كورونا وتحدي العالقين – عبد الرحيم مفكير
لعل من أهم القضايا المستجدة في زمن كورونا ملف العالقين الراغبين في الرجوع إلى بلدانهم في أقرب الآجال طلبا للاستقرار. وقد أعاد هذا الملف إلى النقاش ضحايا الحروب والمهجرين مثل الفلسطينيين، السورين، الليبين، الأفغانيين، البوسنيين، الشيشانيين، وغيرهم ممن يرغبون في العودة باعتباره حقا تضمنه كافة القوانين الدولية وصادقة عليه العديد من الدول.
الجديد مع أزمة كورونا أن الإجراءات الاحترازية وضعت مواطنين في” بين بين” بعيدا عن أسرهم وذويهم، مما يؤثر سلبا عليهم نفسيا، جسديا اجتماعيا، واقتصاديا. وتسارع الدول الزمن في إيجاد حل لهذه المعضلة، وهي بين التخوف من نقل العدوى وحق العودة وضمانه للعالقين.
المغرب ليس بدعا عن باقي الدول ويوجد عنده مواطنون عالقون في دول أخرى، وحسب كمال عصامي عضو المجلس الوطني للمنظمة المغربية للعدالة وحقوق الإنسان أحد المواطنين العالقين بتركيا فإن وزير حقوق الإنسان بالمغرب عبر له عبر رسالة عن طريق الواتساب على سعي الحكومة المغربية لإيجاد حل، وأن السلطات المغربية خاصة وزارة الخارجية ووزارة الصحة جادة في العمل على حل المشكلة في أقرب الأوقات وذلك بمجرد السيطرة على الوباء داخل المغرب حتى يتمكن من رصد الإمكانات اللازمة لاحتواء المشاكل المحتملة في المستقبل، وطمأن الذين يتخوفون من فقدانهم للشغل، أن القانون الدولي يضمن لهم هذا الحق.
يشار إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 13، في الحالات الاستثنائية تآزر الدولة مواطنيها، وكذا العهد الدولي للحقوق المادة 12 الفقرة 4 تنص على عدم حرمان شخص من دخول بلده.
وتفيد إطلالة بسيطة على القانون ما يكفله للمواطنين من حريات، وهنا نبسط بعض ما تعلق بحق التنقل، وحرية الخروج والعودة إلى البلد في الشرعية الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون المغربي، واستعمال القاعدتين للتعليق على الاجتهاد القضائي الإداري الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية في الموضوع، كما تعرض له خبراء القانون .
أولاً:حق وحرية الخروج والعودة إلى الوطن في الشرعية الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
إن العودة إلى موطن الإقامة والوطن هو حق شخصي مرتبط بحق الإنسان غير القابل للتصرف، وتضمن الدول هذه الحرية في الأحوال الاستثنائية، وتؤازر مواطنيها ممن تقطعت بهم السبل في الظروف العادية.
وقد حال تنفيذ تدابير الحجر الصحي، وخاصة إغلاق الحدود، ووقف الرحلات دون عودة مواطنين مغاربة إلى الوطن، وناشد البعض منهم حماية القضاء الإداري برفع دعوى للإذن له بالدخول دون أن يستجيب؟. فهل تشكل حالة الطوارئ الصحية سببا كافية لمنع مغربي من حرية دخول بلده المغرب؟ .
وهل يشكل دخول المغاربة العالقين في الخارج، وفي مناطق حدودية خطرا على صحة باقي المواطنين داخل الوطن؟ وعلى فرض صحة الفرضية الثانية!، هل يشفع ذلك للمغرب بترك مواطنيه يواجهون مصيرا مجهولا في ظل وجود خطر داهم وحقيقي بإصابتهم بعدوى فيروس كوفيد 19؟ وهو نفس خطر احترازه لوقاية مواطنيه داخل الإقليم؟ ألا يملك المواطنون العالقون حق نفس الحماية والرعاية ؟ وكيف يؤثر ذلك على صورة المغرب؟ في ترك مواطنين عالة على دول أجنبية ومنظمات غير حكومية؟
وقبل هذا وذاك، تجدر الإشارة أن حق المواطن المغربي، الحامل للجنسية المغربية في التنقل، وحريته في الخروج والعودة إلى بلده تقره الشرعية الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بدءا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 13) وكذا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ( المادة 12 الفقرة 4)، وتنص على عدم جواز حرمان شخص تعسفا من دخول بلده.
وقد المغرب صادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ونشره في جريدته الرسمية منذ 1979، وأصبح بمقتضى المدخل الدستوري، ووفقا للفقرة ما قبل الأخيرة من التصدير قانونا داخليا بل يسمو عليه يحب تطبيقه و على السلطات حماية حرية رجوع وعودة مواطنيه إلى بلدهم المغرب.
ثانيا: الدستور المغربي يضمن حرية العودة والرجوع إلى الوطن:
يتطابق الدستور المغربي مع الشرعية الدولية، بل إنه يعززها من خلال النص على ضمان حرية التنقل وحرية المواطنين في الخروج من بلدهم والعودة إليه، الفقرة الأخيرة والرابعة من المادة 24، التي تضمن هذه الحرية للجميع وفقا للقانون.
وقانون الإسناد في رفض العودة حاليا هو مرسومي الحجر الصحي والطوارئ الصحية 292 و 293، فهل تمنع هذه المراسيم حق وحرية المواطنين المغاربة في العودة إلى بلدهم المغرب؟.
ثالثا: قانون حالة الطوارئ الصحية، قيد حرية التنقل داخل الوطن، وليس العودة للوطن المضمونة دستوريا؟
أتت ظروف حالة الطوارئ الصحية بغتة، وبدون سابق إنذار، فأوصدت الدولة المغربية الأبواب بسرعة، وأقفلت الحدود بعجالة، وأغلقت نقط العبور؛ من موانئ ومطارات في وجه الجميع، ودون استثناء.
وتبعا للتدبير والإجراء وجد بعض المواطنين أنفسهم عالقين وسط دول أجنبية، والبعض الآخر صادفه في طريق العودة، والبعض الآخر فاجئه قرار الإغلاق وسط المطار، أو داخل الميناء دون أن يتمكنوا من دخول وطنهم بسبب تعليق وتوقيف الرحلات.
وإذا كان القانون المغربي شأنه في ذلك شأن القانون الدولي لحقوق الإنسان يسمح بتقييد حرية التنقل، سواء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، فإن التنقل المشمول بالتقييد هو الذي يتم داخل نطاق إقليم الدولة وليس خارجه، وبشرط أن تكون القيود ضرورية تبعا لما قد يشكل حق التنقل من خطر على أمن وصحة المواطنين.
بيد أن التمعن في القواعد القانونية الدولية المنظمة للحق في التنقل، نجد أن تقييد الحرية في التنقل ينسحب فقط على داخل الإقليم، ولا يمتد الى حرية الرجوع والعودة. والإمكانية الجائزة في اتخاذ قرار الاستثناء بالمنع التقييد من أصل الحق والحرية في التنقل داخل الاقليم تؤطرها الفقرة الأولى، المادة 13 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنظم حق التنقل داخل الوطن، وهي نفس التعابير التي كررها العهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية الفقرات 1،2و3 من المادة 12، تنص على حق المواطنين في التنقل داخل بلده .
أما حرية العودة إلى البلد فهي لا تخضع لأي تقييد تحت أية ذريعة ومبرر، فهي حرية مضمونة بدليل أنها وردت في فقرات مستقلة وبعد الإشارة إلى استثناء التقييد الوارد في الفقرة 2 المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة 4 من المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وعلى نهج الحرية المطلقة في العودة إلى البلد والوطن، والمقرر في القانون الدولي، فإن الدستور المغربي عمد إلى دعم وتعزيز تلك الحماية من خلال دسترتها، ودسترة واجب الدولة المغربية بضمانها في المادة 24 منه. وإذا كانت السلطة التنفيذية لا تكترث لحقوق وحريات العالقين، فما هو موقف القضاء الإداري من ذلك؟ أين تتجسد ضمانة حرية العودة في ظل وضع بقاء المواطنين عالقين خارج الحدود والوطن!؟.
رابعاً؛ القضاء الإداري أخفق في حماية حرية العودة بمبرر شرعية الطوارئ الصحية الآنية، التي لا تمنعه.
أتيحت فرصة للقضاء الإداري المغربي ليعبر عن وجهة نظره في الموضوع من خلال الدعوى المرفوعة من قبل متزوجين سافرا إلى اسبانيا وتعذر عليهما الرجوع إلى الوطن من خلال ميناء الجزيرة الخضراء باسبانيا بسبب تعليق وتوقف الرحلات.
والتمسا من رئيس المحكمة الإدارية بالرباط، والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط على التوالي الإذن لهما بالدخول بمقتضى الدعوى رقم 667/7101/2020، وتم رفض طلبهما خلال درجتي التقاضي بعلة؛ أن قاضي المستعجلات يحمي الشرعية الآنية، وإن القيود التي فرضتها الدولة المغربية على حق العودة تمثل تلك الشرعية، وهي أجل حماية الصحة العامة.
واستمر قاضي المستعجلات الإداري في تعليل حكمه بالقول أن من الاستجابة لطلب الطاعنين والإذن لهما بالدخول إلى التراب الوطني يشكل خرقا لحالة الطوارئ الصحية المقررة بالمرسوم 292.20.2.
إلا أن قراءة المرسومين، وخاصة الفقرة الثانية من المرسوم 293.20.2 يظهر أن نطاق تطبيقه هو داخل تراب الإقليم المغربي من جهة، وإن نفس المرسوم عدد حصرا مظاهر التنقلات الممنوعة، ولا تشير إلى منع حق الرجوع وحرية العودة للوطن. والمرسوم في ذلك يتطابق مع قواعد القانون الدولي، وإن قراءة القضاء الاستعجالي المغربي لنص المرسوم غير موفقة، ولم يكن في مستوى حماية الأمن القانوني للمواطنين الذي أنيط القضاء به تبعا لمهامه وللدستور.
خامساً: رفض حرية الرجوع للوطن؛ انتهاك لحقوق المواطنة، ولحقوق الإنسان، ويعرض المواطنين للخطر.
في الوقت الذي حرصت الدولة المغربية على حماية صحة المواطنين وبررت تقييد مجموعة من الحريات بما فيه حق التنقل داخل الإقليم المغربي بحماية أمنهم الصحي، دون أن يمتد المنع إلى حق العودة إلى البلد .
فإن رفض الدولة المغربية لكفالة وضمان تلك الحرية الدستورية وعدم السعي للاستجابة لرغبة مجموعة من المواطنين في الرجوع، ومنهم من هو عالق أمام المعابر البرية وفي نقط العبور وداخل الأجنبية يشكل خرقا للقانون الدولي وللقانون الوطني.
ذلك أن تقييد التنقل الذي يشير إليه المرسوم 292 و 293 هو في داخل الإقليم المغربي، ولا يمتد تنفيذ التدبير لمنع حرية العودة الى الإقليم. وإن عدم تمكين مجموعة من المواطنين من تلك الحرية هو تصرف ينطوي على تعسف وخرق للدستور مادام الأخير يعزز ضمان تلك الحرية.
ويمتد الخرق إلى تحميل قانون الطوارئ الصحية تدبيرا لم ينص عليه، لأنه لم يمنع حرية العودة، ويكفي للمواطن المغربي مجرد التعبير عن ذلك لتسجيل مسؤولية الدولة المغربية في تفعيل ضمان تنفيذ العودة، ولا يوجد في مرسوم الطوارئ الصحية ما يحرمه.
علاوة على كل ذلك فإن العالقين جزء من كل المواطنين، الذين تشملهم الحماية من خطر الأوبئة، بما فيه وباء فيروس كوفيد 19 الحالي والحقيقي، وتلتزم الدولة وفقا للدستور وللقانون الدولي، وخاصة نقطة جيم من الفقرة 2 من المادة 12 من العهد الدولي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ووقايتهم منها.
لا يتوخى المغاربة سوى الرجوع إلى وطنهم، بتوفير الحماية لهم واتخاذ التدابير اللازمة وتسريعها بالرغم مما يعرفه هذا الملف من تحديات.