شائعات إعدام بعض علماء الفكر الوسطي بالمملكة العربية السعودية – نزيهة امعاريج
إن المتفق عليه حضاريا هو كون الإنسان هو الشرط الرئيس لكل بناء حضاري راشد، وبذلك يفهم الاهتمام البالغ لأصول الحضارات الإنسانية بالإنسان، حيث اتخذته محور شرائعها وقطب قوانينها ،والغاية من ذلك كله حفظ آدميته وصون كرامته حتى يسعد ويسعد .
وهذه القاعدة الحضارية قد أكدتها رسالة الإسلام التي جعلت موضوع أصولها وجوهر شرائعها الكرامة الإنسانية قال تعالى : ” ولقد كرمنا بني ادم “.
إذا فتماشيا مع روح حضارة التكريم ، فإن المسلم فردا كان أم جماعة، حاكما أم محكوما، فهو مطالب بتحقيق الكرامة في ذاته وفي غيره تبرئة للذمة ووفاءا للعهد.
ومن هنا تأتي دعوتنا السلطات السعودية جعل البلد الآمن يستعيد موقعه الحضاري السليم مسترشدة في ذلك بهدايتين :
أولا : هداية الوحي الذي مما نقرأ فيه على سبيل المثال لا الحصر:
1 – كيف أن النبي الكريم وهو صاحب الوحي الذي لا يضل ولا يغوى، لم يكن يستنكف التداول والتشاور، وموضوع أسرى بدر نموذج رائد في الباب ، وكيف أن أتباعه المخلصين من المصدقين به المؤمنين برسالته ، قد ساروا على دربه ، حتى إن خليفة المسلمين الرجل الثاني في دولة الإسلام ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه نجده يسأل النصيحة ابتداء ويسعد بها وقوعا، وقد حفظ لنا التاريخ قصته مع خولة بنت ثعلبة زوج أوس بن الصامت وهي تراجعه وتناقشه ، فما كان منه رضي الله عنه إلا الترحيب بل والثناء : “هذه هي المرأة التي استمع الله اليها من فوق سبع سماواته ” .
2 – أن النصح واجب شرعي قال صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة، قلنا : لمن يا رسول الله قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، ” فالحديث الشريف قد أوضح النصح جائز في حق كل مسلم يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم.
3 – إن مهام النصح والبيان هو من وظائف العلماء، ومن واجباتهم الشرعية قال تعالى :” وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه “، وقال أيضا ” لولا ينهاهم الربانيون ” وبسبب هذا الفضل نال العالم المسلم العلو والرفعة في المجتمع المسلم وما أروع ما نقرأ في قصة ابن عباس مع زيد بن ثابت رضي الله عنهما حيث إن ابن عباس رضي الله رأى زيد بن ثابت رضي الله عنه راكبا دابة فأخذ بركابه يقوده فقال له زيد : تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا فقال زيد : أرني يدك فأخرج ابن باس يده فقبلها زيد وقال :هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله صلى الله عيه وسلم ولما مات زيد قال : ابن عباس هكذا يذهب العلم لقد دفن اليوم علما كثيرا” .
4 – أن العربية السعودية هي البلد “من دخله كان آمنا ” فكيف يروع فيه العلماء الربانيين من أبناء الوطن المخلصين .
ثانيا : الهداية التاريخية ومنها :
1 – شهادة التاريخ أن قيام الدولة السعودية الحديثة، إنما كان ببركة العلم والوحدة مع العلماء – حيث التحم السلطان بالقرآن- فبتحالف الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع ال سعود تم تأسيس الدولة العربية السعودية فكيف بعد هذا نتنكر لرسالة العلماء وفضلهم على الأمة؟
2 – إن الأراضي السعودية كانت مثابة لعلماء الأمة عامة وأمنا لهم، فكيف تضيق على علمائها المخلصين ودعاتها الربانيين وأبناؤها البررة الطيبين ؟
3 – أن البلد المسلم الذي كان يعقد المحافل ويقيم المنتديات يتنادى إليها علماء الأمة، شيبا وشبابا للتحاور والتشاور والتناصح، يعتقل علماؤه ويسجن دعاته، فمن منا لم يسمع بندوة الحج الكبرى أو بالندوة العالمية للشباب، وهي منتديات علمائية بامتياز عبرت عن الوجه النضر لحضارة الإسلام الخالدة، وفي هذا المقام أتذكر وأنا أحضر الندوة العالمية للشباب في إحدى دورتها التي عقدت بمدينة مراكش المغربية، وخلال فقرة الترفيه بدا للمنشط تقليد بعض العلماء الدعاء أثناء أداء وظيفتهم الدعوية، وعندما ذكر اسم الشيخ سلمان العودة – فك الله أسره – قال المنشط :” شيخانا سلمان العودة : القضية الخمسين بعد المائة “في إشارة واضحة إلى قدرة الرجل على التفريع والتوضيح والبيان، إنها لعمري؛ مكتسبات حضارية وإنجازات إنسانية، قطب رحاها العالم الرباني الوسطي، فكيف يمكن بعد هذا التفريط فيها وإتلافها فنكون كالتي نقضت غزلها .
4 – إن العلماء هم صمام أمان مجتمعاتهم وهم قوارب نجاة أممهم، وأتباعهم هم طلبة الرشد “هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا “، فكيف نتصور أن يكونوا مصدر تهدد استقرار البلاد وترويع أمن العباد وهم ورثة رسالة رحمة العالمين .
لهذا فإننا نهيب بالسلطات السعودية المسارعة إلى رفع الحيف عن العلماء بعامة وعلماء الفكر الوسطي بخاصة، ونخص بالذكر الشيخ سلمان العودة والدكتور عوض القرني والدكتور علي العمري، وتمتيعهم بحرياتهم وعزتهم ” ولله العزة ولرسوله وللمومنين “، وقبل هذا وذاك تفنيد ما يرهبهم وأهليهم وجميع أبناء أمة الإسلام، مما يروج من إمكانية تنفيذ أحكام الإعدام في حقهم، خاصة وأن العالم يشهد أن هؤلاء العلماء لم يصدر منهم إلا ما خدم الإنسانية من الكلمة الطيبة والنصح الجميل والعمل الصالح، وأن اعتقالهم بدون وجه حق هو اعتداء عليهم وعلى حرمات الأمة وهو فعل تجرمه جميع الشرائع والقوانين، ونسأل الجهات المسؤولة الخروج عن صمتها وجعل حد للشائعات عمليا بتسريح هؤلاء العلماء الأجلاء .
الدكتورة نزيهة امعاريج
أمين عام مساعد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين