مفاتيح العبودية في زمن كورونا – بنداود رضواني
تعالوا نذكر بالقضية المركزية في عقيدة المسلم في البدء، و هي أن أفعال الباري جل جلاله حكمة كلها، و رحمة كلها، وعدل كلها… وما تتقلب فيه البشرية اليوم من آلام ومخاوف انما يستطبن الكثير من الحكم الإلهية والرحمات الربانية، وتجلي للعقلاء العدالة الإلهية فيما قضى به وحكم سبحانه… ولكن أكثر الناس لا يفقهون.
والبادي أن إطباق هذه الجائحة على العالم اليوم إنما يقصد منه الإنسان بوجه عام بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عمره وحتى دينه..
فالوباء قد ألم بالناس اليوم إلماما، واستفز مشاعرهم استفزازا، لعلهم يشعروا من جديد بإنسانيتهم بعد أن تبلدت المشاعر الفطرية في الكثير منهم، وجفت ينابيع قلوبهم من مياه الحب والود والرأفة والتراحم..، واستحكمت العديد منهم المنفعة المادية والإنتهازية المقيتة…..!!!
إنها لحظة فارقة في تاريخ الإنسانية مجتمعة، وليس لحظة تهم بلدا دون آخر، أو قارة دون قارة.. إنها لحظة تذكر الجميع حيثما كانوا بوزن الإنسان الحقيقي وقيمته الوجودية في هذا الكون، تذكرهم بالحقيقة الأساسية الأولى المبثوثة في الفطر والمسجلة في البقايا الأصيلة من وصايا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام…و هي أن ابن آدم مهما ترقى في مدارج الفتوحات العلمية فهو أولا وآخرا عبد مملوك لإله الأرض والسموات…، عبد مملوك لخالق كل شيء، ورازق كل حي، ومدبر كل أمر، قد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا سبحانه..
وأما الحقيقة الثانية فتتجسد في أن كل من في السموات والأرض خلقه وعباده.. وجنده وعبيده… فمنهم المرئي ومنهم المخفي، منهم المكشوف ومنهم المستور، منهم الطيني ومنهم النوراني ومنهم الناري….، ومع ذلك فالكل في قبضة قدرته..وطوع مشيئته يقول جل جلاله، ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ).سورة الأنبياء/27. ويقول كذلك،( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6.
إن الأجدر بالناس ألا يعتقدوا أن ما ابتلوا به اليوم محض العبث و التفاهة…!!، بل الواجب أن يولوا قلوبهم وعقولهم للعبر والدروس التي يحملها هذا الزمن الذي سيصير بلا شك موسوما بالزمن الكوروني في أقرب الآجال.
ولعل أصدق الناس تجاوبا مع هذه الآلام و المخاوف، من كان أسرع أوبة وتوبة إلى بارئه وموجده..، و أشد إدراكا إلى أنه لم يخلق عبثا ولم يترك سدى..وإنما خلق لغاية وحكمة…إذ لم يخلق لنفسه..ولم يخلق ليتمتع كما تتمتع البهائم ..
وإنه لأمر عظيم أن يدرك ابن آدم أنه لم يخلق لذاته …وإنما خلق لعبادة خالقه وسيده سبحانه…
وفي خضم هذه الصروف والبلايا التي تعصف بالناس، فحري بنا أن نحجم عن إلقاء اللوم على غير المسلمين في كل ما يقع للإنسانية اليوم…
لم الإحجام…؟ لأن من فقد بوصلة الإيمان، واستغنى عن كلمات الوحي، واستبدلها بالمادة والتي هي أدنى، فالمعهود في أفعاله الإفساد لا الإصلاح….، وهذا حال جمهور الماديين، كما أن أمرهم معلوم من الواقع و التاريخ بالضرورة….، لكن المأسوف عليه هو غياب حملة الوحي الخاتم، غياب المسلمين عن ساحة الفعل الحضاري..تخلفهم في ميدان التدافع و المدافعة..
فالنتجة المقلقة هي: أن العالم يوما بعد يوم يخسر الشيء الكثير بسبب انحطاط المسلمين…ورحم الله ابا الحسن الندوي حين جعل احد كتبه وعاء لهذه الفكرة فوسم كتابه: ب ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”.
إن المأزم الذي يكبل البشرية اليوم جذره الأساسي قيمي قبل اي شيء آخر…، وأسه وأساسه أخلاقي بامتياز.
لذا تبقى أوضح الطرق لإعادة الناس إلى إنسانيتهم، والبشر إلى فطرتهم الأولى.. طريق التذكرة بأصلهم و مصيرهم، و ربطهم بسيدهم و خالقهم…، ولن يحصل ذلك إلا حين ينهض المسلمون أولا بالمهمة الكبرى التي نهض بها أنبياء الله ورسله ألا وهي مهمة الدعوة إلى الله….تلك هي الخطوة الأولى في سبيل إسعاد البشرية وبث الأمن الأمان في المجتمعات الإنسانية، يقول الباري جل جلاله، ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )، فصلت/33.