طيبا، وتجد أثره في حياتك وحياة أبنائك وبناتك ولو بعد حين.
- لا تذكر رئيسك وزملائك في العمل إلا بخير، أو اصمت ففيه خير واحذر من محترفي جر الألسن.
- قابل استفزازات تلاميذك بالتجاهل حينا وبالحكمة أحيانا أخرى وليس بالتشنج فسنين طويلة تنتظرك معهم في القسم، واعرف كيف تعاقب بالتي هي أحسن؟ ومتى وأين دون أن تظلم.
- لا تترك عمل اليوم إلى الغد فإن لكل يوم عمله واعلم أن الترك يفضي إلى التهاون والتراكم وعدم الإتقان.
- لا تتكبر وتتعالى، ولا تتواضع أكثر من اللازم فيطمع الذي في قلبه مرض فيستغلك ويتطاول عليك.
- لا تكثر من ذكر منجزاتك وممتلكاتك فهذا يصنع الكثير من الأعداء والحساد.
- إرضاء الناس غاية لا تدرك وإرضاء الله تعالى غاية لا تترك فلا تحاول إرضاء الجميع على حساب مبادئك وقيمك وراحتك النفسية وتعكير مزاجك وذهنك .
- لا تكن عينا لرئيسك أو غيره من زملائك، ولا تقم بأعمال ليست من مهمتك ووظيفتك قد تجر عليك مشاكل وصراعات أنت في عنا عنها!
- عود نفسك الجد والاجتهاد منذ البداية فما تطبعت عليه سيلازمك طيلة مسارك المهني، وقد قيل :من شب على شيء شاب عليه .
- كن علبة سوداء لنفسك ولا تفشي أسرارك للغير، قد يستعملها ضدك لو ساءت العلاقة … يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
إذا المَرءُ أَفشــــــــــــى سِـرَّهُ بِلِسانِهِوَلامَ عَليهِ غَيــــــــــــرَهُ فَـهُوَ أَحمَقُ
إِذا ضاقَ صَدرُ المَرءِ عَن سِرِّ نَفسِهِ فَصَدرُ الَّذي يُســــتَودَعُ السِرَّ أَضيَقُ
- اصنع لنفسك راحة وترفيها أثناء العمل دون أن تخل بهمتك ووظيفتك، لأن من أحب ما يعمل أبدع فيه، ومن كره ما يعمل انتظر العطل على الدوام وعاش حياة شاقة تملؤها التعاسة.
- لا تحاول إصدار مواقف مجانية ولا تدخل صراعات ومناكفات وخصومات قد تسبب لك عوائق وصعوبات في عملك أنت في غنى عنها .
- استعن بممارسة هوياتك المفضلة واستمتع بخرجات ترفيهية إلى الطبيعة للتخفيف من ضغط العمل ورتابته، واستعن كذلك بجلسات هادئة مع النفس (خلوات) من أجل التخطيط والتصويب واستجماع القوى لمزيد عطاء و إنجاز.
- عش وفق مستواك (عاش من عرف قدره) وليس وفق مستوى الآخرين حتى لا تعرض نفسك لعذاب وجزع لا ينتهي، وهذا لا يتنافى ويتعارض أبدا مع الطموح وتحسين الوضعية .
- عليك بالمرونة في عملك بل في حياتك كلها ولا تكن صلبا فتكسر ولا رطبا فتعصر، فإن الأشخاص الذين يتصفون بالمرونة يتعافون بسرعة من النكسات والنكبات، ويستمرون في عيش حياة سليمة، والإنسان المرن يكون قويا ويتعامل مع كل ما يحدث في الحياة بقوة وتوازن وحكمة .
- استفد من تجربة زملائك في العمل الذين سبقوك وراكموا تجارب وخبرات، وكن إيجابيا ومتفائلا دائما وأحسن الظن بالله تعالى تعش حياة هنيئة مليئة بالإنجازات والعطاء .
وفي ختام هذه الكلمات التي لا ندعي فيها أننا قلنا كل شيء وقدمنا كل ما يحتاج إليه الأساتذة الجدد، ولكننا نجزم بأننا قدمنا لهم بكل حب وتقدير طبقا غنيا مليء بالتجارب العملية والدروس الغالية والتوجيهات الوافية عسى أن تنفعهم في مسيراتهم المهنية وتيسرها وتغنيها وتجعلها أكثر نجاحا وفاعلية ومردودية .
فاللهمّ إنّي أسألك فهم النبيّين، وحفظ المرسلين والملائكة المقرّبين، برحمتك يا أرحم الرّاحمين،
واللهمّ اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك وقلوبنا بخشيتك، وأسرارنا بطاعتك،إنّك على كلّ شيءٍ قدير وبالإجابة جدير،
واللهم احفظ أساتذتنا ومعلمينا وأسعدهم، واجعل تعبهم وجهدهم وتوجيهاتهم في ميزان حسناتهم…
آمين والحمد لله رب العالمين