عن أهمية الشيخ رائد صلاح وفلسطينيي 48- فراس أبو هلال
ليس المقصود بالحكم الأخير الظالم الصادر بحق الشيخ رائد صلاح أن يعاقب الرجل لشخصه، بل إن هذا الحكم يأتي ضمن إجراءات متسلسلة ومتلاحقة بحق الشيخ والحركة الإسلامية في أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، بل وبحق كل الفلسطينيين في هذه الأراضي، لما يشكله هذا القطاع من الشعب الفلسطيني من قلق للاحتلال.
سلسلة من الإجراءات العنصرية
الحكم على الشيخ جاء بعد أحكام متعددة ضده، حتى لا يكاد يخرج من السجن إلا ويعود إليه، كما أنه جاء بعد سنوات من حظر الحركة الإسلامية/فرع الشمال، وأيضا بعد إصدار عدة قوانين عنصرية آخرها قانون القومية أو “دولة الشعب اليهودي” وقانون منع إحياء ذكرى النكبة الذي صدر قبل ثماني سنوات وغيرها من قوانين الفصل العنصري/ الأبارتايد.
في الوقت نفسه، يضيق الاحتلال على الشعب الفلسطيني من أبناء القدس المحتلة، إذ يستهدفهم تماما بنفس القسوة التي يستهدف بها فلسطينيي أراضي الـ48، على الرغم من اختلاف الوضع القانوني بين الفئتين، (وكأن الاحتلال يعرف قانونا أو يعترف به)!، فيمعن في التضييق على البناء ودخول المسجد الأقصى والتعليم وحرية الحركة، وإجراءات أخرى لا تعد ولا تحصى.
ولعل ارتفاع وتيرة هذه الإجراءات يأتي مدفوعا بعاملين، أولهما تصاعد المد اليميني العنصري لدى الناخبين في دولة الاحتلال، وهو ما يؤدي لإجراءات حكومية لإرضاء الناخبين والحصول على نتائج أفضل في الانتخابات. أما العامل الثاني فهو تزايد عدد سكان القدس ومناطق الـ48، ما يهدد “التوازن” الديمغرافي حسب وجهة نظر الاحتلال في أراضي فلسطين التاريخية.
أهمية رائد صلاح وفلسطينيي 48
بالقدر الذي تظهره هذه الإجراءات التعسفية من صورة الاحتلال الحقيقية، فإنها تظهر أيضا أهمية الشيخ رائد صلاح، وكافة فعاليات الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1948، بل أهمية كل فلسطيني في هذه المناطق وفي القدس المحتلة أيضا، فلولا هذه الأهمية لما ارتفعت الإجراءات العنصرية ضدهم، ولما كرس الاحتلال كافة أدواته العنصرية والأمنية والقانونية لملاحقتهم، وللتنغيص على حياتهم.
إن أهمية الفلسطينيين في هذه المناطق تنطلق أولا من مجرد وجودهم وصمودهم في بيوتهم، لأنهم يعرّون الرواية الصهيونية التي تقوم على أن هذه الأرض لم يكن بها أي شعب، ولا أي تاريخ سوى “تاريخ الوجود اليهودي”، ولذلك فإن بقاءهم في أرضهم يفرغ هذه الدعاية الصهيونية من مضمونها.
لقد أقر المؤرخون بما في ذلك ما عرف بتيار “المؤرخين اليهود الجدد” أن عصابات الصهاينة قامت بشكل متعمد بتهجير الفلسطينيين من قراهم ومدنهم أثناء الحرب في عامي 1947 و1948، من خلال ارتكاب المجازر والتخويف والرعب، بل إن أحد المؤرخين الجدد وهو “بيني موريس” بعد أن تراجع عن أفكاره اليسارية وتبنى الأفكار الصهيونية اليمينية أكد أن بن غوريون أخطأ لأنه لم يكمل تهجير المائة وستين ألف فلسطيني الذين بقوا عام 48 في أراضيهم.
ونستطيع من هذه الزاوية أن ندرك بوضوح أهمية بقاء الفلسطينيين في أراضيهم برغم كل التحديات، وأهمية حفاظهم على لغتهم ودينهم (سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين) في مواجهة محاولات التهويد و”العبرنة”، ونستطيع أن نفهم أيضا سبب الحملة العنصرية الصهيونية التي تستهدفهم يوميا.
أما الشيخ رائد صلاح، فهو يكتسب مع “حركته” ولجنة المتابعة العربية أهمية إضافية، لأنهم يكشفون الوجه الحقيقي للاحتلال، فبينما يحاول الاحتلال تصدير روايته الكاذبة عن “دولة ديمقراطية” فإن ما يتعرض له هؤلاء بسبب مقاومتهم لإجراءات الاحتلال يكشف كذب هذه الرواية وسقوطها.
ثمة بعد آخر يوضح أهمية الشيخ رائد صلاح والهيئات التي تنشط معه في الأراضي المحتلة عام 1948، وهو النشاط الدائم لهذه الهيئات في القدس، لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، من خلال التواجد فيها والرباط في الأقصى، سواء بشكل فردي أو عبر مبادرة حملة “البيارق” التي تشجع الناس على الذهاب للأقصى والبقاء فيه، ولنا أن ندرك هذه الأهمية إذا علمنا أن وجودهم في الأقصى يمنع بشكل عملي تنفيذ الاحتلال لخطته التي تسمى “التقسيم الزماني” للأقصى بين المصلين المسلمين والمستوطنين، ولنا أن نتخيل كيف سيصبح هذا الأمر سهلا لولا جهود الفلسطينيين من هذه المناطق بإعمار المسجد، والتعاون مع الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن للقيام بهذه المهمة.
يسعى الاحتلال لتنفيذ ما يستطيع من خططه في القدس، وإجراءاته العنصرية لتفريغ الأراضي الفلسطينية من الشعب الأصلي، في ظل ضعف وغياب عربي، بل وتواطؤ رسمي عربي أحيانا، ولا يقف في وجه هذه المساعي سوى أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل، وهنا تكمن أهمية هؤلاء الصامدين القابضين على جمر التاريخ والهوية والقضية، ولهذا فقط تحاربهم دولة الاحتلال بكل ما تملك.
يريد الاحتلال أن يحول الفلسطينيين إلى “هنود حمر” في بلادهم، ولكنهم كانوا وسيظلون فلسطينيين، وهم وحدهم القادرون على حماية وجودهم ومنع الاحتلال من السيطرة على تاريخهم ومستقبل أبنائهم.