من إنجازات المسلمين في رمضان 13| تسخير الحساب لضبط الشهور وخدمة الإنسانية

يحفل تاريخ المسلمين بإنجازات حضارية تمت في شهر رمضان الكريم لازالت بادية للعيان؛ يشهد بعضها على عبقريتهم ورقيهم، ويدلل البعض الأخر على حيازتهم قصب السبق في مجالات معرفية متعددة، حتى سارت بها الركبان كما يقال.

وكان عطاء المسلمين في شهر رمضان مضرب مثل على القدرة على بين العمل والإبداع من جهة، وأداء الشعائر التعبدية من جهة أخرى، فلم يعرف عنهم فتور بسبب الصيام والقيام، بكل كان حافزا لهم في درب الجود والعطاء.

ولا ينحصر رصد “سلسلة إنجازات المسلمين في رمضان” على إيراد الملاحم التي يشتهر بها شكر رمضان، بل يمتد إلى سرد الانجازات في مناحي متعددة، حتى لا يحسب على هذا الشهر أن شهر الغزوات والمعارك الكبرى فقط وإنما فيه عطاءات في العلم والمعرفة والتقنيات.

سبق في حلقة من هذه السلسلة الحديث عن ارتبط صيام شهر رمضان عند المسلمين برؤية الهلال باعتباره من الظواهر الفلكية المتعاقبة في الكون، وقد فصّلت الحلقة السابقة في سبيل من سبل التثبت من بداية شهر رمضان عن طريق الرصد الفلكي، وهذه الحلقة خاصة بسبيل أخر هو الحساب.

وقد انطلق علماء المسلمين من قوله تعالى: “لتعلموا عدد السنين والحساب”، لإقامة منظومات حسابية تعينهم على تسخير الكون، على اعتبار أن هذه الأمة كان مبدأها “اقرأ”، وكان لابد لهذه الصفة أن تجد لها تطبيقها في شتى مناحي الحياة ومنها المواقيت والأهلة. 

يشير زيغريد هونكه إلى هذه الحقيقة في كتابه “شمس الله تشرق على الغرب = فضل العرب على أوروبا” قائلا: “والعقلية الإسلامية الدقيقة الفاحصة جعلت من الحلية القيمة بلّورًا صافيًا، فالخوارزمي هو أول من جعل الحساب علمًا صالحًا للحياة اليومية العملية وحذا حذوه فيما بعد العلماء والفرص، فعنوا بالحساب وأضافوا إليه حتى جعلوا منه الأساس الذي شيدت أوربا عليه فيما بعد علم الحساب الحالي”.

ويورد الباحث عبد الله حجازي مثل هذا بالقول: “لعل من أهم الإنجازات ذات الأثر الحميد في علم الحساب استخدامَ المسلمين للأرقام في وقت مبكر، ومن ثم الصفر، الذي ظهر في كتب عربية قبل أن يظهر في الكتب الهندية، على الرغم من أن المسلمين أخذوا  الأرقامَ والصفر عن الهنود”.

ويرى ان استخدامُ الأرقام والصفر ساعد في تقدم الحساب وتطوره، حتى بلغ – على أيدي المسلمين – شأوًا رفيعًا، وكثر التأليف فيه؛ إذ كان لكتاب الخُوارزمي (ت 232هـ/ 756م) في الحساب أثرُه البالغ فيمن اشتغل بالحساب، وصار يُنظَر للحساب على أنه أرفعُ الصناعات درجةً، وأعمُّها مصلحةً، وأتمها فائدة.

وقد برزت أسماء أبانت على علو الهمة في مجال الرياضيات، ويحصي الكاتب عمر رضا كحالة في كتاب “معجم المؤلفين” العديد من الرياضيين ومنهم: السموأل المغربي، ومن تصانيفه: المفيد الأوسط في الطب، إعجاز المهندسين، المنير في مسلحة اجسام الجواهر المختلفة لاستخراج مقدار مجهولها.

ومن أولئك الأعلام سنان الحرّاني وهو طبيب ورياضي وفلكي خدم المقتدر، ثم القاهر والراضي، من تصانيفه: رسالة في النجوم، رسالة في الأشكال ذوات الخطوط المستقيمة التي تقع في الدائرة، رسالة في الفرق بين المترسل والشاعر.

وضمنهم سنان بن الفتح وهو رياضي برع في الحساب والأعداد والجبر، وله فيها مؤلفات، منها: الجمع والتفريق، حساب الوصايا، شرح الجبر والمقابلة للخوارزمي، المكعبات، وكتاب في الحساب الهندي.

حتى أن صاحب كتاب “إخبار العلماء بأخبار الحكماء” جمال الدين القفطي يعد سنان بن الفتح من أشهر علماء هذا الفن، يقول “سنان بن الفتح من أهل حران كان مقدما في صناعة الحساب والأعداد مشهور في زمانه بذلك وصنف في ذلك تصانيف مشهورة”.

وقد نشأ نقاش فقهي مذهبي حول المقدم عند تناقض رؤية هلال شهر رمضان بين رؤية شاهد والحساب، وينقل محمد الخليلي في كتابه “فتاوي الخليلي على المذهب الشافعي” مثل هذا النقاش والاختلافات التي طبعته بين أهل العلم حسب الحجة والدليل.

ويورد الخليلي في كاتب عدة أقوال ومن ضمنها أن “الذي اختاره ابن حجر وغيره هو أنه إن اتفق أهل الحساب على أن مقدماته قطعية، وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر ردت الشهادة”، وهكذا يتبين أن هذا الأمة أولت أهمية للعلم في تزامن مع الاهتمام بالدين، وكانت تلك من منجزاتها التي أهدتها للبشرية.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى