رمضان وترشيد سلوك الفرد والمجتمع
إن رمضان شهر الصيام والقيام، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، لذلك فإن هذا الشهر العظيم يعد محطة يتزود فيها المسلم بزاد التقوى والإيمان. والناظر في هذا الشهر الكريم، يجد أن أيامه كلها رحمة بهذه الأمة، لذلك فإننا نلاحظ أن ظاهرة التدين عند المغاربة في هذا الشهر الفضيل تشهد ارتفاعا ملحوظا، حيث الإقبال على القرآن الكريم تلاوة وحفظا وتجويدا، لذلك فإن الناس يتنافسون فيما بينهم في الحرص على قراءة الحزب للتمكن من ختم قراءة القرآن، ومنهم من يتعهد نفسه بختم القرآن أكثر من مرة في هذا الشهر الكريم، بل إننا نجد الآباء والأمهات يشجعون أبناءهم على حفظ كتاب الله، ويدفعونهم للمشاركة في مسابقات تجويد القرآن.
ومادام أن شهر رمضان هو شهر الرحمة واغتنام الحسنات، واقتداء بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام” لأنه كان أجود من الريح المرسلة” نجد أن المغاربة يقومون بأعمال البر والإحسان بشكل مكثف، ويتضامنون مع الفقراء والمساكين، كما أن ذلك العري الفاضح يقل ـ على الأقل ـ في هذا الشهر الكريم، وبما أن الشياطين تسلسل في هذا الشهر يستحي المرء من فعل المنكرات نهارا جهارا، رهبة من شهر القرآن. وهكذا نعيش جوا مفعما بالإيمان في شهر الصيام، ونلحظ تدينا مرتفعا، وكل هذا مطلوب ومرغوب، لكن ما نخافه أن يرتبط كل هذا بعدد أيام رمضان؛ فإذا انقضت أيامه عادت حليمة إلى عادتها القديمة، فينقص الحرص على أداء الصلوات ، ويهجر القرآن، وينتشر العري، وتكثر المنكرات، فمن كانت هذه حاله فليعرف أن ربه الذي يعبده في رمضان هو رب الشهور كلها، وبذلك يجعل من رمضان فرصة للتعلم والتدريب بدل العادة والتقليد، وفرصة لتعديل السلوك وترشيده، وبذلك يتحقق التدين المطلوب.
كما ينبغي التنبيه في هذه الإضاءة إلى أن الصيام قد شرع لمقاصد عظيمة وغايات كبرى يعود أثرها على الفرد والمجتمع، ويعد مقصد التقوى المقصد الأساس من تشريع الصيام كما بين ذلك المولى عز وجل في قوله: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.(
ولما كانت للصيام مقاصد جمة وجدنا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستعدون له بستة شهور قبله، وبعد مروره تبقى آثاره عليهم عدة شهور فيتحصلوا مقاصده وغاياته، إذ يجعلون منه شهرا استثنائيا للتعلم، فكانوا يعيشونه يوما بيوم، بل لحظة بلحظة حتى لا يفوتهم أجر الشهر الفضيل وحسناته المضاعفة، فإذا حل شهر رمضان فرحوا واستبشروا وعقدوا العزم على اغتنام أكبر قدر من الحسنات، فتراهم يصومون ويقومون ويتلون آيات القرآن آناء الليل وأطراف النهار، لسانهم يلهج بذكر الله تعالى عساهم ينالوا رحمة ربهم في أول رمضان، فإذا مضى ثلثه جددوا العزم عساهم يدركوا ما بقي منه من خيرات وبركات، فيجتهدون أكثر في تحصيل الطاعات، فيكثرون من العمل الصالح، ويقومون بكل أعمال الخير، أما إذا حلت العشر الأواخر من رمضان فإنهم يعلنون النفير عسى ربهم أن يعتقهم من النار، فيتوجهون إلى خالقهم بقلوب خاشعة وأعين دامعة، فكانوا لا ينامون بالليل تعبدا وتهجدا، وبالنهار تجدهم جنودا مجندين لخدمة دين الإسلام.
هكذا كانت أيام رمضان فرصة للتأمل والتعلم وترشيد السلوك، فإذا انقضت أيامه ظهرت آثاره على الفرد من ناحية زيادة الإيمان، حيث يتعلم المحافظة على الصلوات، ويحافظ على تلاوة القرآن، وتتحسن أخلاقه، ويتهذب سلوكه، وتتعلم نفسه المراقبة والمحاسبة، بل إنه يتعلم من مدرسة الصيام قيم التعاون والتضامن، وبذلك يكون شهر الصيام قد حقق مقاصده وظهرت آثاره على الفرد والمجتمع.
رشيد لخضر