قضاء حوائج الخلق والشفاعة لهم
*الحمد لله قال و هو أصدق القائلين:( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)[الحج:77]
* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد القائل:”من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربه من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ومن مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام ” ابن أبي الدنيا
* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال عز شأنه: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) النساء:114
*ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله القائل:(ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا: بلى يا رسول الله قال : إصلاح ذات البين وفساد ذات البين الحالقة ) أبو داود (صحيح) فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته و التابعين وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين.
* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له .
عباد الله : إن من أعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى الإحسان إلى المسلمين والسعي في قضاء حوائجهم فهي أعظم العبادات و القربات بعد أداء الفرائض و أحب إلى الله من كثرة الصلاة و الصيام، فعن ابن عمر رضي الله عنهما:أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرورٌ تُدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد(يعني مسجد المدينة) شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل” (الطبراني في الكبير) فاحرصوا عباد الله على المشي في قضاء حوائج إخوانكم وأخواتكم من المؤمنين بالشفاعة لهم والتوسط لهم في أبواب الخير: من تنفيس كربة عن مكروب، وبذل المعروف، ونشر الخير، ورفع الظلم، وإقامة المشاريع التي يستعين بها الناس على أمور دينهم أو دنياهم سواء شفعتم أو توسطتم عند من له ولاية أو شفعتم عند أهل الفضل أو أرباب الغنى و السعة لتكونوا شركاء في الأجر يقول ربنا تبارك وتعالى ﴿ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ﴾ (85) سورة النساء.
و اعلموا أيها المؤمنون أن الشفاعة عمل خير خلق الله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نالوا نصيبا وافرا منها، وكذلك خير الخلق من الصالحين تجدهم لهم عناية بالشفاعة للناس في الدنيا والآخرة. ويكفينا أن السعي في نفع الخلق كان من صفات النبي – صلى الله عليه وسلم – و أخلاقه ، فقد استدلت خديجة رضي الله عنهاعلى أن ما حصل في غار حراء لا يمكن أن يكون شرا بخُلُق النبي – عليه الصلاة والسلام – قالت 🙁كلا فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)
فمن كان حريصا على الخير للناس سعى في الشفاعة لهم ونصيبه من الشفاعة على قدر حرصه على إيصال الخير للخلق ودفع الشر عنهم.وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا إذ جاء رجل يسأل أو طالب حاجة أقبل علينا بوجهه فقال اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء “رواه البخاري ومسلم .
أيها المؤمنون كلنا مخاطب بهذا الحديث فلنشفع عند الآخرين في مصالح إخواننا وأخواتنا كل على حسب وسعه، فيمكن أن تشفع عند زميلك في العمل في إتمام معاملة أخيك والسرعة في إنجازها ويمكن أن تشفع عند صاحب البيت أو الشقة في الحط من الإيجار ويمكن أن تشفع عند الغني في مساعدة محتاج ويمكن أن تشفع في تزويج فلان ويمكن أن تشفع في إزالة مظلمة وقعت على مسلم أو مسلمة وهكذا فالكل يستطيع أن يكون له دور في الشفاعة الحسنة كل بحسبه.وليست الشفاعة الحسنة مختصة بالآدميين بل تتعدى إلى البهائم فعن عبد الله بن جعفر قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا( بستانا) لرجل من الأنصار فإذا فيه ناضح له( أي جمل) فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ – أصل أذنيه – وَسَرَاتَهُ – ظهره ـ فَسَكَنَ، فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ فَجَاءَ شَابٌّ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَاكَ إِلَيَّ وَزَعَمَ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ” رواه أحمد ورواته ثقات. فإزالة الضرر عن الحيوان أمر واجب فليشفع من استطاع إزالة ذلك.
وبالمقابل لنحذر يا عباد الله من الشفاعة السيئة فعن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا رواه البخاري ومسلم .
فالشفاعة السيئة هي التي يترتب عليها محظور شرعي سواء كان يتعلق بحق الخالق كما في هذا الحديث أو بحق المخلوقين سواء كان هذا الحق خاصاً لشخص أو عاماً للأمة فيُقدَّم بسبب الشفاعة السيئة من لا يستحق التقديم ويُؤَخَّر من يستحق التقديم، أو يعطى من لا يستحق أو يمنع من يستحق وغير ذلك،فمن شفع شفاعة سيئة كان شريكا في الظلم وتحمل الوزر مع الظالم ﴿وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ﴾.
نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون،…
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :
أيها المومنون إن من أعظم العبادات المتعدية النفع إن لم تكن أعظمها على الإطلاق تعليم الناس أمور دينهم.وثواب من علم الناس الخير عظيم جدا ومن ذلك أن له مثل ثواب من عمل بذلك العلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من علم علما فله أجر من عمل به لا يُنقص من أجر العامل ) (ابن ماجه حديث حسن) .و في البخاري(خيركم من تعلم القران وعلمه) فالجامع بين تعلم القران وتعليمه مكمل لنفسه مكمل لغيره فيه نفع ذاتي ونفع متعدٍ وذلك داخل في قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33).ولذلك كانت المكافأة للذي يعلم الناس الخيرعظيمة جدا حتى إن الله تعالى جعل أهل السماوات و أهل الأرض يستغفرون لمن يعلم الناس الخير وألهم الله تعالى أنواع الحيوان الكبير والصغير منها من النملة إلى الحوت الاستغفار للعالِم فقال عليه الصلاة والسلام( إن الله وملائكته و أهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير)رواه مسلم واستعينوا عباد الله على أموركم كلها بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم.صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة والأنصار منهم والمهاجرين، وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :
” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية
بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد
البريد الإلكتروني [email protected]