دراسة: ثلاثة سيناريوهات مستقبلية لمسار التطبيع مع الكيان الصهيوني
استعرضت دراسة بحثية جديدة صادرة عن مركز الجزيرة للدراسات السيناريوهات المستقبلية لمسار التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني لفلسطين الذي يتبنى مقاربة “حل الدولتين” لفظيًّا، ويحول دون تحقيقها واقعيا.
ويفيد السيناريو الأول للدراسة البحثية -التي نشرت في في العدد السادس عشر من مجلة لباب التابعة لمركز الجزيرة للدراسات- أن إسرائيل نجحت في ضرب المقاربة العربية التقليدية القائمة على أسبقية الانسحاب ثم التطبيع، نظرا لتغير النظام العربي وسيولة التحالفات الإقليمية وتغير قاعدة العداء والصداقة، تسمح للاحتلال بالنجاح في إحداث اختراقات أخرى قادمة.
وترى الدراسة، أن ذلك سيُسهِّل من مهمة دول الاحتلال في استمرار الانقسامات الفلسطينية، وتجذرها بفعل الرعاة الإقليميين المتنافسين وحقيقة التنافس الفصائلي والسوريالي على السلطة. وتعتقد الكثير من الأنظمة العربية أن الطريق إلى واشنطن تمر عبر تل أبيب مما أوراق “قوة” في العلاقة مع الدول التي تسعى للتطبيع.
ويتمحور السيناريو الثاني في فشل التطبيع بفعل الشعوب العربية التي ما زالت أغلبيتها الساحقة ترى في الاحتلال الصهيوني العدو الأول. بمعنى أنه لن تكون هناك شرعية شعبية للتطبيع، لكن هذا أيضا يعتمد على العامل الفلسطيني.
وفي حال تجاوز الفلسطينيون خلافاتهم الداخلية واتفقوا على إستراتيجية وطنية موحدة، فإن من شأن ذلك أن يُحرِج الأنظمة العربية التي تتذرع بالانقسامات الفلسطينية لمواصلة مسلسل التطبيع.
ويتوقع هذا السيناريو أن يعم نموذج السلام البارد بدلا من التطبيع الكامل، وبخاصة إذا ما نجحت إيران في ردم الهوة بينها وبين بعض الدول الخليجية التي تخشى إيران وتصور الأخيرة بتطييف سياستها الخارجية لتحقيق مكتسبات في الإقليم.
وعلاوة على ذلك، يمكن لعودة الربيع العربي ووصول حكومات منتخبة للحكم أن ترفع من كلفة التطبيع على النخب السياسية، وعندها سيتجمد التطبيع وتستعيد القضية الفلسطينية مركزيتها المفقودة.
أما السيناريو الثالث، فيعتمد على تطور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن شأن التضييق على الفلسطينيين وإرغامهم على الاستسلام للمنطق الإسرائيلي أن يدفع الفلسطينيين إلى خيار مكلف وهو تفجير انتفاضة جديدة.
وفي هذه الحالة ستقوم إسرائيل بقمعها بطرق وحشية وستلعب وسائل التواصل الاجتماعي والمحطات الفضائية دورا مهما في تأجيج الشارعين، العربي والإسلامي. ومن شأن ديمومة انتفاضة فلسطينية أن تخلق رأيا عاما عربيا ضاغطا يحبط كل “منجزات” التطبيع للدول المُطبِّعة.
وهكذا لا يفشل التطبيع فقط بل ستظهر تحالفات إقليمية جديدة لن تكون في صالح مقاربة إسرائيل القائمة على تحقيق اختراقات في النظام العربي للإجهاز على القضية الفلسطينية.
وخلصت الدراسة أن هناك نموذجين للتطبيع بين الدول العربية ودول الاحتلال، تطبيع بارد تمثله مصر والأردن، وحار تمثله البحرين والسودان والإمارات والمغرب.
وترى الدراسة، أن تبدُّل الظروف الإقليمية، وتغيُّر مصادر التهديد لعدد من الدول العربية، والتراجع النسبي في قوة التأثير الأميركي في المنطقة بشكل عام، واندلاع ثورات الربيع العربي وما ترتب على ذلك من سيولة في التحالفات وتغيُّر في قاعدة الصداقة والأعداء، وتراجع مركزية القضية الفلسطينية؛ عوامل ساعدت على بروز نموذج التطبيع الحار القائم على عدم انتظار حل القضية الفلسطينية لإنجاز التطبيع.
ولفتت الدراسة البحثية إلى أن الاحتلال الصهيوني لم يلتقط اللحظة التاريخية للحصول على شرعية في المنطقة، فهي لا تعتبر إقامة علاقات دبلوماسية إلا مرحلة للوصول إلى التطبيع، لكنها غير مستعدة -لأسباب داخلية متعلقة بالمشروع الصهيوني وهيمنة اليمين على السياسة الإسرائيلية- لأن تسهم في تمكين الفلسطينيين من إقامة دولة مستقلة في سياق مصالحة تاريخية ونهائية.
ووتعتبر الدراسة أن الفلسطنيين وحدهم من يمتلكون زمام المبادرة لتغيير الوضع القائم، فمن شأن مصالحة فلسطينية حقيقية والابتعاد عن الفصائلية أن ترفع الكلفة على الإسرائيليين والمطبعين معا.
موقع الإصلاح