ذ محمد يتيم يكتب: سنة المقاومة والمدافعة.. تجليات النصر في معركة طوفان الأقصى
في القرآن الكريم تأكيد على عدد من السنن الاجتماعية، التي يتعامل المؤمنون من خلالها مع الأحداث ومنها سنة التدافع، أو سنة المقاومة بالتعبير المعاصر كما في قوله تعالى ﴿ فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ﴾
يقول سيد قطب في الظلال :” وداود كان فتى صغيرا من بني إسرائيل . وجالوت كان ملكا قويا وقائدا مخوفا . . ولكن الله شاء أن يرى القوم وقتذاك أن الأمور لا تجري بظواهرها ، إنما تجري بحقائقها . وحقائقها يعلمها هو، ومقاديرها في يده وحده . فليس عليهم إلا أن ينهضوا هم بواجبهم ، ويفوا الله بعهدهم . ثم يكون ما يريده الله بالشكل الذي يريده . وقد أراد أن يجعل مصرع هذا الجبار الغشوم على يد هذا الفتى الصغير، ليرى الناس أن الجبابرة الذين يرهبونهم ضعاف ضعاف يغلبهم الفتية الصغار حين يشاء الله أن يقتلهم . وكانت هنالك حكمة أخرى مغيبة يريدها الله . فلقد قدر أن يكون داود هو الذي يتسلم الملك بعد طالوت، ويرثه إبنه سليمان، فيكون عهده هو العهد الذهبي لبني إسرائيل في تاريخهم الطوي ؛ جزاء انتفاضة العقيدة في نفوسهم بعد الضلال والانتكاس والشرود”
والقرآن حين يسجل هذه الوقائع، فهو لا يفعل ذلك من باب السرد التاريخي لمعرفة تفاصيل وقائعه، وإنما يفعل ذلك للاعتبار ولاستخلاص سنن التاريخ التي تجري عليه في كل زمان ومكان. ومن تلك السنن سنة التدافع أو “سنة المقاومة ” بالتعبير المعاصر. ومعنى المقاومة التصدي للعدوان وعدم التسليم له، وإعداد المستطاع والمقدور عليه من القوة، علما أن أعظم قوة هي قوة الإيمان وقوة الإرادة والممانعة والصبر والمصابرة والمرابطة .
ومن اللافت للانتباه أن القوة المادية أو العسكرية المأمور بإعدادها؛ هي القوة المقدور عليها لقوله تعالى :﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين منهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ﴾.. ( من رباط للصواريخ المدمرة للمصفحات ودخائر العبوات الناصفة…) .إن مقياس النصر في المنظور الإسلامي ليس هو الكثرة العددية ولا القوة المادية العسكرية المقدور عليها و التي تبقى ضرورية.
ليس المطلوب من المقاوم سوى أن يعد ما بوسعه وقدرته .. وهذا الوسع والقدرة يعنيان بذل الجهد والإبداع في توفير المستطاع المقدور عليه من القوة المادية والعسكرية، ولكن أيضا القوة المعنوية أي قوة الإيمان وقوة الصبر والتحمل، والتطلع للاستشهاد دفاعا عن الدين والأرض والعرض.
ولم يستثن من ذلك الرسل والأنبياء المؤيدون بالوحي كما في قوله تعالى :﴿ وكأين من نبىء قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب الصابرين ﴾.. ( تأمل ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ).
قوة الأيمان وسنة التدافع اعتمادا على المقدور عليه، من أسباب القوة المادية والعسكرية والسياسية والإعلامية أصل المسألة، إذ الجهاد دفاعا عن العقيدة والوطن والحرية والكرامة، من شأنه قلب الموازين كما نبه إلى ذلك القرآن في قوله تعالى ﴿ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بآذن الله والله مع الصابرين ﴾ .
وتثبت معركة طوفان الأقصى اليوم هذه الحقيقة، فمجرد صمود المقاومة في وجه العدوان الصهيوني الأمريكي في ظل الخذلان العربي والإسلامي، هو انتصار ناهيك عما أثخنته المقاومة في جيش الاحتلال من قتل وخوف ورعب وهزيمة نفسية، مما أجبرها على قبول الهدنة والخضوع لكثير من مطالب المقاومة. وصدق الله العظيم القائل ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فنقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم .إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ﴾ صدق الله العظيم.