عدم شرعية تقسيم فلسطين – غازي حسين
ظهرت فكرة تقسيم فلسطين لأول مرة عام 1937 على اثر اندلاع ثورة 1936 في فلسطين والإضراب الذي دام ستة أشهر حيث أوفدت الحكومة البريطانية لجنة التحقيق الملكية المعروفة باسم لجنة بيل وأوصت اللجنة في تقريرها بتقسيم فلسطين، ولكن بريطانيا فشلت في فرض التقسيم لرفض الأمة والشعب العربي الفلسطيني و الذي استأنف ثورته ضد بريطانيا .
ولكن على إثر ارتفاع عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين من جراء اتفاق ألمانيا النازية مع الحركة الصهيونية بموجب اتفاقية هافارا لتهجير يهود ألمانيا وأوروبا واستغلال الصهيونية لمعزوفة الهولوكوست قررت الحكومة البريطانية عرض قضية فلسطين على الأمم المتحدة ففي 26 شباط 1947 ألقى وزير الخارجية البريطاني آرنست بيغن خطابا في مجلس العموم أعلن فيه ان قضية فلسطين أصبحت معقدة نتيجة لتشبث كل من العرب واليهود بمطالبهم ونتيجة للضغط الذي تقوم به الحكومة الأميركية، واستنادا إلى ذلك تقرر رفع الأمر إلى الأمم المتحدة. وقررت الحكومة البريطانية إدراج قضية فلسطين على جدول أعمال الدورة الثانية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بعد ان لمست أن الوجود اليهودي في فلسطين قد تعزز من جراء الهجرة اليهودية من اوربا بسبب تعاون و جرائم ألمانيا النازية، فأرادت أن تحقق سياستها في فلسطين عن طريق الأمم المتحدة بالانسحاب من فلسطين وإعلان تأسيس “إسرائيل” .
وبذلك تكون بريطانيا قد قررت استخدام الأمم المتحدة لتحقيق سياستها في الشرق الأوسط للاعتبارات التالية:
- إن قرارات الامم المتحدة تعفي بريطانيا من وعودها تجاه العرب، ومن واجباتها تجاههم المنصوص عليها في صك الانتداب.
- إن قيمة القرار الصادر عن الامم المتحدة اكبر من قيمة أي قرار تصدره بريطانيا. وتجنبت بريطانيا إغضاب العرب والمسلمين بإصدار قرار التقسيم من الأمم المتحدة نظرا لعلاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الكثير منهم .
- تخلصت بريطانيا من القاء العرب والمسلمين المسؤولية على عاتقها، وتحميل الأمم المتحدة مسؤولية تقسيم فلسطين .
وبتاريخ 8 نيسان 1947 بعثت الحكومة البريطانية بكتاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة تريغفلي، طلبت فيه :-
“-إدراج قضية فلسطين في جدول أعمال الدورة العادية المقبلة للجمعية العامة .
– دعوة الجمعية العامة الى عقد دورة استثنائية لتشكيل لجنة خاصة للنظر في قضية فلسطين ووضع تقرير ورفعه الى الجمعية العامة في الدورة العادية المقبلة .(1)
عقد الدورة الاستثنائية للجمعية العامة
عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة استثنائية في 27/ نيسان 1947 تلبية لطلب الحكومة البريطانية . وعند افتتاح الدورة طلب الوفد البريطاني ان يقتصر جدول الأعمال على الاقتراح البريطاني الذي نص على تشكيل لجنة للتحقيق، ولكن الدول العربية الاعضاء في الامم المتحدة آنذاك تقدمت بطلب إدراج إنهاء الانتداب على فلسطين وإعلان استقلالها في جدول اعمال الدورة، كما قدم وفد الاتحاد السوفييتي طلبا بإدراج تعيين لجنة تعمل على تحقيق استقلال فلسطين و إلغاء الانتداب في جدول الأعمال .
قاومت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية كلا من الاقتراحين العربي والسوفييتي وعند التصويت سقطا وفاز اقتراح بريطانيا بموافقة الأكثرية على تشكيل لجنة خاصة للأمم المتحدة بشان فلسطين .
تشكيل لجنة الأمم المتحدة:
أحالت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارها الى اللجنة السياسية ( اللجنة الاولى ) للبحث في تشكيل اللجن، وعقدت اللجنة السياسية عدة اجتماعات سادها انحياز الدول الغربية للمزاعم الصهيونية، ومقاومتهم للحق العربي بقيادة بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية ونجحوا في إبعاد الدول العربية عن عضوية اللجنة .
وقررت اللجنة السياسية أن تتألف لجنة التحقيق من إحدى عشرة دولة هي: إيران والهند والسويد وارغواي واستراليا وكندا ويوغسلافيا وهولندا وبيرو ولوكسمبورغ وغواتمالا (2)
وجاء تشكيل اللجنة ضربة للموقف العربي إذ أنها ضمت ثماني دول من الكتلة الغربية ودولتين آسيويتين ودولة محايدة وهي يوغسلافيا .
ومن الجدير بالذكر أنه تم انتخاب غواتيمالا وارغواي في اللجنة لأنهما أظهرتا انحيازاً سافرا خلال مناقشات الجمعية العامة للصهيونية و تأييدهما للتقسيم .
ورفعت اللجنة السياسية قرارها بشان تشكيل اللجنة الى الجمعية العامة، فأقرته وانتهت الدورة الاستثنائية في 22 أيار 1947 .
وجاءت الصلاحيات والاختصاصات التي حددتها الجمعية العامة للجنة ضربة قوية لقضية فلسطين والمواقف العربية، إذ تم إعطاء اللجنة ( أوسع السلطات لتسجل و تتأكد من الحقائق … وتفحص جميع القضايا والمسائل التي لها علاقة بمسالة فلسطين ودرس قضية فلسطين من جميع وجوهها ودرس أحوال اليهود المشردين في أوروبا و الموجودين في مخيمات الاعتقال ) (3)
وبالتالي تكون الجمعية العامة قد ربطت بين قضية فلسطين ومسألة المهاجرين اليهود في أوروبا والمسألة اليهودية .
الفلسطينيون واللجنة
عقدت اللجنة جلستها الأولى في نيويورك برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة الأميركي تريغفلي، المعروف بنزعته الاستعمارية وميوله للصهيونية، والذي اظهر تحيزاً سافراً للصهيونية خلال مناقشات الدورة الاستثنائية مما حمل وفدي سورية وفلسطين على الاحتجاج رسميا على تصرفاته .
وانتقلت اللجنة إلى لندن وزارت بعض البلدان الأوربية واللاجئين اليهود واستمعت الى آراء زعمائهم وممثليهم ثم عقدت اجتماعا لها في بيروت استمعت فيه إلى رأي موحد للدول العربية قدمه إلى اللجنة حميد فرنجية وزير خارجية لبنان آنذاك.
قرر الفلسطينيون بالإجماع مقاطعة اللجنة وعدم التعاون معها لأنهم لمسوا بأنها ستقدم بمشروع لتقسيم فلسطين، وللربط بين قضية فلسطين ومشكلة اليهود في أوربا، ولانحياز الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والأمين العام للأمم المتحدة السافر للصهيونية .
وطالب الفلسطينيون من الدول العربية مقاطعة اللجنة ولكن الدول العربية لم توافق على هذا الطلب فقاطعها الفلسطينيون عندما جاءت إلى فلسطين .
وخلال إقامة اللجنة في فلسطين نزل العديد من أعضائها في فنادق يهودية وقضوا سهراتهم في تل أبيب، وزاروا العديد من المستعمرات و المراكز اليهودية، وأعلنوا تأييدهم لليهود ورحبوا في مقابلاتهم بفكرة التقسيم.
اللجنة توصي بالتقسيم :
اختلف أعضاء اللجنة حول التوصيات التي سيقدمونها الى الجمعية العامة وانقسموا الى فريقين:
فريق الأكثرية ونص في تقريره على التوصية بتقسيم فلسطين الى دولة عربية وأخرى يهودية، ووضع القدس ومنطقتها تحت الوصاية الدولية، وعقد معاهدة اقتصادية بين الدولتين، وضم هذا الفريق سبع دول وهي : السويد وارغواي وبيرو وغواتمالا وهولندا وكندا ولوكسمبورغ، وفريق الأقلية: وتضمن تقريره التوصية بإقامة دولة اتحادية من دول عربية وأخرى يهودية وتضم ثلاث دول وهي إيران والهند ويوغسلافيا .
وانعقدت الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة في الأول من ايلول 1947، وأدرج في جدول الأعمال تقرير لجنة التحقيق و التوصيات .
وفي الثالث من أيلول شكلت الجمعية العامة لجنة عامة من جميع الدول الاعضاء , و شكلت لجنتين فرعيتين , وقدمت كل من اللجنتين الفرعيتين الاولى و الثانية توصياتها الى اللجنة العامة , وجاء تقرير اللجنة الفرعية الاولى مؤيدا لتقرير فريق الاكثرية أي مؤيدا للتقسيم , بينما اوصت اللجنة الفرعية الثانية بانهاء الانتداب و استقلال فلسطين و استطلاع رأي المحكمة الدولية ,فيما اذا يحق للامم المتحدة فرض حل على فلسطين لا يوافق عليه أكثرية السكان .
وناقشت اللجنة العامة تقريري اللجنتين الفرعيتين حيث عارضت الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتي تقرير اللجنة الفرعية الثانية .و بشكل خاص استطلاع راي المحكمة الدولية . وفاز تقرير اللجنة الفرعية الأولى بأكثرية 25 صوتا ضد 13 صوتا و امتناع 17 دولة عن التصويت وغياب دولتين .
وأحيل قرار اللجنة العامة الى الجمعية العامة للبحث و التصويت في 26 تشرين الثاني 1947 , حيث مارس الصهاينة و الولايات المتحدة ابشع انواع الضغط و الابتزاز على العديد من الدول مما حمل بعض الدول على تعديل مواقفها وتأييد التقسيم.
وكتب هاري ترومان الرئيس الأميركي آنذاك في مذكراته يقول :
((لقد أعطيت تعليمات إلى وزارة الخارجية بأن تؤيد أميركا مشروع التقسيم )) . (4)
واخذ مندوبو الولايات المتحدة في الامم المتحدة يطلبون من كل وفد اتخاذ موقف ايجابي و تأييد التقسيم مستعملين التهديد و الوعيد , مما حمل العديد من الدول على تغيير موقفها مثل بلجيكا و فرنسا و ليبيريا وبراغواي و الفلبين و هولندا و لوكسمبورغ.
و مارس الصهاينة ابشع انواع الضغوط على الوفود المعارضة للتقسيم متهمين بعض الوفود باللاسامية . فعندما كان احد الوفود يثير مصير الشعب الفلسطيني او حقوقه او مدى صلاحية الامم بفرض التقسيم على الرغم من معارضة اكثرية السكان لتقسيم وطنهم ,وكانت الصهيونية تتهم مثل هذه الوفود باللاسامية. و لقد اعترف الرئيس ترومان في مذكراته بالضغوط التي مارستها الصهيونية و كتب يقول : (( في الواقع لم تكن الامم المتحدة وحدها التي أُخضعت لضغوط لم تعرفها من قبل , بل ان البيت الابيض نفسه تحمل دفعا من الضغط. و لا اعتقد انني تعرضت يوما لحملة دعائية بهذه الشدة . و كان يزعجني و يضايقني اتهام بعض الزعماء الصهيونيين المتطرفين الذين كانت تحركهم دوافع سياسية و يستعملون التهديد السياسي . وقد اقترح بعضهم أن تستخدم نقودنا لنحمل دولا ذات سيادة على التصويت الى جانبهم في الجمعية العامة )).(5)
لقد تعرضت عواصم الدول التي تعارض وفودها التقسيم في عشية إقراره إلى ضغوط أميركية و يهودية هائلة وشكل زعماء اليهود و مؤيديهم من السياسيين الأميركيين لجنة الطوارئ للتقسيم من عدد أصحاب النفوذ الكبير في داخل الولايات المتحدة و خارجها . وتولت السيدة روزفلت الاتصال برجال السياسة الأميركية و الرئيس ترومان , وتعهد برنارد باروخ عضو اللجنة للوفد الفرنسي بتقديم مساعدات أميركية وفيرة لفرنسا بموجب مشروع مارشال , ومارس عضو اللجنة هارفي فايرستون نفوذه الاقتصادي على ليبيريا وضغط على حكومتها .
ومارست الولايات المتحدة ضغطا كبيرا على مندوب الفلبين الذي كان من اشد المعارضين للتقسيم ولكن حكومته نصحته بالتصويت إلى جانب التقسيم صيانة للصداقة الأميركية الفلبينية .
وكان مندوب هاييتي معارضا للتقسيم , ولكنه تلقى تعليمات من حكومته نتيجة للضغط الذي وقع علبها إلى تأييد التقسيم , فوصل عدد الأصوات المؤيدة للتقسيم 32 , ولكن العدد ارتفع إلى 33 بعد أن غير مندوب ليبيريا موقفه من معارض للتقسيم الى مؤيد له نتيجة للضغط الأمريكي , وكانت السياسة الأميركية تحث بعض الدول المعارضة للتقسيم على الامتناع عن التصويت 0 ويمكن القول ان الولايات المتحدة لعبت الدور الأساسي في إنجاح مشروع التقسيم .
وعندما لاحظ الصهاينة ان مساحة الدولة اليهودية اقل بكثير مما يريدون توجه حاييم وايزمان الى واشنطن و اجتمع مع الرئيس ترومان في 19/ 11/1947 0 و يقول وايزمان في مذكراته عن هذا الاجتماع :-
(( تحدثت اليه عن منطقة النقب و العقبة وانها يجب ان تكون من نصيب الدولة اليهودية …. و ابتهجت جدا عندما رايت الرئيس يرجع الى الخريطة و يدرسها بدقة و اهتمام ثم وعدني ان يتصل فورا بالوفد الاميركي … ان المستر ترومان كان صادقا في قوله , وانه بعد ساعات قليلة من اجتماعي به اصدر التعليمات اللازمة للوفد الاميركي لجعل النقب و العقبة من نصيب اليهود .
ويؤكد وايزمان في مذكراته بان الفضل في اقرار مشروع التقسيم يعود الى حد كبير الى تدخل الرئيس ترومان وجهوده.
موافقة الجمعية العامة على تقسيم فلسطين
اجتمعت الجمعية العامة للامم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 للتصويت على مشروع التقسيم و قال رئيس الجمعية العامة ازولدا ارانيا بان ثلثي الأصوات قد أصبحت متوفرة لإقراره .
اقترح الوفد اللبناني كمحاولة أخيرة لمنع صدور قرار التقسيم , تشكيل دولة اتحادية في فلسطين , ولكن اقتراحه رفض و صوتت الجمعية العامة على التقسيم , ففاز 33 صوتا ضد 13 و امتناع عشرة عن التصويت و غياب دولة واحدة .
وكانت الدول المؤيدة للتقسيم 33 وهي :
الولايات المتحدة الأميركية , الاتحاد السوفييتي , فرنسا, بلجيكا ,هولندا ,لوكسمبورغ ,تشيكوسلوفاكيا ,السويد البرازيل ,ليبيريا ,الفلبين ,كندا ,استراليا ,نيوزلندا, الدانمرك, النروج ,غواتمالا, باراغوي ,هاييتي, روسيا البيضاء ,أوكرانيا , بيرو, بولونيا, سان دوجنكو, إكوادور, بنما, فنزويلا ,نيكاراغوا ,كوستاريكا ,أيسلندا ,بولندا, اتحاد جنوب أفريقيا (6)
و الدول المعارضة للتقسيم 13 دولة وهي :
سورية, لبنان, السعودية’, مصر , اليمن’ , العراق , الهند , باكستان , أفغانستان , اليونان , تركيا , كوبا .
والدول الممتنعة عن التصويت و عددها 10 دول وهي :
بريطانيا , يوغسلافيا , إثيوبيا , تشيلي , الصين , كولومبيا , هندوراس , الأرجنتين , سلفادور , و المكسيك .
و تغيبت دولة واحدة .
الموقف العربي من التقسيم
أعلنت وفود الدول العربية في الأمم المتحدة رفضها لتقسيم فلسطين فور صدور القرار , كما أعلن الشعب العربي الفلسطيني استنكاره و رفضه الشديدين لقرار التقسيم , لأنه إنهاء لعروبة فلسطين و تقويض للكيان العربي فيها , ومقدمة لتهويدها , و اصدر رؤساء وممثلو الدول العربية عقب اجتماع عقدوه في القاهرة بتاريخ 17 كانون أول 1947 بيانا أعلنوا فيه رفضهم للتقسيم و استنكارهم له جاء فيه : –
(( لقد تنكرت الأمم المتحدة مع الأسف الشديد لذات المبادئ التي تضمنها ميثاقها , فأوصت بتقسيم فلسطين , وهي بذلك قد أهدرت حق كل شعب في تقرير مصيره , وأخلت بمبادئ الحق و العدل جميعا … وقد قرر رؤساء و ممثلو الدول العربية في اجتماعهم بالقاهرة أن التقسيم باطل من أساسه , وقرروا كذلك عملا بإرادة شعوبهم , أن يتخذوا من التدابير الحاسمة ما يكفل بعون الله إحباط مشروع التقسيم الظالم ))0(7)
لقد جاء تقسيم فلسطين عام 1947 أفظع و اظلم من مشروع التقسيم الذي طرحته بريطانيا عام 1937 , وذلك لان الوجود اليهودي بفلسطين كان ضعيفا . ولكن على اثر التعاون بين ألمانيا النازية و الحركة الصهيونية في مسألة الهجرة اليهودية لتحقيق الهدفين النازي و الصهيوني بتنظيف ألمانيا وبقية أوروبا من اليهود , ازداد الوجود اليهودي في فلسطين وترسخ عن طريق يهود ألمانيا واستغلت الصهيونية معزوفة الهولوكوست النازي لتبرير الهولوكوست اليهودي على الشعب العربي الفلسطيني .لذلك جاء التقسيم في عام 1947 ملائما لوضع اليهود في فلسطين والعالم , وضموا إلى الدولة اليهودية العقبة و النقب برمته .
لقد بنى العرب رفضهم للتقسيم لاعتبارات تاريخية و قانونية وطنية و قومية و سياسية , فالتقسيم تمزيق لفلسطين العربية ,و انطلاقا من عروبة فلسطين و الحقوق الوطنية و القومية رفض العرب التنازل عن جزء من فلسطين العربية للحركة الصهيونية لمجموعة بشرية غريبة عن فلسطين دخيلة عليها لتقيم كيانا عنصريا عدوانيا و توسعيا على أنقاض أهله الشرعيين وسكانه الأصليين , فالتقسيم اعتداء صارخ على سيادة الشعب العربي الفلسطيني في وطنه و انتقاص لحريته و استقلاله , وانتهاك لحقه في تقرير المصير و إهدار لعزته و كرامته و أملاكه و ممتلكاته و تاريخه .إن التاريخ السياسي للعالم بأسره لم يعرف قط شعبا وافق على تقسيم وطنه وتنازل عن سيادته على جزء من هذا الوطن .
لقد جاء التقسيم نتيجة تخطيط و تنسيق و تعاون استعماري – صهيوني لتقويض عروبة فلسطين و الكيان العربي فيها وإنشاء دولة يهودية عنصرية على أنقاضه , وجاء مخالفا لميثاق الأمم المتحدة و حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره و حقوق الإنسان العربي , وتمت الموافقة عليه نتيجة للضغط و الابتزاز و الإغراء الأمريكي و الصهيوني .
عدم شرعية قرار التقسيم
تم تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين العربية بموجب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة و بدعم كامل من الدول الاستعمارية و بقوة السلاح و أساليب العنف و الإجرام. فهل يحق للأمم المتحدة أن تتخذ قرار ينص على تقسيم بلد من البلدان دون موافقة سكانه الشرعيين , لا سيما وان الشعب العربي الفلسطيني كان يشكل الأكثرية المطلقة من سكان فلسطين و يملك أكثر من 90% من أراضيها و أعلن رفضه للتقسيم و طالب بممارسة حقه في تقرير المصير و إعلان الاستقلال و إقامة الدولة الديمقراطية .
إن قرار التقسيم قرار غير شرعي لان الأمم المتحدة تجاوزت مبادئ القانون الدولي و ميثاقها و الصلاحيات المخولة لها .فمبادئ القانون الدولي تقر للشعب العربي الفلسطيني حقه في الاستقلال و تقرير المصير , و لقد أعلن مرارا و تكرارا رفضه للتقسيم و طالب بجلاء القوات البريطانية و إعلان استقلال فلسطين , ويتماشى هذا الموقف مع ميثاق الأمم المتحدة , وخاصة الفقرة الثانية من المادة الأولى التي تنص على حق الشعوب في تقرير المصير.
وتبين من دراسة ميثاق الأمم المتحدة انه ليس من صلاحيات المنظمة الدولية تقسيم بلد من البلدان دون رغبة أغلبية سكانه , ولكن الميثاق يخول المنظمة الدولية حق إعلان استقلال المستعمرات أو البلدان الواقعة تحت الانتداب بموجب المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم ويخولها أيضا تأييد رغبات الشعوب بممارسة حقها في تقرير المصير, لذلك كان من واجب الأمم المتحدة تطبيقا لميثاقها ومبادئ القانون الدولي أن تستجيب لرغبات شعبنا العربي الفلسطيني وتعلن استقلال فلسطين ولكنها لم تفعل ذلك بسبب سيطرة الولايات المتحدة الأميركية آنذاك على المنظمة الدولية .
وهكذا تكون الأمم المتحدة قد خالفت ميثاقها وكللت هذا الانتهاك الفاضح بمخالفة أفدح وهي الموافقة على تقسيم فلسطين رغم معارضة ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني للتقسيم .
وعلى اثر صدور قرار التقسيم , أعلن الشعب العربي الفلسطيني رفضه للقرار وأعلن الاضطراب العام واندلعت الاشتباكات المسلحة بينه وبين العصابات الصهيونية وذلك لان قرارا التقسيم قرار استعماري – صهيوني وغير شرعي وباطل لأنه يخالف الفقرة الثانية من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة ويخالف مبادئ القانون الدولي ورغبات الأكثرية الساحقة لسكان فلسطين .
قرار التقسيم و تأسيس إسرائيل
استغلت الصهيونية العالمية , و الولايات المتحدة الأمريكية جرائم النازية ضد اليهود غير الصهاينة و معزوفة الهولوكوسيت النازي لإقامة إسرائيل في فلسطين العربية .
فصدر قرار التقسيم رقم 181 بتاريخ 29 تشرين الثاني عن الجمعية العامة للأمم المتحدة .
رفض الشعب الفلسطيني تقسيم وطنه , وطالب بجلاء القوات البريطانية عنه , وإعلان استقلاله , وتأسيس حكومة ديمقراطية يتساوى فيها جميع المواطنين الفلسطينيين من عرب من مسلمين ومسيحيين ويهود بالحقوق و الواجبات .
إن ميثاق الأمم المتحدة لا يعطي الجمعية العامة صلاحية تقسيم بلد دون رغبة أكثرية سكانه , ولكن يخولها حق إعلان استقلال المستعمرات و البلدان الواقعة تحت الانتداب بموجب المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم المتحدة بمعالجة قضية فلسطين , لأنها تجاوزت ميثاقها و الصلاحيات المخولة لها و التي تنص على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره .فقرار التقسيم غير شرعي و لم تلتزم به إسرائيل وولد الحروب و الخراب و الدمار و القتل و الترحيل في فلسطين .
وتزعم إسرائيل أنها نظام ديمقراطي ليبرالي مطلق , وواحة من الديمقراطية في قلب الصحراء العربية 0ولكن يبرز هنا السؤال التالي : كيف تكون ديمقراطيا تؤمن بالمساواة بين المواطنين , بينما يعرفك القانون الإسرائيلي دينيا , أي تفضيل اليهودي على غير اليهودي أي الفلسطيني صاحب الأرض الأصلي .
يؤكد الكاتب الإسرائيلي شلومو ا فنيري في يديعوت الصادرة في 5/3/2007:” إن أساس الشرعية الدولية لإقامة دولة إسرائيل يكمن في قرار التقسيم رقم 181 0″
و بالعودة إلى قرار التقسيم و الذي بموجبه أسست العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة إسرائيل نجد انه ينص قرار التقسيم على ضمان حقوق متساوية للسكان , لا تمييز فيها في الأمور المدنية و السياسية و الاقتصادية و الدينية 0
فالباب الثاني منه ينص على انه ” لا تمييز بين السكان من أي نوع, على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس .
3- يكون لجميع الأشخاص الخاضعين لولاية الدولة الحق في حماية القانون بالتساوي …. 8- لا يسمح بمصادرة أي ارض تخص عربيا في الدولة اليهودية , أو يهوديا في الدولة العربية , إلا للمنفعة العامة , وفي جميع الحالات المصادرة يدفع تعويض كامل قبل نزع الملكية تحدده ذلك المحكمة العليا” (8)
و برر شلومو افنيري عدم وجود دستور في إسرائيل حتى الآن بالتمييز السائد فيها بقوله :” لأنه توجد فروق كبيرة جدا بين اليهود و اليهود , وبين العلمانيين و المتدينين , و بين اليهود العرب تجعل سن الدستور غير ممكن ” (9)
وجاء في ما سمي ببيان الاستقلال عام 1948 عند تأسيس إسرائيل ” إن مذهب الصهيونية سيكون الأساس للإيديولوجية و السياسة الإسرائيلية “.
و بالتالي أصبحت العنصرية و الاستعلاء و الانغلاق العنصري عقيدة رسمية لإسرائيل وللإيديولوجية السائدة فيها , و لجميع الأحزاب و المؤسسات الحكومية و التعليمية و الثقافية و العسكرية .
إن عنصرية الصهيونية و الكيان الصهيوني التي تنطلق من النقاء العرقي عدوة لليهود و العرب و حقوق الإنسان وابسط المفاهيم و القيم الإنسانية و الحضارية والقانونية.
فالصهيونية ايديولجية عنصرية نجحت في تأسيس كيان إستيطاني عنصري لها , وأقامت منه مجتمعا عنصريا , و أصبحت العنصرية والاستعمار الاستيطاني فيه سياسة رسمية لإسرائيل جسدتها و تجسدها في قوانين وممارسات و حروب عدوانية , و مجازر جماعية و استعمار يهودي في فلسطين , وامبريالية إسرائيلية في الوطن العربي .
المصادر
- المؤامرة الكبرى على تقسيم فلسطين، (كتب) إصدار الهيئة العربية العليا لفلسطين، بيروت 1961، ص5.
- قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1973 ص3 (رقم القرار 106 الدورة الاستثنائية تاريخ 15 أيار 1947).
- المؤامرة الكبرى على تقسيم فلسطين، مصدر سابق، ص6.
- ندوة القانونيين العرب عن القضية الفلسطينية في الجزائر عام 1976، مؤسسة الدراسات الفلسطينية- بيروت 1968، ص 73، نقلاً عن مذكرات ترومان، الجزء الثاني، باريس 1965 ص 188.
- ندوة القانونيين العربي، مصدر سابق ص 74.
- قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947- 1972، مصدر سابق ص13.
- المؤامرة الكبرى على تقسيم فلسطين، الهيئة العربية العليا لفلسطين، مصدر سابق، ص 14.
- قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مصدر سابق ص 6-7.
- يديعوت احرونوت في 5-3-2007.