حسن الإفراني يكتب: خواطر من وحي العمل الإسلامي (7)

كمون الانتماء المال قوام الأعمال (2)

يقول عبد الله ناصح علوان رحمه الله: “عقبتان في طريق الدعاة، الوظيفة والزواج”، وقد أكدت الملاحظة العيانية، والاحتكاك المباشر بالفعل بأن هناك حالات من هذه الطينة، فكم من طالب كان منارة دعوية في الجامعة، ولما توظف سقط  بالمرة. وكم من موظف كان شعلة متقدة، ولما تزوج انطفأ، وفي عشه انكفأ.

ومما لا شك فيه، فإن الشيطان يضخم قيمة الالتزام المالي، فيجعل البعض يوهمه وكأنه هو من سيحرمه من اقتناء الحاجيات، أو من بناء البيت، أو من اقتناء السيارة… يحكي أحدهم، بأن أحد الفلاحين الكبار في موسم درس الزرع، أوصى العمال بعزل حصة الزكاة في مكان ما من الأمكنة في البيدر، وبينما هم منهمكون في ذلك، عاد إليهم بعد الانتهاء من الدرس فسألهم عن الحصة المعزولة عن بقية المحصول الزراعي، وكانت حصة لا بأس بها، فأخبروه بأنها حصة الزكاة التي كان قد أوصاهم بعزلها، ولما كبرها الشيطان في عينيه، جعل على بصره غشاوة، وختم على سمعه، وأقفل قلبه، فقال لهم: أدخلوها إلى المخزن  مع بقية الزرع. فنقض العهد الذي كان قد أخذه على نفسه ومع ربه. وهذه قصة واقعية بالمناسبة.

إن التربية على إخراج المال تحتاج إلى مكابدة ومجاهدة، وإلى التربية أساسا. وأنا أتذكر البدايات الأولى لانتمائنا وانخراطنا في صفوف الحركة الإسلامية، لما كنا تلاميذ في منتصف التسعينيات، كنا ندفع ستة دراهم كالتزام شهري، وكانت أفواج قبلنا تدفع درهمين، ولما كنا طلبة في الجامعة وفي مراكز التكوين، كنا نساهم بحصة ربع العشر (2,5%) من كامل الدخل الشهري للمنحة.

وهذه السنة الحسنة هي التي نحاول أن نربي عليها أجيال اليوم، فمن لا يعطي من القليل لن يعطي من الكثير، مع الأسف والأسى الشديدين. ويقصد بالالتزام المالي، الذي ندندن حوله، كل التزام مالي تعاقدي مع العضو لتسليم نسبة محددة من الراتب الشهري (2,5%) نقدا إلى التنظيم.

والإخوة والأخوات في علاقتهم بالالتزام المالي، يمكن تصنيفهم إجمالا إلى ثلاث فئات:

  1. 1. المنضبطون: هذه فئة صدقت ما عاهدت الله عليه، فالتزمت بأداء واجبها المالي بانتظام، إما شهريا أو دوريا أو سنويا، وبصيغ مختلفة،  إما بتسليمها للمسؤول المالي أو مسؤول المتابعة يدا بيد، وإما بالاقتطاع المباشر من الراتب عن طريق البنك، وهو الأمر الميسر اليوم، ويذكر بأن  الحركة تملك رقم حساب بنكي يخول لكل عضو التعامل المباشر معه. وهؤلاء ليست في ذمتهم أية ديون أو متأخرات، كما أنهم يحينون التزامهم المالي كلما زاد راتبهم، بفضل الترقيات أو الأقدمية..
  2. 2. الغير المنضبطين: وهؤلاء يدفعون الواجب كلما بدا لهم ذلك، أي بين الفينة والأخرى، ومنهم من لا يدفعه إلا عندما تلح عليه إلحاحا شديدا، وحينما تذكره في كل حين، أي “إلا ما دمت عليه قائما”، وقد تجد بعضهم يؤدي أقل من ربع العشر (2,5%) منذ انتمائه، ولا يقوم البتة بتحيينه، ومنهم من يؤدي الالتزام المالي من الراتب فقط وليس بالرجوع إلى الدخل الشهري الكامل. وهؤلاء تراكمت عليهم ديون شهور أو سنوات، وما تزال تتراكم على بعضهم؛

٣.  المنقطعون: هذه فئة انقطعت إما كلية تربويا وماليا، وإما ماليا فقط، دون أن تبسط أي عذر للهيئة، وهي ما زالت محسوبة في لوائح الأعضاء، وتتراكم عليها الديون سنة تلو أخرى.

إننا في هذه المقالة أحببنا أن نذكر أنفسنا، لأننا كثيرا ما ننسى، وننسى أننا ننسى، بجملة من المبادئ والمنطلقات والأخلاقيات التي اجتمعنا عليها، ومنها:

  • إن النسبة التي حددتها الحركة في وثائقها، والتي تخص مقدار الالتزام المالي تتراوح بين ربع العشر (2,5%) ونصف العشر (5%) من كل الدخل الشهري وليس من الراتب فقط. ولأننا ندفع التزام 10 شهور، فوجب استخلاص مقدار 3%، لنحصل فعلا على نسبة 2,5% من 12 شهرا (أي سنة)؛
  • يتوجب الانتظام في الأداء الشهري أو الدوري أو السنوي، حسب اختيار العضو، ويعد الاقتطاع المباشر من الراتب عن طريق البنك أيسر الطرق وأضمنها لكل التزام مالي راتب، (التحويل المباشر)؛
  • كل من ترتب عليه دين، يعمل بشعار:” أستأنف من جديد، وأجدول ديوني”؛
  • يستحسن لمن يتعامل بالأداء النقدي بالنسبة لأعضاء الهيئات(المكتب الإقليمي، مكتب الفرع المحلي، اللجان…) إحضار الواجب في اللقاء الشهري الذي تعقده هذه الهيئات ليتولى مسؤول المتابعة مهمة جمعها، ويحسن تذكيرهم لإحضارها معهم قبيل كل لقاء تنظيمي؛
  • صحيح أن هناك من الإخوة والأخوات من قد يكون له عذر عن دفع الالتزام المالي – لفترة زمنية ما – على رأس كل شهر، لكن عليه فقط أن يبسط عذره مكتوبا للمكتب الإقليمي ليتخذ القرار الذي يراه مناسبا لكل حالة على حدة.

لقد كتبنا هذه السطور لما رأيناه من ضرورة ملحة لذلك. فجهاد المال يعد من بين أفضل أنواع الجهاد، بل فضل الله جهاد المال على الجهاد بالنفس وقدمه عليه في مواضع كثيرة، يقول سبحانه وتعالى:”وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون”، ويكون المال أشد إلحاحا عندما يكون لدعم مسيرة العمل الدعوي والتربوي.

ونحن بكل هذا إنما نتعامل مع الله، ونقرض الله القرض الحسن، وبه نجاهد أنفسنا لتزكيتها من مرض الشح، ولقد قال عبد الله بها رحمه الله:”الشرك الأكبر اليوم هو عبادة المال.” نسأل الله أن يعيننا على أداء واجباتنا في وقتها، وبمقاديرها، وأن يكتب لنا الإخلاص في كل القربات، وأن يصرف عنا كل الكربات،  وأن يجعلنا من الأوفياء الصادقين، وممن يصدق فيهم: قل هاتوا أموالكم إن كنتم صادقين.

أبو عبد الرحمن

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى