خديجة مفيد تحذر من اجتثاث المصطلحات الشرعية من مدونة الأسرة المغربية

أكدت الدكتورة خديجة مفيد من أن المرحلة الراهنة تعد أخطر المراحل في المسار التاريخي لإصلاح مدونة الأسرة، محذرة من اجتثات المصطلحات الشرعية من بنيتها المعرفية الداخلية في خضم الصراع بين بنيتين متوازيتين الأولى بنية شرعية والثانية بنية وضعية.
جاء ذلك خلال مشاركتها في ندوة علمية نظمها مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون، بشراكة مع مركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط، بعنوان “مدونة الأسرة في علاقتها بمخرجات المجلس العلمي الأعلى والتجارب المقارنة”، يوم السبت31 ماي 2025، بمركب التكوين في الرباط.
وأوضحت رئيسة مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون، أن البنية المعرفية لمصطلحات المدونة تدحرجت من محطة التلميع إلى محطة استنبات المصطلحات وتعميمها لتصل إلى أخطر مرحلة وهي محطة اجتثات المصطلحات.
وقالت مفيد في هذا السياق “البنية الوضعية تمكنت مرورا بتفسير وتلميع المصطلحات في البنية المعرفية الوضعية، لتصل في مرحلتها الراهنة إلى اجتثات المصطلحات الشرعية من داخل بنيتها التي تؤهلها للتدافع مع البنية الوضعية وإحداث التوازنات من أجل عودة الإنسان إلى عقيدته وإلى فطرته التي تؤطره”.
ونبهت إلى أن الاجتثات الذي يقع على المصطلح الشرعي وشمل مدونة الأسرة التي هي الحلقة الأخيرة في حلقات التلميع والتمكين والاجتثاث، قد مرت قبل ذلك في الاقتصاد وحلت مصطلحات في البنية الاقتصادية والتعامل المالي مثل مصطلح الفائدة الذي حل محل الربا.
وأشارت مفيد إلى أن هذا الاجتثات يعرف مستوى خطيرا في المراحل التي قطعها بحيث أنه لا يركز فقط على المصطلح، ولكنه يركز أيضا على كل الأدوات، وهي معركة ليست عمودية وإنما هي معركة أفقية تركز على كل المستويات، وتشتغل على المصطلح باعتباره أداة معجمية داخل البناء المعرفي وتشتغل على البنيات والأدوات الداعمة لهذا المصطلح بحيث تحاول أن تجتثها لكي يكون هناك اجتثاث شامل وتمكين شامل للمسار الوضعي.
وذهبت أستاذة التعليم العالي إلى وجود عوامل داخلية ساهم فيها الاستعمار وعوامل خارجية باعتبار المغرب جزء من العالم وهناك علاقة تأثير وتأثر مع محيطه الخارجي، ولكن المراحل التي مر منها في المجال التشريعي غلب فيها التأثر على التأثير وأثر الآخر على أثر الذات في التشريعات والقوانين ودراسة هذا الواقع واحتياجاته.
واعتبرت مفيد أن مسار إصلاح مدونة الأسرة هو مسار مفتوح وتجليات تحولاته متأثرة بموقع القوة في الطرف المؤثر وإذا كانت هناك قوة عند الطرف الوضعي فإن ذلك يؤثر على صياغة هذه المدونة، وإذا كان هناك قوة في الطرف الشرعي فإنه يؤثر على هذه المدونة، إلا أن هذا التأثير هو ليس تأثير جزئي يعني يقتصر على المدونة، بل إن التأثير والتأثر مرتبط بعوامل شمولية تتعلق بالنسق كاملا بما يشمله من سياسة واقتصاد وتفاعل خارجي فكل هذه الأشياء تؤثر على صياغة المدونة باعتبارها الجانب التشريعي الذي يؤطر الحياة الاجتماعية والحياة الأسرية.
وترى الباحثة الاجتماعية والفاعلة الأكاديمية أن المصطلح من خلال هذا التدافع، لم يحظى بالاهتمام اللازم على المستوى الإقليمي أو المحلي من الأجهزة المعرفية في تفكيك وتحليل هذه الأنظمة المعرفية ومدى تأثيرها على المسار العام للمعرفة المحلية وعلى الثقافة وعلى تغيير المفاهيم وتأثيرها على كل ما يؤثر على السياسات العمومية، لأن الكل يسير في علاقة تسلسلية ومتشابكة يتأثر الواحد منها بالآخر، وبالتالي عرف المصطلح في المسار التاريخي مجموعة من مراحل التأثر بدأت بالتلميع ثم الاستنبات ووصلت اليوم إلى الاجتثات.
ولفتت مفيد إلى المرحلة الأولى المتمثلة في تلميع المصطلحات الوضعية كان هناك تلميع بناء على الحالة النفسية للإنسان العربي المسلم وهو حالة الانبهار بالحضارة الغربية والإشمئزاز من الوضع الاجتماعي المبني على القهر والاستبداد في العالم العربي والإسلامي وفي المحيط المحلي الذي نعيش فيه، ودامت مدةً من الزمن وأهم مصطلح راج مع النهضة هو مصطلح الأصالة والمعاصرة الذي أثر على الفكر العربي والإسلامي في مرحلة البحث عن النهوض والنهضة والبحث عن إيجاد موقع في الثورة التي عرفتها أوروبا والمدنية التي شهدتها، فوقعت مجموعة من الالتباسات لدى أهل المعرفة والفكر.
وشددت المتحدثة إلى أننا إذا لم نشتغل على المصطلحات وعلى حمولتها اللغوية وعلى حمولتها الفكرية وخلفيتها الفلسفية والعقدية فإننا نتيه بتحديد المرجعية وضبط المشترك المعرفي الذي يتحكم في المفهوم الذي نحن بصدد التعامل معه، مؤكدة أن المصطلح الشرعي في المدونة مضبوط ومرتبط ببنية نسقية متكاملة تؤطرها الرؤية وتنضبط للقيم الواردة والمنبثقة عن القرآن، ويحدد المصطلح الأدوار والوظائف ويحتكم إلى التشريعات والأحكام الصادرة عن القرآن والواردة مفصلة تطبيقا ومنهجا في السنة النبوية.
وبينت مفيد أن سبب الواقع الذي نعيشه والارتكاسات ومظاهر الأمراض النفسية والسيكولوجية التي يعاني منها الإنسان في المجتمعات العربية والإسلامية ومجتمعنا المغربي، هو تعدد هذه الهويات حولت الإنسان إلى كائن ممزق بين انتماءين، انتماء وضعي وانتماء شرعي، مشيرة إلى أن هذه التركيبة غير منسجمة ومستحيلة يعني على مستوى الواقع ولكننا كمجتمعات تحملناها وحملناها قهرا وجمعنا بين هويتين هوية شرعية وهوية وضعية في تركيبة لا تنسجم ولا تكتمل ولا تستقيم بهذا المعنى.
وزادت في مداخلة لها بعنوان “المصطلح الشرعي في المدونة: مدخل للفهم السديد والتطبيق القويم”، “فأحد هذين الانتمائين هو الذي يحدد الهوية السليمة لهذا الانسان، لذلك فمعركة المصطلح بالنسبة لي شخصياً هي معركة ذات أولوية أولاً، وثانياً هي معركة شاملة نسقية متمددة في مجتمعنا المعرفي بدأت باللغة وانتهت وشملت كل تفاصيل الحياة ولم تقتصر فقط على المدونة الأسرة التي هي معركة خالدة بين الخير والشر وبين الجدوى والعبث وبين العلم والجهل وبين الوضعي والرباني”.