حملة فرنسية عنيفة لتهجير المسلمين في جزيرة مايوت
تقود السلطات الفرنسية حملة عنيفة على الأحياء الهامشية في جزيرة مايوت ذات الأغلبية المسلمة والواقعة قرب سواحل شرق إفريقيا، وذلك بقصد ترحيل المهاجرين غير النظاميين القادم أغلبهم من جزر القمر وفق ما روج لها وزير الداخلية جيرالد دارمانان.
وأطلقت الداخلية الفرنسية على هذه العملية اسم “وامبوشو” وتعني “الاسترداد” بلغة الموهوري المحلية. واستخدم فيها شتى أنواع العنف ضد المدنيين بما في ذلك الأسلحة النارية والرصاص الحي.
وحكم القضاء الفرنسي بـ”لا قانونية” عملية الترحيل وإخلاء تلك الأحياء، كما انتقدت الصحافة بباريس ما وصفته بـ”الوحشية السياسية التي تطيل أمد انتهاك صارخ للقانون”. ورفضت حكومة جزر القمر استقبال المهاجرين المرحلين من مايوت، ورسو قوارب الدرك الفرنسي المحملة بهم على شواطئها.
باريس تطلق “وامبوشو”
قبيل بدء عملية “وامبوشو” فعليا يوم الاثنين، كانت الداخلية الفرنسية تتكتم بشكل كبير عن ماهيتها. و كانت الصحيفة الساخرة “Le Canard Enchaîné” أول المتحدثين عنها، إذ كشفت في 12 أبريل الجاري إعداد قصر بوفو (وزارة الداخلية) لعملية واسعة بمايوت ذات الأغلبية المسلمة، “مباشرة عقب انقضاء شهر رمضان”.
وأضافت الصحيفة على لسان مصدر في الشرطة رفض كشف هويته، أن باريس بعثت أزيد من 500 عنصر إضافي من قوات إنفاذ القانون CRS والدرك الوطني إلى الجزيرة. وأن العملية يمكنها أن تستمر من شهرين إلى ثلاثة أشهر، مع “مرحلة كبيرة من 20 إلى 30 أبريل”، وتستهدف المهاجرن الذين يعيشون في الأحياء الهامشية، الذين ينحدرون “جميعهم تقريبا من جزر القمر”.
وانتظر وزير الداخلية جيرالد دارمانان إلى يوم الجمعة، كي يخرج عن صمته بشأن “وامبوشو”، مؤكدا أنها “بدأت بالفعل”. وقال دارمانان إن العملية “تأخذ كأولوية ملاحقة العصابات الإجرامية التي ترهب الفرنسيين في الجزيرة”، كما “سندمر بأمر قضائي 1000 حي من الأحياء الهامشية، والتي ستكون (منذ الآن) غير مقبولة في فرنسا”.
عنف وتهجير غير قانوني
أطلقت الداخلية الفرنسية عملية “وامبوشو” بالفعل يوم الاثنين، 24 أبريل الجاري، بمشاركة 1800 من قوات إنفاذ القانون CRS والدرك الوطني. واستخدمت السلطات الفرنسية القوة المفرطة في مواجهة سكان الأحياء الرافضين إخلاء منازلهم، ما نشب عنه مواجهات عنيفة.
وحسب الصحفي الفرنسي ورئيس تحرير موقع “ميديابارت”، إيدوي بلينيل،فقد استخدمت الشرطة الفرنسية في يوم واحد “أزيد من 650 قنبلة غاز مسيل للدموع و85 قنبلة صوت و60 طلقة مطاط”، كما “استعملت الأسلحة النارية والرصاص الحي في 12 مرة، في إطلاقه على الأرض لإخافة المتجمهرين”.
ووصف الصحفي الفرنسي المخضرم هذه العملية بأنها “مشاهد حرب فعلية و(تعبير عن) عنصرية ضد المهاجرين والمنفيين واللاجئين”. مذكرا بالترويج لها في خطابات منتخبي الكتلة الرئاسية من الجزيرة، على رأسهم النائب الأول لرئيس بلديتها سليم مديري، الذي حرض على قتل أولئك المهاجرين لأنه “إذا لم يقتل أحد منهم، فسيكون دائما من يجرؤ على قتل ضباط الشرطة”.
وكانت محكمة ماندوزو، عاصمة الإقليم الفرنسي، قضت بـ”لا قانونية” هدم الأحياء الهامشية التي تستهدفها العملية، لما قد يمثل “تهديدا صريحا للسلامة الشخصية لسكان تلك الأحياء”، وفق ما ورد في نص حكمها.
بالمقابل، سبق وحذر أزيد من 170 إطارا صحيا يشتغلون في مايوت، في عريضة، من المخاطر الصحية لأي تدخل واسع لتهجير سكان الأحياء الهامشية للجزيرة، وعلى رأسها “ظهور حالات معرضة لخطر العدوى الوبائية” ، و”تقييد الوصول إلى الرعاية” أو حتى “حدوث التأخيرات في العلاج” لبعض الأمراض.
ومن جانبها، رفضت جزر القمر استقبال المهاجرين الذي تسعى السلطات الفرنسية لترحيلهم على أراضيها. وقال المتحدث باسم حكومة موروني حميد مسعيدي، الجمعة، إن “جزر القمر لا تنوي استقبال المطرودين بالعملية التي خططت لها الحكومة الفرنسية في مايوت”. وهو ما أكده يوم السبت، وزير الداخلية القمري فكر الدين محمود، قائلاً: “حكومتي أعلنت موقفها بوضوح: لن تقبل بعمليات الطرد”.
وفي وقت سابق، في 10 أبريل الماضي، كانت الحكومة القمرية في بيان لها، اعتبرت عملية الترحيل للمواطنين القمريين من مايوت “انتهاك خطير للقانون الدولي”، الذي يمنع ترحيل السكان من موطنهم الأصلي إذ تعتبر موروني الجزيرة جزءا لا يتجزأ من أراضيها. وانتقد الصحفي الفرنسي إدوي بلينيل، إصرار الحكومة الفرنسية على استمرار العملية، واصفا ذلك بـ”الوحشية السياسية التي تطيل أمد انتهاك صارخ للقانون”.
ماذا تعرف عن مايوت المسلمة؟
تقع جزيرة مايوت على الساحل الشرقي لإفريقيا، في عرض المحيط الهندي، بمساحة تقدر بـ374 كيلومترا مربعا وتتبع جغرافيا لأرخبيل جزر القمر. وقد كافح سكان جزر القمر الاحتلال الفرنسي طويلا، إلى أن منحهم الحكم الذاتي سنة 1961، بعدها بثلاث سنوات طالبت الجزر بالاستقلال التام. وبعد كفاح طويل ضد الاحتلال أجبرت فرنسا على إجراء استفتاء حول الاستقلال في جزر القمر عام 1974.
ويبلغ تعداد سكان جزيرة مايوت نحو 288 ألف نسمة، 97% منهم مسلمون، يعيشون تحت السيادة الفرنسية إلى يومنا هذا بعد أن احتلت أرضهم سنة 1841، ويحملون الجنسية الفرنسية. ورغم ذلك يحافظ سكان الجزيرة على هويتهم الإفريقية العربية، حيث لا يزالون يرتدون الأزياء التقليدية للجزيرة ويتحدثون لغاتهم الأم القمريَّة والعربية. كما لا يزالون يحافظون على دينهم الإسلامي، ومآثره بالجزيرة التي يقع فيها أقدم مسجد بفرنسا بني بداية القرن 16م.
وذكر تقرير سابق نشره مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية في تركيا أنه سنة 1974 بصوت 95% من سكان جزر القمر الكبرى لصالح الاستقلال، الذي اعترفت به الأمم المتحدة بعد خمسة أشهر، إلا أن فرنسا أعادت الاستفتاء عام 1976، وهذه المرة صوّت 65% من سكان جزيرة مايوت لصالح البقاء تحت الإدارة الفرنسية، في حين صوت 95% من سكان الجزر الأخرى لصالح الاستقلال. ولم تحصل على استقلالها رغم قرار الأمم المتحدة بهذا الخصوص.
وصوَّت سكان الجزيرة سنة 2011 لصالح أن تصبح الجزيرة القسم 101 من الإدارة الترابية الفرنسية. وفي 2014 وافق الاتحاد الأوروبي على إدخالها ضمن أراضيه لتصبح أبعد أراضٍ أوروبية عن عاصمته بروكسل. ومنذ سنة 1995، فرضت فرنسا التأشيرة على سكان جزر القمر من أجل الدخول إلى مايوت، ما دفع إلى تنامي الهجرة غير النظامية إليها، وأصبحت الجزيرة وجهة موجات اللجوء، حيث يقضي أغلب اللاجئين نحبهم بعرض قناة موزمبيق وهم يحاولون الوصول إليها.
وليست الحياة الاجتماعية داخل مايوت بالمريحة، وهو ما تثبته أرقام فرنسية، حيث إن 10% من سكان الجزيرة محرومون من الكهرباء، و29% يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، بل وأكثر من نصف سكان الجزيرة لا يتحصلون على حمامات. كما أن الحد الأدنى للأجور هناك أقل بـ25% عن مثيله بأراضي فرنسا الأوروبية.
مواقع إعلامية