مولاي أحمد صبير الإدريسي رئيس “بيت الثقافة” لموقع “الإصلاح”: هذا مفهومنا للثقافة و هذه نظرتنا للمثقف ودوره

عقدت مؤسسة بيت الثقافة جمعها العام الرابع يوم 5 أكتوبر 2025، وانتخبت الأستاذ مولاي أحمد صبير الإدريسي رئيسا، كما أفرز الجمع مكتبا وطنيا جديدا.
ولتسليط الضوء على مستجدات مؤسسة”بيت الثقافة” ومخرجات جمعها العام، ومفهومها للثقافة ونظرتها للمثقف، ودورها وباقي المؤسسات الثقافية بشكل عام في المجتمع، أجرى موقع الإصلاح حوارا مع الرئيس الجديد للمؤسسة فيما يلي نصه الكامل:
– مرحبا بكم الأستاذ مولاي أحمد صبير الإدريسي على موقع “الإصلاح”،عقدتم قبل أيام الجمع العام الرابع لمؤسسة بيت الثقافة ماهي أبرز مخرجاته؟
شكرا لموقع الإصلاح على كريم الدعوة، وأقول دأبت مؤسسة بيت الثقافة منذ تأسيسها على احترام مواعيدها ومحطاتها التنظيمية والهيكلية، وضمنها جمعها العام الذي انعقد يومه 5 أكتوبر 2025. هذا الجمع أفرز مكتبا وطنيا جديدا بعد انتهاء المرحلة التي اشتغل فيها الأستاذ المهندس نور الدين لشهب صحبة فريق من إخوانه الذين بذلوا وسعهم من أجل أن تبقى هذه المؤسسة حاضرة في المشهد الثقافي المغربي، ولعل آخر نشاط ثقافي إشعاعي كان بمدينة القنيطرة بمناسبة اليوم العالمي للشعر وكان تحت شعار: “الشعر لسان الفطرة في خدمة قضايا الهوية والوطن والأمة والقيم الإنسانية” حضره عدد من الشعراء المغاربة، وتمّ خلاله تكريم الشاعر الدكتور عبد الرحمن عبد الوافي.
اليوم تنتصب أمام المكتب الجديد مسؤوليات يحكمها واقع ثقافي أقل ما يقال عنه أنه واقع مأزوم، يحتاج إلى ديناميكية جديدة، إلى دماء وطاقات شابة، إلى أصوات قوية وإلى فاعلين رساليين، يأخذون على عاتقهم مهمة المساهمة في النهوض بالمشهد الثقافي، وإعادة الوهج المطلوب والجاذبية المنشودة للمسألة الثقافية.
ونحن على وعي تام بأن جزءا من هذه الأدوار يقع على عاتقنا، وسنبذل الوسع في تحقيقه إن شاء الله. لقاؤنا اليوم كان فرصة للاطلاع من جديد على الواقع الثقافي المغربي والعربي والدولي، الواقع الدولي وضمنه هذه الأحادية الجارفة سياسيا وثقافيا واقتصاديا…. وواقع الأمة العربية وضمنه على الخصوص قضية غزة والقدس وفلسطين ما بعد طوفان الأقصى، والواقع الوطني وضمنه الحراك الشبابي الذي يؤكد مرة أخرى الحاجة الماسة إلى الفعل الثقافي، الذي يمكن أن يشكل طوق نجاة لفئة عريضة من أبناء هذا الوطن، ولا نقاش في أن هذا الفعل الثقافي يجب أن يكون بانيا مؤسّسا على حب الوطن، وعلى القيم المانعة من أي جنوح.
– قدمت مؤسسة “بيت الثقافة” ورقة تصورية، كيف حددتم فيها مفهوم “الثقافة” وكيف نظرت إلى “المثقف”؟
عرّفنا الثقافة في ثنايا ورقتنا بأنها بناء متكامل من المنظومات الفكرية والعقائدية والقيمية والجمالية، وأنها إنتاج وتفاعل فكري ووجداني ذو مسحة إصلاحية ولمسة فنية، معتز بالتنوع الذي يتميّز به المغرب، ويرفض كل دخيل يسعى إلى الهيمنة، ويحارب قيمنا الوطنية، ويصادم هويتنا الحضارية. كما بسطنا لها أربعة محددات وهي: الأصالة والرسالية والشمولية والوسطية، وأظن أن لقاء سريعا مثل هذا لا يسمح بالتفصيل في كل محدد من هذه المحددات.
أما نظرتنا إلى المثقف فلا شك أنها تمتح من فهمنا للثقافة وأدوارها وأهدافها، وعليه يكون المثقف – في نظرنا – صاحب رسالة يجعل من ثغره قاعدة للمساهمة في الإقلاع نحو مجتمع المعرفة والقراءة والإبداع، قائما على التحرر والانعتاق.
المثقف في نظرنا يجب أن يتطلع دوما نحو إنتاج الثقافة البانية، البعيدة عن جرف الإنسان بعيدا عن سر وجوده، بعيدا عن وظيفته ورسالته في الحياة، إنه مثقف ممانع، منحاز إلى صف صناع الثقافة التي تحصّن المجتمع، وتضمن قوته واستمراره، إنه مثقف يستحضر حاجات المجتمع ويراعي هويته، ويتفاعل إيجابيا مع انتظارات وطنه وقضاياه، لأن الوطن يهمّنا جدا جدا صفاء هوائه، واستقرار أوضاعه، ووحدة أراضيه، والمثقف على ثغر من ثغوره، لا يساوَم لا يتراجع ولا يستسلم.
– نبقى في ارتباط بمسألة الهوية الحاضرة بقوة في حديثكم، ونسائلكم أستاذ مولاي أحمد أمام التحولات المتسارعة محليا ودوليا، كيف يمكن للمثقف المغربي أن يتعامل مع هذه التحديات دون المساس بهويته الثقافية؟
– في ظل التحولات المتسارعة محليًا ودوليًا، أعتقد أن المثقف عموما في حاجة إلى التحلي باليقظة الفكرية التي من شأنها ألّا تفقده البوصلة، وأظن أن البوصلة هنا هي الهوية، إنها تضمن له حدّا معتبرا من التفاعل والتطور، وتعضد قدرته على اتخاذ الموقف المتزن النابع عن وعي، بعيدا عن أي شكل من أشكال التبعية والاستيلاب.
المثقف اليوم مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى الانخراط في قضايا محيطه الوطني والعالمي، و استثمار أدوات عصره، والانفتاح على مستجداته المعرفية والتكنولوجية خدمة لقضاياه الثقافية والإنسانية، لكن، دون تفريط في مقوماته الأصلية: الدين، اللغة، التاريخ، الذاكرة الجماعية، والروح المغربية العميقة (تمغربيت).
والمثقف المغربي اليوم لا يجب أن يخاصم هويته، (وقد حصل ذلك في يوم من الأيام)، ولا أن يجعل منها عائقاً يصده عن الانخراط الفاعل والحضور المنتج. فالهوية، في تقديري بنية دينامية قابلة للتفاعل والتجدد، شرط أن يظل هذا التفاعل منسجماً مع المرجعيات والخصوصيات الدينية والتاريخية والرمزية للمجتمع المغربي. هذا هو السبيل الوحيد في نظري ليكون المثقف ضمن حركية هذا العالم، مرتبطا بقضايا مجتمعه، منخرطا في همومه وآلامه وآماله.
– كيف ترون واقع المؤسسات الثقافية وطنيا وهل تقوم بأدوارها؟
– المتابع لواقع هذه المؤسسات – وخاصة إذا كان هذا المتابع من جيلي (يضحك) – لا يسعه إلا أن يعبّر بأسى عن مستوى التراجع الذي تحكمه حزمة من التحديات التي تواجهها هذه المؤسسات، (تنظيميا وهيكليا وعلى مستوى البنية التحتية….) تحديات جعلت دورها يتراجع في أداء رسالتها الحضارية، والمتمثل على الخصوص في بناء الإنسان. وهذا واقع يستوجب تدخلا عاجلا سواء من طرف القائمين الرسميين على هذا الشأن، أو من خلال الشركاء.. والعمل سويا على إعادة تعريف هذه الأدوار أولا، وتمكين هذه المؤسسات بكل الأدوات التي تيسر التعاطي مع تحولات هذا العصر، ويضمن العودة إلى الانخراط الفاعل من جديد في واقع صار أكثر من أي وقت مضى في حاجة ماسة إلى العمل الثقافي البعيد عن النخبوية والتقليدانية المفتقرة إلى الجاذبية وخاصة في فئات الشباب.
لابد إذن من حركية ثقافية تنخرط فيها المؤسسات كل المؤسسات، حركية تطال البرامج التعليمية، والأنشطة التي تستهدف المدارس والجامعات والمسارح ودور الشباب. لا بد من عودة الروح إلى اتحاد كتاب المغرب ليستأنف عمله في دعم الممارسة الثقافية وإعادة الجاذبية إلى أنشطتها، ولابد من عودة الوهج لمعرض الكتاب، لا بد من إحياء دور الخزانات البلدية، ودعم الفرق المسرحية والفنية في الأحياء والجامعات.
إن واقعنا الثقافي اليوم في حاجة إلى كل هذه الروافد، إلى كل هذه الطاقات، إلى كل السواعد، وكل المؤسسات، من أجل أن ندعم غنى بلدنا المغرب، ونحفظه من أي انحراف ثقافي سواء على مستوى الفهم أو الممارسة، ونصونه من أي مسخ سواء كان بأيدي مغربية أو أيادٍ أجنبية.