مراجعة مدونة الأسرة.. مخاوف من المساس بالمرجعية الإسلامية والخطابات الرسمية تُطمئن
أعلن الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2022 عن قرار يقضي بمراجعة مدونة الأسرة، وبتاريخ الثلاثاء 26 شتنبر 2023 كشف بلاغ للديوان الملكي عن توجيه أمير المؤمنين الملك محمد السادس رسالة إلى رئيس الحكومة تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة.
وتفاعلت مجموعة من الهيئات والمنظمات مع الدعوة الملكية لمراجعة المدونة، وشدد بعضها على ضرورة أن تكون هذه المراجعة منسجمة مع المرجعية الإسلامية باعتبارها مرجعية الدولة والمجتمع، مع الاعتماد على الاجتهاد الشرعي في القضايا التي تحتاج إلى مراجعة.
ومنذ دعوة بعض هيئات المجتمع المدني إلى تعديل مدونة الأسرة برزت مخاوف من المساس بالمرجعية الإسلامية، وزكى تلك المخاوف دعوة بعض المنظمات والمؤسسات إلى إباحة الزنا “العلاقات خارج إطار الزواج” تحت مسمى العلاقات الرضائية، ورفع التجريم عن الشذوذ الجنسي والمساواة التامة في الإرث إلى غير ذلك من القضايا القطعية.
ومما رفع من حدة تلك المخاوف، تلقي المملكة 306 توصية في الجولة الرابعة من الاستعراض الدوري الشامل للمملكة المغربية ، منها 32 توصية تدعو لإباحة العلاقات الجنمسية خارط إطار الزواج، ورفع التجريم عن الشذوذ الجنسي والمساواة في الإرث وإلغاء التعدد وإلغاء زواج ما دون 18 سنة.
التطمينات الرسمية
جاءت التطمينات الأولى من أعلى هرم للسلطة في المغرب، حين قال الملك محمد السادس في خطاب العرش مساء يوم السبت 30 يوليوز 2022 ”بصفتي أميرا للمؤمنين، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله ، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.
وجاءت التطمينات الثانية من الجسم القضائي، حيث شدد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة على مراجعة مدونة الأسرة وفقا لمقاصد الشريعة الإسلامية، بمناسبة مشاركتهما في الندوة الوطنية حول “المساواة والعدل في الأسرة المغربية” يوم الخميس 27 أكتوبر 2022 بالرباط.
أما التطمينات الثالثة فبرزت مع اعتماد مجلس حقوق الإنسان مساء يوم الجمعة 24 مارس 2023 بجنيف تقرير الاستعراض الدوري الشامل للمملكة المغربية في جولته الرابعة، والذي تضمن رفض المغرب بعض التوصيات “لكونها تتعارض مع الثوابت الجامعة للأمة المغربية”.
وفي مقابل رفض توصيات صادمة للمرجعية الإسلامية، قبل المغرب توصية لافتة من توصيات من الاستعراض الدوري الشامل تدعو إلى مواصلة تقديم الدعم الشامل لمؤسسة الأسرة بمعناها التقليدي، تقدمت بها روسيا في الجولة الرابعة لآليات الاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان.
حتى أن رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي عرفت بمواقفها أدلت بتصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء تؤكد فيه على أهمية خصوصية المقاربة المغربية في إصلاح المدونة، كما تغيير موقف وزير العدل الذي استبق نقاش التعديل ليحسم في تجرم الزواج دون 18 سنة في لقاء أثير الإذاعة الوطنية يناير المنصرم.
حدود التعديل
بالرجوع إلى الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة حول تعديل مدونة الأسرة يظهر أن المراجعة تقصد أساسا القضايا المتعلقة بالجوانب القانونية والقضائية.
وقد ـوضح تصريح للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية محمد عبد النباوي حدود التعديل ومسار المراجعة حيث قال “خطة العمل واضحة في الرسالة الملكية. وأسس وحدود الاشتغال واضحة في خطاب جلالة الملك لسنة 2022 خطاب العرش”
وبالعودة إلى خطاب العرش نجد أنه يحدد حدود التعديل في قوله “كما يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك. وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.
أما المنهجية “ومن هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”.
أما الهدف فهو مدونة منصفة، يقول الملك محمد السادس “وعلى الجميع أن يفهم، أن تمكين المرأة من حقوقها، لا يعني أنه سيكون على حساب الرجل؛ ولا يعني كذلك أنه سيكون على حساب المرأة”.
مسار المراجعة
و بالرجوع إلى الرسالة الملكية فنجد أنها تبين مسار الاشتغال، حيث أسندت الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع.
كما تشير الرسالة الملكية إلى أن تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.
ويفضي المسار ككل برفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات التشاركية الواسعة، إلى النظر السامي لجلالة الملك، أمير المؤمنين، والضامن لحقوق وحريات المواطنين، في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.