حماس بعد القائد – شيروان الشميراني

إن اللقطات التي نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي للحظات الأخيرة للقائد يحي السنوار، أراد بها بطلها السنوار كتابة فصل جديد هو من أهم الفصول وأكثرها حيوية لروايته “الأشواك والقرنفل”. نعم لقد كتب الأشواك والقرنفل في سجن” بئر السبع” تحت حراسة الشرطة في 2004، أي أنه كان مسجوناً، لكن الفصل الأخير الذي سطره بتقديم حياته وكتابته بدمائه مكتوب أيضاً في سجن غزة المفتوح على السماء فقط منذ 2007 لحد غضبته الكبرى في السابع من أكتوبر 2023، فالرواية والمشهد الأخير لحياته يصوران الألم والمعاناة التي يكابدها الفلسطينيون منذ ست وسبعين سنة.

الرجل قدم الى جانب تصوير المعاناة مشهداً لا يقدمه سوى الكبار من المناضلين، من أصحاب القضايا الكبرى، علا بهمته وقامته الى مستوى القضية الكبرى التي شغلت العالم كله منذ وقوع الأرض المباركة تحت الاحتلال، ترك السنوار مناظر ومشاهد حية قال من خلالها إنه واقف وقوف الإيمان والعقيدة وقوتهما، واقف لغاية الأنفاس الأخيرة من حياته وهو يجاهد، أي أنه يقول للمجاهدين أن لا إستسلام ولا تنازل ولا انكسار، ولا تراجع عن الغايات التي تحركنا جميعاً من أجلها وتعاهدنا عليها، وقد يضع مشهد استشهاده في مواجهة حية مباشرة وهو يلبس زي العسكر، مرتدياً الكوفية الرمز، يضع أبناء الحركة أمام حالة صعبة جداً، يسد عليهم باب التراجع، ولا محلّ للتنازل عما قاتل السنوار من أجله على خط النار الأول.

فإذا كان الإحتلال الدولي يتوقع أن القيادة في حركة حماس تتراجع عن مواقفها التي كانت زمن قيادة السنوار، فهو واقع في خطأ في التقدير -وإن كانت السياسة تتحمل ما لا يتحمله العقل أحياناً-، وذلك ليس لأنّ السنوار كان ينفرد برسم مواقف الحركة، وإنما لأن المذمة تلاحقهم من المقاتلين، وتوجيه الملامة لهم لا يتوقف، رجل قدم روحه طالباً الدرجة العليا، وسالت دماء جسده على أرض فلسطين شهيداً، لا تسمح هذه الدماء للخلف بالتراجع.

لا شك أن حماس خسرت كثيراً بشهادة السنوار، هذه حالة طبيعية لأن القادة تشكلهم التجارب الى جانب الموهبة الربانية، ولكل قائد مميزات وصفات لا تشبه غيرها، ومع أن القيادة في الحركة جماعية شورية، لكن للرجال بصماتهم على الإدارة، الخسارة ربما لن تكون في الجانب السياسي أو الاقتصادي لحركة حماس كبيرة، لأنها تمتلك مجموعة من الرجال هم قادة بذواتهم، كل واحد منهم قادر على إدارة الحركة وحمايتها والدفع بها الى الأمام، الغالبية منهم هم من رسموا الخط السياسي لحماس حينما كان السنوار أسيراً.

لكن ظني الذي أرجحه، هو أن البعدين الاستراتيجي والأمني، والتخطيط وإدارة هذه الحرب من الداخل هي المجالات التي يحدث فيها غياب السنوار فراغاً، لأن الرجل هو من أوائل إن لم يكن أول المؤسسين للجهاز الأمني منذ بدايات العقد الثامن من القرن الماضي، قبل تأسيس حركة حماس وعندما كان تلميذا يافعاً للشيخ أحمد ياسين، يكفي أنه نجح في التغلب الإستخباري على أقوى جهاز مخابراتي كما تدعي كالموساد والشاباك، ليس في السابع من أكتوبر فحسب، وإنما بتغلبه على جميع أجهزة المخابرات العالمية طيلة سنة وعشرة أيام كاملة، جعل أجهزة المخابرات الدولية بكل عيونها البشرية والتكنولوجية عمياء في غزة، لم يكونو يعلمون أين هو في أرض محتلة من السماء ومن الأرض، وهم من وقعت مؤسسات مخابراتية ومعلوماتية لدول عريقة بين أيديهم، لكن السنوار تفوق عليهم كلهم.

وكذلك الجانب التخطيطي الاستراتيجي، الدماغ الذي كان في رأسه، ذا قابلية رهيبة في التفكير بعيد المدى والنجاح والإصابة، حتى إن صاحب دربه عضو المكتب السياسي “باسم نعيم” يقول إنه كان مصيباً في غالبية ما كان يبديه من الرأي ولم يكن يفرض مايراه على القيادة في غزة، ثم كان يتبين أنه هو المصيب في رأيه.

إن التواتر على دقة رأيه وذكائه الحاد يثبت أنه كان في مستوى الحدث، من هذا الجانب حماس تخسر بغيابه، وقد لا يكون ملء الفراغ سريعا لمجالي الأمن والتفكير الاستراتيجي، لكنها لن تكون خسارة كاملة، فلاشك أنه قد ترك من يخلفه في غزة، وحماس من الحركات التي قال عنها الشهيد إسماعيل هنية ” إن الأمة ولادة، كلما ذهب سيد جاء سيد آخر”، ففي الحركة سادة آخرون وليس سيداً واحداً.

وفي السياق العام لمسار حركة حماس السياسي لحل القضية، فقد فعلت الحركة الكثير، فعلت كل ما يمكنها فعله، حتى القبول بحدود 1967 لكن المشكلة في الجانب الآخر، وكل الجهود المبذولة لوقف الحرب كانت الإعاقة تأتي من الجانب الآخر ذاك، من طرف الاحتلال، ليس كما تزعم واشنطن راعية الاحتلال، السنوار لم يكن هو العقبة، وقادة حماس منذ السابع من أكتوبر يعلمون ذلك، بالتالي من الصعوبة حصول نتنياهو على ما يريد بذهاب سنوار، بل حتى لو لم يكن السنوار موجوداً، فإن حماس لن تستسلم، لن تستسلم وبالتالي لا وقف لحرب يكون السبيل إليه هو الاستسلام، لأن لا شيء يرضي نتنياهو والبيت الأبيض أقل من إستسلام حماس، والحركة ستستمر من ذات المشهد الذي أرسله إليها رئيسها من رفح أثناء استشهاده.

ولد السنوار في مخيم خان يونس نازحاً قسرياً، واستشهد مقاوماً يطلب الحق لشعبه المظلوم، والثأر ممن هجروه من الظالمين، بذلك التقت البداية والنهاية، نهاية لم يكن لها بدٌّ لبداية لم يكن السكوت عنها مقبولاً..

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى