فلسطين التاريخ المحتوم وسنة الله في خلقه – بلال أكروح
فلسطين أرض الرسالات ومهبط الوحي، فيها نزل الوحي على سيدنا عيسى وفيها انطلقت دعوة سيدنا موسى ومنها انطلقت مملكة سيدنا سليمان وعليها انتصر سيدنا داوود وإليها هاجر أبو المسلمين سيدنا إبراهيم عليهم السلام جميعا وبمسجدها الأقصى أم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعا في صلاة مشهودة في هذا الكون الفسيح.
أرض فلسطين أرض مبارك ما فيها وما حولها، فهي للمسلمين القبلة الأولى ومركز الوحدة الأول الذي جمع أمة الإسلام، ففيها من الخير ما اجتمع في كل واحدة من غيرها، ففي أرضها تم صناعة التاريخ وتغيير خريطة العالم. عليها كانت معركة اليرموك التي قضت على أسطورة الرومان إمبراطورية العالم والتي كانت بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وتدور الدوائر وينقسم المسلمين ويتفرقون على أنفسهم كما يتفرق الزجاج عن بعضه حين ينكسر دويلات ومدنا مستقلة، فيستغل الصليبيون هذا الوضع ليقودوا حملة صليبية لاحتلال دول الإسلام وأولاهم فلسطين والمسجد الأقصى. فيبقى المسجد الأقصى أسيرا سجينا إلى أن يأتي جيل آمن بالنصر وثبت عوامله هو جيل صلاح الدين الأيوبي في معركة أعادة الهيبة لأمة الإسلام وأدخلت الرعب في قلوب من كانوا ينتظرون فناء الإسلام وهي معركة حطين.
بعده بسنوات يتفاجئ العالم ومعه المسلمون بأشخاص أقل ما يقال عنهم أنهم وحوش، يحبون الدماء ويعشقون القتل وهوايتهم التدمير والخراب، حتى منهم من قال أنهم غضب الله المحتوم، وبينما كان الجميع يترقب أن ينتهي الإسلام بانتهاء المسلمين على يد المغول وفي مكان صغير يوجد بفلسطين في منطقة بين بيسان وجنين البطولة كانت عين جالوت، المعركة الخالدة والواقعة المشهودة التي كسر فيها المسلمون أسطورة الجيش الذي لا يقهر بقيادة البندقداري الظاهر بيبرس والسلطان سيف الدين قطز وبرعاية من العلماء العاملين ومنهم العز بن عبد السلام.
ما أشبه اليوم بالبارحة، فهانحن نرى أسباب الحملة الصليبية ونعيش مخاطر المغول وفي الوقت نفسه نعيش ونتسامع عن جيش كجيش اليرموك وجنود كأنهم من بقايا حطين ورجال كأنهم من عين جالوت، ونرى رأي العين قادة فيهم عزيمة صلاح الدين وقوة الظاهر بيبرس وتخطيط خالد بن الوليد، وعلماء عابدون مشاءون بين الناس يستنهضون الهمم ويوقدون العزائم ويشعلوا فتل الحرية والنصر الموعود.
المطلوب منا الصبر والتشبث بالعزيمة واليقين في الله والدعاء وقطع أساب انتصار الصهاينة ومعاونيهم، مطلوب منا لا نخون وأن لا ننهزم لأنفسنا وأن لا نكون من الخانعين والقانطين، ليس من أجل النصر فالنصر يصنع هناك في أرض غزة وأرض الرباط، ولكن لكي لا نخسر أنفسنا وكي نجد رمقا ندافع به عن أنفسنا غدا يوم القيامة. نصر الله آت لا محالة اليوم أو غدا أو بعد غد، فهو أمر الله المحتوم وسنته الماضية في خلقه وفي تدبير كونه وهي النصر للضعيف أولا وآخر، لكننا نحتاج على الأقل أن نبقي رجائنا في الله متصلا وأملنا فيه لا يخيب. والله المستعان في تدبير أمره وتصريف شؤون عباده.
وإنما النصر صبر ساعة