شروخات تربوية وتدبيرية في زمن الإصلاح 2/1؟ – الحبيب عكي
في الحقيقة، بقدر ما يفرح المرء بوجود جهود الإصلاح واستمرارها وتعميمها وتجديدها، بقدر ما يحزن عندما يرى كل هذه الجهود الجبارة لا تؤتي أكلها لا التربوي ولا التدبيري فبالأحرى التنموي والإصلاحي بمفهومه الواسع، فإذا بالإصلاح وكأنه موجود وغير موجود، وإذا بالأمور تستقيم ولا تستقيم، إن لم تكن في بعض الحالات وفي بعض المجالات تزداد سوء على سوء رغم بهرجة الإصلاح وضجيج الخطط والميزانيات والمشاريع والصفقات.
الإصلاح في التعليم أصبح وكأنه مسلسل تراجيدي وكوميدي من الملهاة المحزنة لا تنتهي حلقاتها السمجة: الميثاق الوطني، التدابير الاستعجالية، الرؤية الاستراتيجية، قانون الإطار، المشاورات، وكلها استراتيجيات تبني على أنقاض سابقتها، ومع الأسف سرعان ما تقع في أخطاء سابقتها وتعمقها، فإذا تجديد الإصلاح وكأنه مجرد عبث وهدر للأموال الطائلة والأوقات الثمينة.والتي رغم توفرها يخلف الوطن في كل مرة موعده مع التنمية والإصلاح، وفي أكثر من مجال وعلى أكثر من صعيد. وهكذا، ورغم كل هذه المجهودات الإصلاحية الجبارة:
1- لازالت كل فئات الإطار البشري ساخطة على الوزارة وفي احتجاجات مزمنة وملتهبة: نظرا لما تعانيه من هضم حقوق وأفق مسدود فشل الإصلاح في مقاربتها على أزيد من خمسة عقود، وهكذا يمتلأ الشارع في كل مرة وحين، الذين فرض عليهم التعاقد، الذين يضطرون إلى التقاعد، الإطار الإداري للمديرين، الإطار التربوي للمفتشين، ضحايا النظامين، ضحايا إعادة الانتشار، ضحايا الحركة الانتقالية، ضحايا الشهادات، ضحايا.. ضحايا..، في تنسيقيات مناضلة تتجاوز ضعف وتشرذم النقابات المهادنة والمتواطئة.
وأين هي هذه النقابات من أزمة الأساتذة العاملين في التعليم الخصوصي مثلا، بالتزامات أكثر وتعويضات أقل، وضمانات استقرار منعدمة من كلا الطرفين المشغِل والمشغَل؟ وأين هذه النقابات من إنصاف العاملين في العالم القروي والأرياف وما يعانون من صعوبات جمة في السكن والخدمات والتنقل والحركة الانتقالية والأقسام المشتركة، وكم مرة يوعدون بمنحة الإنصاف دون جدوى؟
2- تكافؤ الفرص مجرد حلم قديم جديد ولكنه بعيد المنال: وكيف سيدركها تلميذ يدرسه أستاذ متعاقد، قد يكون همه الأول كيف ينتزع حقه في الترسيم والإدماج وما يتطلبه ذلك من معارك نضالية ماراطونية وإضرابات وطنية بالأيام والأسابيع، مقابل تلميذ يدرسه أستاذ مرسم (مرتاح البال) مع تلك الإشكالات ولو نسبيا؟ أو كيف سيدركه تلميذ في التعليم الخصوصي مضمون له حضور الأستاذ ومختلف الأنشطة التربوية والموازية وربما النقل والمطعمة والعتاد التجريبي..، مقابل تلميذ في التعليم العمومي محروم من جل ذلك، إن لم يحشر في أقسام مشتركة (برق ما تقشع) خاصة في العالم القروي الذي قد تسند فيه كل المستويات الابتدائية أو جلها إلى أستاذ(ة) واحد (سمطا)؟ أضف إلى ذلك عدم تعميم تدريس العديد من المواد كالإنجليزية والأمازيغية والمعلوميات والتكنولوجيا والتربية الأسرية والفنون التشكيلية، ونتيجة تكافؤ فرص الوزارة هذه، أنه وفي الامتحانات الإشهادية التي تضعها هي، قد تبلغ نسبة النجاح في مؤسسات خصوصية حوالي 100% ولا تتعدى في أخرى عمومية حوالي 50% فقط.
3- الهدر المدرسي دابة سوداء لا تخفي عورها أرقام التعميم ولا إحصائيات التعتيم: بحيث يتحدث ضجيج الأرقام عن حوالي 400 ألف هدر مدرسي سنويا في مختلف الأسلاك، مما يبين بجلاء فشل المنظومة، ويزيد من فشلها ظاهرة إرجاع المفصولين في فرصة ثانية وثالثة إلى نفس الأجواء والمناخات التي تعثروا فيها وبسببها، مما يدفع بعدد منهم تحت طائلة اليأس لا يعملون إلا على إفساد الأجواء الطبيعية للدراسة فلا هم يدرسون ولا يتركون غيرهم يفعل(علي وعلى أعدائي).
يتحدث محمد أديب السلاوي – رحمه الله – في مقال له في الموضوع تحت عنوان (هل للمغرب مدرسة في مستوى الطموحات والتطلعات) عن أن من بين 100 طفل عمرهم 7 سنوات يدخل المدرسة 85 ويلتحق بالإعدادي 45، و يصل نهاية السلك الإعدادي 32 ويدخل الثانوي 22 ويحصل على الباكالوريا عشرة منهم يعني(13%) ويتخرج من الجامعة (5%) فقط، بالإضافة إلى ذلك تتعمق الفوارق بين الوسط القروي والحضري وبين الذكور والإناث : إذ من بين 100 طفل قروي عمرهم 7 سنوات يدخل المدرسة 66، ومن بين 100 فتاة عمرهن 7 سنوات تدخل المدرسة 59. فأين هو التعميم، وهو أقرب إلى تعميم الهدر منه إلى تعميم الاستمرار والتخرج؟
4- والأندية التربوية فضاءات فارغة لمجرد الاستهلاك: فارغة من المؤطرين المتخصصين، ومجمل برامجها لملأ الأوراق وديباجة التقارير دون تفعيل على أرض الواقع، ولا استيعاب للراغبين في ممارستها من التلاميذ، وإن كانت بعض المؤسسات تقوم ببعض الأنشطة الموسمية والمناسباتية، فمن باب التطوع أو التأطير الإيديولوجي للتلاميذ، ثم لماذا كل هذا الحشر لهذه الأنشطة في المؤسسة التعليمية وهي المثقلة بالمهام والمغلوبة على مهام، بدل الشراكة مع جمعيات المجتمع المدني التي تتقن مثل هذه الأنشطة ولها فيها أطرها الكفئة برصيدهم التربوي والتنشيطي والتنظيمي والتطوعي في المخيمات والرحلات والمسابقات والأمسيات والدورات والدوريات..؟
ألا يكفينا هذا الكم الهائل من المجالس الجماعية والأحزاب السياسية التي أصبحت كلها تقوم بأعمال الجمعيات دون أية قيمة مضافة؟ أين هذه المقاربة التشاركية ومتى ستتحقق وكيف؟ أو على الأقل، إذا تمسكت الوزارة بمقاربتها ويظهر أنها متمسكة بها وجعلت من أهدافها أن ترفع نسبة استفادة التلاميذ منها إلى 50%، فكان عليها من الأولى تكوين أطر متخصصة ثم إدماج أنشطتها في استعمالات زمنهم الرسمي، وفوق ذلك إعداد فضاء يمكن أن يستوعب مثل هذه الأندية ولوجستيكها وأنشطتها وأرشيفها وهو شيء مكلف وغير موجود.
5- بعض مشاريع المؤسسة لا أسورا تبني ولا ميزانيات تبقي: في حين أن كل الظواهر التي تعرفها المؤسسات لا زالت تعشعش فيها، كظواهر الغياب، والعنف، والهدر، والغش، والاكتظاظ، والانحراف، وضعف المستوى، والانغلاق، والضغوطات النفسية والاجتماعية، وكم من مؤسسة أعدت مشروعها غير ما مرة لمجرد بناء سور المؤسسة أو تزيين واجهتها أو بستنة حدائقها، 3 عقود مضت فلا سور قد بني ولا حدائق قد بستنت ولا ميزانية قد بقيت؟
إن مشروع المؤسسة من الأهمية بمكان، وأول مشاريعها ما كان تربويا وله عائد تربوي على سيرها وتدبيرها، وفعلا، هناك العديد من الأشياء مما يعرقل السير الطبيعي للمؤسسة ويفرغ عملها من نتائجه المنتظرة، وينبغي الاشتغال عليه بصدق وفعالية وبمشاريع واضحة، كتدني المستوى علميا ومعرفيا وقيميا، وضعف العدة الديداكتيكية لتدريس بعض المواد كالعلوم واللغات والاعلاميات والتكنولوجيا، والرقمنة والإبداع، وتنمية الحافزية عند الجميع، وإنعاش القراءة والتواصل وتفعيل المكتبة المدرسية، وإنعاش الحياة المدرسية والأندية التربوية التي قد لا تستوعب حتى عشر رواد المؤسسة والعاملين بها، الفضاء الإيكولوجي المناسب للبيئة المدرسية، مشروع الانفتاح على الفاعلين من الأسرة والمجتمع المدني والمجالس الترابية.
وتبقى الإشارة إلى أن أفضل مشروع ما سهر على وضعه وإنجازه فريق جماعي متكامل الخبرات والمهارات والتخصصات والشراكات، وهو ما لا يقع خاصة عند الإنجاز، مما يجعل المردودية باهتة والمحاسبة غائبة.