معجم الدوحة التاريخي للغة العربية يجمع خبراء وباحثين بجامعة مكناس في مؤتمر دولي
أختتمت أمس الجمعة 12 ماي 2023 أشغال مؤتمر “معجم الدوحة التاريخي للغة العربية: تحولات المعنى والاستثمار في مجالات اللسانيات التطبيقيةّ الذي انعقد في مقر جامعة مولاي إسماعيل بمدينة مكناس في المملكة المغربية، مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية والمدرسة العليا للأساتذة بجامعة مولاي إسماعيل في مكناس بالمغرب، ومختبر الدراسات الأدبية واللسانية والديداكتيكية بجامعة السلطان مولاي سليمان في بني ملال بالمغرب.
وانطلقت أعمال المؤتمر الأربعاء الماضي بجلسة افتتاحية تضمنت عدد كلمات، تحدّث فيها عز الدين البوشيخي، المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية عن عدد من الطموحات والرؤى التي تتعلق بوظيفة معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ودوره، وحددها في أن يكون معجما مرجعيا للغة العربية عبر عصورها المختلفة، يقدم ألفاظها ومعانيها تقديما علميا موثقا، ويقدم شواهدها النصية في سياقاتها الاستعمالية الحية، وفقا لمعايير الصناعة المعجمية المعاصرة، وأن يوفر قاعدة من البيانات اللغوية والثقافية والتاريخية تمكن الباحثين في المجالات المعرفية والعلمية المختلفة من الاستفادة منها في أبحاثهم، إضافةً إلى أن يكون المعجم في ذاته مجالًا للبحث في مصادره وشواهده ومواده ومداخله وألفاظه ومعانيه.
مقاربات نظرية عن تحول المعنى
وأعقب الجلسة الافتتاحية انعقاد الجلسة الأولى من المؤتمر بعنوان “مقاربات نظرية عن تحوّل المعنى”، أدارها رمزي بعلبكي، رئيس المجلس العلمي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، وقدّم فيها محمد غاليم، أستاذ اللسانيات بجامعة محمد الخامس، ورقةً عنوانها “أصناف الأوضاع النفسية في المعجم البنائي التنوعي ومعجم الدوحة التاريخي”، تطرق فيها إلى قضية معالجة المفردات والعبارات النفسية في المعاجم العربية من خلال المقارنة بين معالجة المعجم العربي البنائي التنوعي، ومعالجات القواميس العربية، ومعجم الدوحة التاريخي خاصة.
تابع التقديم في الجلسة أستاذ اللسانيات بجامعة الملك خالد في المملكة العربية السعودية، عبد الرحمن البارقي، الذي تحدث عن “دور معجم الدوحة في رصد حركة الاستعارة التصورية”، وذلك في ورقة تقوم على فرضيتين: الأولى أن الحس المشترك اللغوي العربي استعار كلمة “الأنف” للتعبير عن العزة والشموخ، وهي استعارة “مجسدنة” لأنها مرتبطة بأنف الإنسان تحديدًا، والثانية أن البنى والاستعارات التصورية تتحول على نحو ديناميكي حينما يُهيِّئ لها الحس المشترك ذلك. وقد اعتمد الباحث في اختبار فرضيّتيه على معجم الدوحة التاريخي ومدونته اللغوية لمراقبة حركة استعارة الأنف ومعالجتها وتحليلها.
واختتمت الجلسة الأولى بورقة قدمها عبد الكبير الحسني، أستاذ اللسانيات بجامعة السلطان مولاي سليمان بالمغرب بعنوان “تسويـغ المعاني في المعجـم العربي: مقاربة معرفية بنائية تنوعية”.
وقد اقترح الباحث في ورقته نموذجا لمعجمة المعاني داخل المعجم العربي، يواكب التحولات ويعمل على معجمتها على نحو دوري ومستمر، حتى يضمن حياةً لغوية أفضل، وبيّن الباحث أن المعجم الذي ينسجم مع الافتراض هو معجم ذهني/ معرفي من جهة، وتنوعي وبنائي من جهة أخرى، مما أسس للاقتناع بوجود معنى موسوعي يقبل أن يضم كل المعاني الممكنة.
دراسة نماذج عن تحول المعنى في معجم الدوحة
الجلسة الثانية التي أدارها محمد عفط، أستاذ التعليم العالي بالمدرسة العليا للأساتذة بجامعة مولاي إسماعيل في المغرب انصبت على محور “دراسة نماذج عن تحوّل المعنى في معجم الدوحة”، بورقة لعبد المنعم حرفان، أستاذ اللسانيات بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بالمغرب، تناول فيها موضوع “التعدية من خلال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية”، باعتبار هذا المعجم هو أول معجم عربي يؤرخ لتطور اللغة العربية ولمصطلحات العلوم العربية. قارب الباحث التعدية بنظرة جديدة وعُدّة مختلفة، ترتكز على استقراء تامّ ومنتظم لمختلف المصطلحات التي تمتُّ بصلة إلى هذا المفهوم، في محاولة للإجابة عن أسئلة من قبيل: هل يمكن لمعجم الدوحة أن يؤكد، أو يفند، هذه الافتراضات التي تراوح بين مُبالغٍ في تقدير دور هذا التأثير، وبين من يحصره في حدوده الدنيا؟ وإلى أي حد يمكنه أن يسهِم في إعادة بناء الشبكة الاصطلاحية للنحو العربي وتمكيننا من تمثّل واضح لنشأة التقليد النحوي وتطوره؟
و قدّم محمد الغريسي، أستاذ اللسانيات بجامعة مولاي اسماعيل بالمغرب ورقة عنوانها: “التطور الدلالي للأفعال في اللغة العربية وعلاقته بسلوكها التركيبي: فعل الحركة ’أتى‘ في معجم الدوحة التاريخي نموذجًا: تحليل لساني”.
وقد تطرق إلى قضية افتقار الصناعة المعجمية التاريخية التي ترصد المفردات وتؤرخ لها عبر تطورها وتحولاتها الدلالية، وإلى القصور الذي شهدته الصناعة المعجمية قبل ظهور معجم الدوحة التاريخي للغة العربية الذي كان له السبق في جمع مفردات اللغة بمنهج علمي يسجل تاريخ استعمال اللفظ، ويرصد تطوره الدلالي. وسعى الباحث في ورقته إلى توضيح أن التطور الدلالي للأفعال في اللغة العربية متعلق بسلوكها التركيبي. وقد خصص الحديث عن فعل واحد أنموذجًا لغيره، هو فعل الحركة “أتى” في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.
وقدّمت حليمة الخيروني، أستاذة اللسانيات الزائرة بجامعة عبد المالك السعدي بالمغرب، ورقة الباحث مهدي عرار، أستاذ اللسانيات والعلوم اللغوية بجامعة بير زيت بفلسطين لتعذر حضوره.
واهتم الباحث في الورقة الموسومة بـ “المعجم التاريخي وتحولات المعنى من المادي المحسوس إلى المعنوي المجرد: معجم الدوحة أنموذجًا” بمجموعة من الكلمِ العربيِّ التي اعترى دلالاتِها تطوّرٌ على النحو الموصوف في العنوان، عن طريق تلمس ذلك الانتقال، واستبطان المعنى الجامع بين المعنيين: الحسي والمجرد، محاولًا استشراف ذلك، في أثناء الوقوف على عدد من الكلمات، في معجم الدوحة، واستصفاء مقولاتٍ كلّيّة تأتي عقبَ الأمثلة الجزئية لتكون بمنزلة الموجِّهات الكلية.
في ختام الجلسة الثانية، قدم الشاذلي الهيشري، أستاذ اللغة العربية بجامعـــــة منوبــــة بتونس، ورقة عنوانها “المصدر الصناعي وتحوّلاته المعنويّة في معجم الدوحة التاريخي للغة العربيّة”، وفيها رصد التحولات الدلالية للمصدر الصناعي في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية؛ وذلك في مرحلتَيه الأوليَين إلى نحو سنة 500 للهجرة، من أجل وصف المنجزات السابقة، ورصد التحوّلات الدلاليّة للمداخل، إضافةً إلى مرحلته الثالثة الممتدّة إلى العصر الحديث، مقدّمًا العديد من المقترحات.
قضايا عامة عن تحول المعنى
اختتمت أعمال المؤتمر في اليوم الأول بجلسة أدارها إدريس موحتات، أستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي إسماعيل بالمغرب بعنوان “قضايا عامة عن تحوّل المعنى”. وبدأت الجلسة بورقة قدمها المهدي المنهابي، أستاذ اللسانيات بجامعة مولاي اسماعيل بالمغرب، عنوانها “المعجم التاريخي وتحولات المعنى: القضايا والإشكالات”. ذكر فيها الباحث أهم الإشكالات والقضايا المعجمية والدلالية التي يعالجها البحث المعجمي التاريخي من أجل الكشف عن الآليات المعرفية المتحكمة في معجمة المفردات والتعابير.
وشارك في هذه الجلسة الباحث بمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، علاء الشاطر، بورقة عنوانها “تطور المعنى من اللغة العامة إلى اللغة الخاصة ومستويات تمثيله في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية”، سعى من خلالها لتحليل أساليب تمثيل المعنى وتطوراته في معجم الدوحة التاريخي، وفحص الآفاق التمثيلية التي يوفرها لخدمة ذلك، مستعينًا بطرائق تمثيل المعرفة والمفاهيم في المقاربة المعرفية لعلم المصطلح. وخلص إلى أن معجم الدوحة التاريخي يقدّم نظامًا متكاملًا محكم البناء لتمثيل المعاني وتطورها، مبيّنًا بعض الآفاق الممكنة لرصد تطور المعاني في مجالات لم يتطرق إليها المعجم بسبب محدداته المنهجية المرحلية.
كما قدمت الباحثة حليمة الخيروني، أستاذة اللسانيات الزائرة بجامعة عبد المالك السعدي بالمغرب ورقة عنوانها “قوانين التطور اللغوي نماذج من معجم الدوحة التاريخي”، سلطت فيها الضوء على جهود معجم الدوحة في رصد مظاهر التطور الدلالي للألفاظ بوصفه قانونًا من قوانين التطور اللغوي.
وناقشت الأوراق البحثية التي قدمت أمس الجمعة ضمن محاور متنوعة، مواضيع متعددة منها المصطلح في معجم الدوحة والمعاجم المتخصصة، ومعجم الدوحة في خدمة النص الديني، والتاريخ والتطور اللغوي في معجم الدوحة، ومعجم الدوحة وتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
بتصرف عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات