مذبحة الخليل في مجلس الأمن – غازي حسين
ناقش مجلس الأمن المذبحة لمدة ثلاثة أسابيع بسبب الانحياز الأميركي الوقح والحقير”لإسرائيل”، وإصرار واشنطون على عدم إدانتها أو الإشارة إلى القدس كأرض محتلة في الفقرات العاملة أو تناول مشكلة الاستيطان.
وتبنى المجلس قراراً يدين المذبحة. وتزامنت الموافقة عليه مع توصل واشنطون إلى صفقة لاستئناف المفاوضات. وكانت السفيرة اليهودية مادلين أولبرايت قد ربطت بين تبني القرار وبين استئناف المفاوضات الفلسطينية –الإسرائيلية.
أدان مجلس الأمن المجزرة الجماعية، وطلب من إسرائيل مصادرة الأسلحة من المستوطنين. ودعا إلى اتخاذ تدابير لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين.
وأعلنت أولبرايت أنها كانت مستعدة لاستخدام الفيتو لو وردت الإشارة إلى القدس كأرض محتلة في الفقرات العاملة من القرار وليس التمهيدية.
لم يحدد قرار مجلس الأمن مسببي المذبحة، كما خلا تماماً من إدانة “إسرائيل”، ولم يطالب بتفكيك المستعمرات داخل الخليل وفي مشارفها، وإنما جاء منسجماً مع الموقف الأميركي.
إن إسرائيل تتحمل كامل المسؤولية على المذبحة، لأنها هي التي أشعلت حرب حزيران العدوانية وترفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وهي التي أدخلت المستعمرين إلى مدينة الخليل وأقامت مستعمرة كريات أربع التي كان يسكن فيها السفاح اليهودي، وهي التي قامت بتهويد المسجد الإبراهيمي، وأعطت أكثر من نصفه لليهود.
تذرع النازيون بعدم وجود اتفاقيات دولية تحرِّم ارتكاب المجازر الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فبماذا يتذرع اليوم قادة “إسرائيل” بعد الموافقة على العديد من العهود والمواثيق الدولية التي تحرم الإبادة وتعاقب عليها؟.
اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار 904 الذي أدان فيه مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل وفيما يلي نص القرار:
“إن مجلس الأمن وقد هالته المذبحة الرهيبة التي ارتكبت ضد المصلين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل في 25 شباط (فبراير) 1994 خلال شهر رمضان المبارك.
“وإذ يساوره بالغ القلق إزاء ما نجم عن تلك من خسائر في الأرواح بين الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة نتيجة لتلك المذبحة مما يؤكد الحاجة إلى توفير الحماية والأمن للشعب الفلسطيني (امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على هذه الفقرة).
“وتصميماً منه على التغلب على الآثار السلبية لهذه المذبحة على عملية السلام الجارية حالياً، “وإذ يلاحظ مع الارتياح الجهود المبذولة لضمان سير عملية السلام بشكل سلس وإذ يدعو جميع الأطراف المعنية إلى مواصلة جهودها لبلوغ هذه الغاية،
“وإذ يلاحظ إدانة المجتمع الدولي بأسره لهذه المذبحة.
“وإذ يؤكد مجدداً قراراته ذات الصلة التي تؤكد انطباق اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12 آب (أغسطس) 1949 على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حزيران (يونيو) 1967 بما في ذلك القدس والمسؤوليات التي تقع على عاتق إسرائيل بموجبها (امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على هذه الفقرة)،
“1-يدين بقوة المذبحة التي ارتكبت في مدينة الخليل والحوادث التي أعقبتها ما أودى بحياة ما يزيد على خمسين من المدنيين الفلسطينيين وأدى إلى إصابة عدة مئات آخرين بجروح،
“2-يطلب من إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، مواصلة اتخاذ وتنفيذ تدابير من بينها مصادرة الأسلحة بهدف منع أعمال العنف غير المشروعة من جانب المستوطنين الإسرائيليين،
“3-يدعو إلى اتخاذ تدابير لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض المحتلة تشمل في جملة الأمور توفير وجود دولي أو أجنبي مؤقت وهو الأمر المنصوص عليه في إعلان المبادئ في سياق عملية السلام الجارية،
“4-يرجو من المشاركين في رعاية عملية السلام، الولايات المتحدة وروسيا، مواصلة جهودهما من أجل إنعاش عملية السلام والاضطلاع بما يلزم من دعم من أجل تنفيذ التدابير المذكورة أعلاه،
“5-يعيد تأكيد دعمه لعملية السلام الجارية ويدعو إلى تنفيذ إعلان المبادئ الذي وقعته “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية في 21 أيلول (سبتمبر) 1993 في واشنطن العاصمة من دون تأخير”. 92
أكد قرار مجلس الأمن في مقدمته على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12 آب 1949 على الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” في حزيران 1967 بما في ذلك القدس. وجاء ذلك في ديباجة القرار وليس في إطار بنوده، ومع ذلك امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على هذه الفقرة.
ونصت المادة الثالثة من القرار على توفير وجود دولي أو أجنبي مؤقت لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبالرغم من ضعفها امتنعت الولايات المتحدة من التصويت عليها. وبالتالي خلا القرار من الدعوة لنشر قوات دولية أو وضع الأراضي المحتلة تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية الشعب الفلسطيني.
وجاءت المادة الأولى من القرار تدين المذبحة والأحداث التي أعقبتها دون إدانة “إسرائيل” ودون تحديد مسؤولياتها عن المجزرة وأعمال القتل التي قام بها الجيش الإسرائيلي في أعقابها.
كان من المفروض على مجلس الأمن الدولي إدانة “إسرائيل” التي تحتل الخليل وإدانة المستوطنين اليهود وتحميل إسرائيل تبعات المذبحة وإلزامها بالتوقف عن الإبادة ودفع التعويضات لعائلات الشهداء وتفكيك المستعمرات، لأنه لا يمكن التعايش مع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني.
وجاء البند الثاني من قرار مجلس الأمن يدين فقط المجزرة ولا يدين أحداً، ويدين الأحداث التي تلتها ويمكن للمرء أن يفهم من ذلك إدانة حالة الهيجان والغضب الشعبي الذي ساد في مدينة الخليل على أثر ارتكاب المجزرة، لأن الهيجان بالمفهومين الإسرائيلي والأميركي شكل خطراً على حياة الجنود وإخلالاً بالنظام مما أدى إلى قيام الجيش الإسرائيلي بالدفاع عن نفسه ومتابعة المذبحة بقتل العديد من الفلسطينيين الأبرياء الذي بلغ عددهم (15) ضحية. وبالتالي برأ مجلس الأمن سلطات الاحتلال الإسرائيلي من المسؤولية عن المجزرة وعن أعمال القتل التي تلتها.
وتجاهل مجلس الأمن في القرار العقوبات الجماعية التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلية على المدنيين في الخليل، كالحصار والإغلاق ومنع التجول.
وطالب البندان الرابع والخامس من القرار باستئناف المفاوضات وتنفيذ اتفاق أوسلو.
لقد ظهر بجلاء أن حرص قيادة عرفات –أبو مازن –أحمد قريع على السير في التسوية الأميركية وإرضاء إسرائيل أهم بكثير من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ومن الدماء والآلام والعذابات الفلسطينية التي سببتها إسرائيل واتفاق أوسلو مما يدّل على فشلها وتخاذلها في حماية شعبنا العربي الفلسطيني.