كيف نتعامل مع الإعلام الصهيوني – ياسين عز الدين
رغم الثورة الرقمية وتأثيرها الهائل على الإعلام والإمكانيات التي منحتها للشعوب المستضعفة ليكون لها صوت إعلامي مسموع، إلا أننا ما زلنا أسرى للإعلام الصهيوني وأجنداته والذي ما زال يفرض علينا ما يجب سماعه والاهتمام به واولوياتنا ومعلوماتنا بل ويتدخل في قناعاتنا.
هنالك اختلاف اليوم عن الماضي حيث كان يفرض علينا وسائل إعلامية محددة والبدائل شحيحة، مثل إذاعة “صوت إسرائيل بالعربية” وحتى الصحافة الفلسطينية مثل صحيفة القدس كانت تحت الرقابة العسكرية الصهيونية، أما اليوم فالبدائل كثيرة جدًا لكننا أسرى للإعلام الصهيوني بإرادتنا وليس قسرًا وجبرًا.
ما يميز الثورة الرقمية وثورة المعلومات التي نعيشها هو طوفان هائل من المعلومات، والمطلوب منا أن نقوم بغربلة هذه المعلومات وأخذ ما نحتاجه والابتعاد عن المعلومات المزيفة أو الموجهة المقولبة، وبذلك نقول إن لدينا إعلامًا وطنيًا واعيًا.
المشكلة أننا ما زلنا نعتمد على الإعلام الصهيوني كمصدر رئيسي للمعلومة ونعطيه الأولوية على الكثير من البدائل، حتى عندما لا تخدمنا المعلومة بل تكون مرسخة لخدمة الحرب النفسية الصهيونية الموجهة ضدنا، ورسخ لهذه التبعية بعض المدارس الإعلامية مثل مدرسة “ناصر اللحام” الذي قزم العمل الصحفي ليكون مجرد ترجمة عن الإعلام الصهيوني بخيره وشره.
فتحت مسمى “اعرف عدوك” هنالك عدد كبير من المترجمين والناقلين عن الإعلام الصهيوني، ويمنحون لقب “محلل” وهم أبعد ما يكونون عن التحليل، على الأكثر هم مجرد مترجمين وللأسف فهذه الشريحة من الإعلاميين (المترجمين) يعطيهم إعلامنا الفلسطيني الأولوية والمقدمة على أي مصدر آخر للمعلومة.
وهكذا بقينا في دوامة التلقي عن الإعلام الصهيوني وهي أخبار موجهة وبعضها معلومات مفبركة ومتلاعب بها، بل ويفرض علينا اهتماماتنا وأولوياتنا بشكل ملفت للنظر، نحتاج بشكل ملح إلى مراجعة طريقة تعاملنا مع الإعلام الصهيوني ووقف اعتمادنا عليه كمصدر للمعلومة الموثوقة.
فيما يلي الأساسيات التي يجب اتباعها في التعامل مع الإعلام الصهيوني:
1- المعلومة الصهيونية بحاجة لمراجعة وتدقيق وتحليل وليست خبرًا موثوقًا يؤخذ كما هو. يجب التوقف عن نشر الأخبار المترجمة وكأنها الحقيقة المطلقة.
مثل الأخبار المتعلقة بصفقة التبادل التي ينشرها الاحتلال الصهيوني من أجل إرباك ساحتنا الداخلية، ما زال التعامل معها على أنها حقائق وكأن الصحفي الصهيوني يجلس مع قيادة المقاومة.
ولا ننسى سيل الأخبار الصهيونية الموجهة عن أسرى جلبوع خلال فترة هروبهم وبعد اعتقالهم، ورغم أنها كانت تناقض بعضها البعض إلا أنه كل مرة كنا نتعامل معها وكأنها حقائق لا يمكن التشكيك بها، ورأينا كيف استطاع الإعلام الصهيوني خلق فتنة وحملة تشويه ضد أهل الناصرة من خلال خبر مزيف عن قيام فلسطيني من الناصرة بتسليم بعض الأسرى، وذلك بدلًا من أن ننشغل بحملة إعلامية ضد الاحتلال الصهيوني وجرائمه.
2- الكثير من الأحداث الخطيرة تحصل ولا يهتم لها الإعلام الصهيوني ويمكن الحصول على المعلومات من المصادر الفلسطينية المحلية، لكن للأسف هنالك إهمال لهذه المصادر رغم أهميتها.
فمثلًا هنالك تقارير فلسطينية عن توسع استيطاني جديد في مطار قلنديا وممارسات صهيونية تهويدية في المسجد الأقصى، ورغم الأهمية السياسية لإثارة هذه التقارير إلا أنها تبقى مهملة إلى أن يقرر الإعلام الصهيوني أنها مهمة.
الكثير من المستوطنات يتم بناؤها دون إعلان رسمي ودون ذكر في الإعلام الصهيوني لكننا نعتمد على الإعلام الصهيوني حصرًا في أخبار التوسع الاستيطاني، فإن ذكر الموضوع نهتم به وإلا نتعامل وكأنه غير موجود.
3- يجب التفريق بين الرأي والمعلومة، الكثير من مقالات الرأي لكتاب صهاينة هي تعبر عن أفكار تدور داخل رأس الكاتب أو رأيه الشخصي في الوضع القائم أو حتى ينقل تحليلات جاهزة من صفحات فلسطينية. للأسف يتم نقل هذه المقالات والتحليلات وكأنها معلومات دقيقة لمصدر مطلع والاعتقاد بأن هنالك معلومات ثمينة لديه دفعته ليقول هذا الكلام، وهنالك فرق جلي بين الأمرين.
والأسوأ أن تحليل الكاتب الصهيوني يأخذ في إعلامنا المحلي طابعًا مقدسًا وكأن الحجاب مرفوع عنه، أما التحليل لكاتب فلسطيني فغالبًا ما يعامل على أنه مجرد وجهة نظر.
4- العودة إلى أصل الخبر، فالكثير من الأخبار المنشورة في الإعلام الصهيوني تكون منقولة عن مواقع أو مصادر أخرى معروفة، فمثلًا خبر عن حدث في أمريكا ترجمه موقع صهيوني لا داعي لأن نقول قالت صحيفة “هآرتس” لأنها مجرد مترجم للخبر في الموقع الأمريكي، اذهب للموقع الأمريكي واقرأه وترجمه!
والمهزلة أن حركة حماس نشرت بيانًا على موقعها قبل فترة وكان متاحًا للجميع، فجاء موقع صهيوني وترجم البيان ونقله كما هو لنرى بعد قليل الخبر يعود إلى إعلامنا الفلسطيني على الشكل الآتي: (أفاد موقع “أ” الصهيوني أن حركة حماس تنوي فعل كذا وكذا)، هذه الصيغة توحي بأن مراسل الموقع حصل على معلومات جديدة لا نملكها وكل ما في الأمر أنه ترجم بيانًا متوفرًا للجميع! ربما يبدو للبعض أمرًا شكليًا لكننا بحاجة للتخلص من عقدة النقص والانبهار بالإعلام الصهيوني.
5- يجب فهم خلفية الخبر أو المقال في الإعلام الصهيوني، فلا نتكلم عن معلومات مجردة (1+1=2) بل كل كاتب وصحيفة وموقع لهم توجهاتهم وأهدافهم، فمثلًا نشر صحيفة “إسرائيل اليوم” خبرًا عن اعتقال السلطة لموظف في الإدارة المدنية ووصفه بالحدث الخطير لا يعني أنه “خطير فعلًا” فإذا عرفنا أن الصحيفة مقربة من نتننياهو وتنطق باسم خصوم بينت وحكومته فنعرف أنها معنية بتضخيم الخبر حتى تحرج الحكومة وتقول للصهاينة أن “إسرائيل في خطر بعد رحيل نتنياهو”.
هنالك صحف يسارية مثل هآرتس ستجد فيها مقالات كثيرة تنتقد الاستيطان وممارسات الاحتلال، لكن وزن اليسار في حكومة الاحتلال ومؤسساته هامشي جدًا، بالتالي هذه المقالات لا تعبر عن تغير في سياسة الاحتلال.
بينما القناة السابعة الصهيونية تمثل المستوطنين في الضفة والتيارات الداعمة لهم فعندما تنشر خبرًا فهي تعبر عن اهتماماتهم ومخاوفهم وهكذا.
يجب أن نفهم ما وراء الخبر ولماذا صدر التصريح الآن وهل هذه المعلومة حقيقية أم لا، هذا يسمى تحليلًا أما مجرد الترجمة فليست تحليلًا ولا تمت إليه بصلة.
في الختام:
أمام الطوفان الإعلامي يجب أن نكون قادرين على غربلة المعلومات، وأن تتوفر لدينا سياسة إعلامية واعية تحدد أولوياتننا، والأهم أن نتحرر من التبعية للإعلام الصهيوني فلا يجوز أن يبقى المصدر الأساسي للمعلومة ولا أن يستمر في طرح أولوياتنا على الساحة الإعلامية، ويجب التحرر من عقدة النقص والتوقف عن الاعتقاد أن الإعلام الصهيوني متفوق علينا معرفيًا ومهنيًا.
ياسين عز الدين
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام