مشروع قانون 16.22: حينما يَفرِش اللوبي والسياسة سجادة الاحتفال في حرم القانون – راضية الدباغ

ليس من السهل على المتتبع للشأن القانوني بالمغرب أن يُخفي خيبة أمله وهو يطالع مخرجات الحوار الذي جمع الهيئة الوطنية للعدول بوزارة العدل، والذي انتهى بإخراج مشروع قانون 16.22، كمولود ولد هرِما، يفتقد لروح الإصلاح، ويُجسّد بلا مواربة فشل القانون في مواجهة السياسة، وانكسار النص أمام منطق اللوبيات والريع واللامبالاة المؤسساتية.
لقد كان المنتظر من هذا الحوار أن يُشكّل لحظة دستورية بامتياز، تُترجم مقتضيات دستور 2011، ولاسيما الفصل الأول الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، والفصل 12 الذي يُؤطّر دور الهيئات المهنية في المساهمة في إعداد السياسات العمومية، والفصل 154 الذي ينص على مبادئ الحكامة الجيدة وربط المرفق العام بخدمة المواطن. غير أن ما وقع فعليًا هو العكس تمامًا: حوار شكلي، ونتائج مُعلّبة، ونص قانوني مُفصّل على مقاس فئة بعينها، لا على مقاس المهنة ولا على متطلبات العدالة.
في مشروع 16.22، نلاحظ كيف فقد القانون جاذبيته الأخلاقية أمام السياسة واللوبيات: كل محاولة للتجديد تم إحباطها، وكل صوت للعدل أو الكفاءة تم تهميشه، ليبقى الميدان محتكَرًا على منطق الامتيازات. القانون، الذي يُفترض أن يكون أداة لضبط التوازن، أصبح مرآةً تعكس مصالح من لا يريدون الإصلاح.
التهكم الحقيقي ليس في اللغة، بل في المضمون: مشروع يُقصي الكفاءات العلمية، ويُهمّش العدول الدكاترة، ويُعيد إنتاج نفس الوجوه ونفس الآليات، ثم يُقدَّم لنا على أنه “إصلاح”، أي إصلاح هذا الذي يخاف من العقل، ويرتعب من الاستحقاق، ويتحصن ضد التجديد؟
لقد نجح المشروع – وهذا يُحسب له – في تكريس مبدأ دستوري جديد غير منصوص عليه: مبدأ حماية الريع المهني من أي إزعاج محتمل. فالمواقع محفوظة، والمناصب مؤمَّنة، والديمقراطية الداخلية مؤجلة إلى أجل غير مسمى، لأن اللوبي – كما يبدو – لا يحب المفاجآت.
وإذا ما قارنا هذا الوضع بتجارب دولية، حتى داخل الفضاء الإسلامي، نجد أن دولًا مثل تركيا وماليزيا جعلت من التكوين العلمي المتقدم رافعة لتحديث مهن التوثيق، وربطت المسؤولية المهنية بالنجاعة والشفافية والمردودية. أما نحن، فاخترنا – للأسف – العودة إلى الخلف، وتكريس منطق “دعه يمر” ما دام لا يُزعج مراكز النفوذ.
مشروع 16.22 لا يُسيء فقط لمهنة التوثيق العدلي، بل يُسيء لفكرة القانون نفسها. فهو يُقدّم درسًا عمليًا في كيفية تحويل التشريع إلى أداة لتدبير التوازنات، لا لتحقيق العدالة؛ وإلى وسيلة لإسكات المطالب، لا للاستجابة لها.
لا يسعني القول، إلا مسألة واحدة قد يمر هذا المشروع كما مرت نصوص كثيرة قبله، لكن ما لن يمر هو أثره الرمزي: قانون يُثبت أن السياسة، حين تُترك بلا ضوابط، تستطيع أن تُفرغ النص من معناه، وأن تجعل من الإصلاح نكتة تشريعية ثقيلة الظل. الدفاع عن مهنة التوثيق العدلي ليس دفاعًا عن فئة، بل عن العدالة ذاتها وعن دولة القانون، وعن دستور اختار – نظريًا على الأقل – أن يكون في صف الكفاءة والشفافية والمساءلة، أما القوانين التي تولد من رحم اللوبيات، فمصيرها – مهما طال الزمن – أن تسقط أخلاقيًا، إن لم تسقط تشريعيًا.
عدلة موثقة باستئنافية طنجة




