حسبنا الله ونعم الوكيل، سلاح المؤمن أمام الخطوب – عزيزة بنجلون
سلاح عظيم يتسلح به المسلم أمام خطوب هذه الحياة، ويستعمله كلما ألمت به المصائب وأحاطتْ به النكباتُ وتكالبت عليه مشاكل هذه الدنيا التي لا يسلم منها أحد.
إذ الإنسان خُلِقَ ضعيفاً عاجزاً، لا يستطيعُ وحده أنْ يصارع الأحداث، ولا يقاوم الشدائد، ولا ينازل المصائب؛ إلا حينما يتوكلُ على ربِّه ويفوِّضُ الأمرَ إليه.
فهذا السلاح الذي ينبغي أَن لا يَغْفُلَ عنه المسلِم، هو من الأذكار العظيمة والكلمات المباركة التي وردت في كتابِ اللهِ وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتي يجدُرُ بكلِّ مسلمٍ أن يُعنىٰ بها وأن يحفظها ويحافظ عليها، ألا وهي كلمةُ “حسبنا الله ونعم الوكيل”، وَهِيَ الْمَعْرُوفَةِ بـالْحَسْبَلَةِ.
يقولها العبد طالِبًا مدد الله وعونه فيما أهمه من جلب نَعماءَ أو دفع ضُرٍّ وبلاء، وهي تعني: توكل العبد على الله، والتجاؤه إليه، واستعانةٌ به واعتماد عليه وطلب عونه وتوفيقه وتسديده.
حسبنا الله، يستشعر فيها العبدُ اسْمَ اللهِ الحسيبِ، والحسيب هو: الكافي، فهو سبحانه كَافٍ من توكل عليه، وفوض أمره إليه واستعان به واعتمد عليه، فالله عز وجل هو الحسيب وهو “نِعمَ الوكيل”: صيغة مدحٍ وثناءٍ على الله عز وجل، بأنه هو الحفيظ ونِعمَ المُتوكَّل عليه في جميع الأمور، وهو الوكيلُ الذي توكَّل بالعالَمين والذي يتولَّى بإحسانِه شُؤونَهم خَلقاً وتدبيراً وهداية وتقديراً، فلا يُضيِّعُهم ولا يترُكُهم ولا يكِلُهم إلى غيرِه.
حسبنا الله وَنِعْمَ الوكيل، ما أكبرَ معناها وما أَعظم دلالتها وما أشدَّ أثرها. فهي العبارة التي تلوح أَمام الإنسان حين تنقطع وتتخلى عنه القوى المادية والأسباب الأرضية.. هي المَفزع إذا ضاقت الكروب وهي الملاذ إذا عَظُمَت الخُطوب.. هي الكلمة التي تقفُ على طرف اللسان حين يأْخذ الخوف والحزن مكانه في القلب.
حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ هي العبارة التي استشعرها إبراهيم عليه السلام حين حمله أهل الشرك لِيُلْقوه في النارِ، فَلَمَّا بَصُرت عيناه النار ردد بلسانه، وقد مُلِئ قلبُه توحيداً: حسبنا الله ونعم الوكِيل، فقال الله: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69].
حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، قالها محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه بعد غزوة أحد، حين قيل لهم إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم.
قال ربنا: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173].
فالله الذي أمر النار تكون برداً وسلاماً على إِبراهيم عليه السلام، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابَه يرجعون ولم يمسسهم سوء، هو الذي يجعل المحن منحاً وعطايا، ويجعلُ الفقر والحاجة سعةً وغنى، ويجعل الهمومَ والأحزان أفراحاً ومسرات، ويجعلُ المَنْع عطاءً ورحمة، وهذا كلُّه لمن توكل عليه وجعلَهُ حَسْبَهُ، وأيقن به وأحسن الظن به سبحانه، وهذا مضمون: حسبنا اللهُ ونعم الوكيل.
فهي تفويض الأمر إليه سبحانه بعد الأخذ بالأسباب، فلا تستعن إلا به ولا تطلُب الشفاءَ إلا منه، ولا تطلُب الغِنَى إلا منه، ولا تطلُب العِزَّ والمنعة إلا منه.. فكلُّ أمورك مُتعلقةٌ بالله رجاء وطمعاً ورغبة فإن قلَّ مالُك وكثُرَ ديْنُك، فنادِ: حسبُنا اللهِ ونِعْمَ الوكيلُ.
إذا خفتَ من عدوٍّ، أو ظُلمتَ أو ابتليتَ فاهتفْ: حسبي اللهُ ونِعْمَ الوكيل إذا ضاقت بك السبُل، وأُغْلِقَت دونك الأبواب وتعسرت عليك الحياة ولم تجد من الناسِ أنيسا ولا مؤنسا فقل: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْل.
إن سُلِبَ حقك، وضعُفت عن استرداده، فقل: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوكيل، فهي ملاذُ العبد وملجَؤُه حالَ الأزمات الشديدة والضائِقات العظيمة.. هي السلوى في المصائِب، والحِصنُ في الشدائِد.. هي أمضَى من القوَى المادية، والأسباب الأرضيَّة.
حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل دُعاءُ من قَوِي قلبه فلا تُؤثِّرُ فيه الأوهام، ولا تُزعِجُه الحوادِث، ولا يتسرَّبُ إليه خوفٌ ولا ضعف، لعلمِه أن الله تكفَّل لمن توكَّل عليه بالكفايةِ التامَّة، فيثِقُ بالله ويطمئنُّ إلى وعدِه، فيزُولُ همُّه وقلَقُه، ويتبدَّلُ عُسرُه يُسرًا، وحُزنه فرَحًا، وخوفُه أمنًا..
فقلها بيقين يدفع الله عنك الهموم ويُزِيحُ الكروبَ ويُذهبُ البأس ويعجلُ الفَرجَ بإذنه تعالى.