مقالات رأي

تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر: مؤشرات غير متناقضة – بلال التليدي

قبل أيام تم تسجيل عدد من المؤشرات المتناقضة بخصوص مستقبل العلاقة بين المغرب والجزائر، تعكس حالة التردد في استيعاب استحقاقات قرار مجلس الأمن 2797، والرغبة في ترجمة استحقاقات قرار مجلس الأمن أو خلق شروط لاستعادة التأويل التقليدي لتعاطي الشرعية الدولية مع ملف الصحراء.

من جهة المغرب، يمكن أن نلمس خطين يعملان بشكل متواز لتأمين استحقاقات قرار مجلس الأمن: الأول، انصرف إلى تنفيذ توصيات مجلس الأمن بتحيين مقترح الحكم الذاتي، إذ نجحت الدولة المغربية في تحويل هذا الاستحقاق إلى حالة تعبئة وطنية، تبعث بها رسالة إلى العالم بأنها منفتحة على مكوناتها الداخلية، وأنها تدبر هذا الملف السيادي الحساس بشراكة مع طيفها الوطني من غير احتكار ولا حصرية (اللقاء الذي جمع مستشاري الملك عمر عزيمان والطيب الفاسي الفهري ووزير الداخلية عبد الواحد ووزير الخارجية ناصر بوريطة بالأمناء العامين للأحزاب السياسية، بقصد طلب مقترحاتهم التفصيلية بشأن الحكم الذاتي). وأما الخط الثاني، فيهم استمرار النفس ذاته في حشد الدعم الدولي للمقترح المغربي للحكم الذاتي، خاصة على المستوى الإفريقي (اجتماع وزير الخارجية المغربي بكل من وزيري خارجية مالاوي وغامبيا).

من جهة الجزائر، فقد برزت ثلاثة خطوط أساسية: استمرار تأويل قرار مجلس الأمن 2797، بإعادة تكثيف السردية التقليدية لوزير الخارجية السيد أحمد عطاف، إذ أضافت خرجته الإعلامية الجديدة، نفس المضامين، مع إضافة تعليق على خطاب الملك محمد السادس بمد اليد للحوار، من خلال الإشارة إلى أن دعوته الصحراويين للعودة للوطن لا يمكن أن تكون إلا من خلال الاستفتاء وفي حالة قبولهم لها. لكن الجديد في هذا الخط، وهو محاولة نقل تصريحات الرئيس تبون السابقة، بأن الجزائر طرف محايد وغير معني بالصراع، وأنه مستعد لمساعدة الطرفين لإيجاد حل، إلى طرح وساطة للحل، وهو ما يندرج في سياق تبرير السردية الجزائرية بأنها ليست طرفا في التفاوض لحل النزاع خلافا لقرار مجلس الأمن الذي يعتبرها طرفا، كما تدل على ذلك النسخة الإنكليزية التي تم طرحها للتصويت. الخط الثاني، تمثل في إعلان الرئيس الجزائري الشروع في الاستغلال المحلي لخام الحديد في منجم غار الجبيلات بداية من سنة 2026، ووضع حيز الخدمة لخط السكك الحديدية المنجمية ـ بشار تندوف ـ غار جبيلات، وأما الخط الثالث، فيهم تحرك السياسة الخارجية الجزائرية على واجهتين اثنتين: تنشيط وتكثيف فعالية اللوبي الجزائري بالولايات المتحدة الأمريكية لتقوية العلاقات الدبلوماسية معها ورفع مرتبتها، ويمكن أن ندرج ضمن هذا المؤشر تصويت الجزائر على مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة، والتعليل الذي قدمه وزير الخارجية الجزائري، بأن بلاغ فصائل المقاومة الفلسطينية بخصوص موقف الجزائر في جلسة مجلس الأمن الخاصة بغزة مجهول الهوية، وأن الجزائر لا تعرف هذه الفصائل، وإنما تتعامل فقط مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، علما بأن الجزائر هي التي قامت باستضافتها وأعلن الرئيس الجزائري حينها أن بلاده تدعم فلسطين ظالمة ومظلومة. ثم التحرك تجاه القارة الإفريقية (لقاء أحمد عطاف مع نظيرته الموزنبيقية) على نحو يقلص من دينامية الدبلوماسية المغربية، وسعيها لخلق إجماع إفريقي حول سيادة المغرب على صحرائه.

الرباط لحد الآن لم تدل بأي إشارة إلى قضية الصحراء الشرقية، فهي، بعقلانية دبلوماسية، تكتفي بترصيد نهجها السابق في حشد الدعم الدولي لمقترحها

تركيب هذه المؤشرات تدل على وجود حالة استباقية لتوجيه قرار مجلس الأمن وتأمين استحقاقاته، ومحاولة خلق شروط أخرى تساعد على تقديم تأويل مختلف لهذا القرار بما يستعيد سردية الاستفتاء بوصفه لتقرير المصير لحل نزاع الصحراء. لكنه في الجانب المقابل، يعني دوائر أخرى مرتبطة بقضية الصحراء، منها العلاقات المغربية الجزائرية التي تضغط الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إيجاد حل للتوتر الذي يطبعها، وتحاول الجزائر أن توحي بأنها جادة في هذا الاتجاه، لكن بطريقتها، من خلال تقديم وساطتها من جهة، وتقديم أوراق اعتمادها للإقناع بإمكان الاعتماد عليها أمريكيا ليس فقط لتوسيع سلة المصالح الأمريكية في المنطقة، وإنما أيضا في دعم الرؤية الأمريكية في الشرق الأوسط، وذلك خلافا للرؤية الجزائرية التقليدية.

الجزائر كما يظهر ذلك حراكها الدبلوماسي، تحاول استباق إمكان استعمال ورقة الصحراء الشرقية للضغط عليها أمريكيا للمقايضة لحل النزاع في الصحراء وطي صفحة الخلاف مع المغرب، فقد لوحظ بكثافة تداول هذه القضية داخليا، وارتفاع منسوب التعبئة الوطنية إعلاميا بذريعة وجود ما يسمى بـ«مؤامرة مغربية» لتقسيم الجزائر، وبعث النزعات الانفصالية فيه، والسيطرة على ثلث أراضيه من خلال مطالبة المغرب بالصحراء الشرقية، وضمن هذا السياق يمكن أن نفهم قرار الرئيس الجزائري ببدء الاستغلال لمنجم غار جبيلات، وتحريك ورقة السكة الحديدية التي تربط المدن الجزائرية الثلاث بالصحراء الشرقية، وذلك، لنزع الحجة على الإقليم بتأخر قطار التنمية به، والرفع من منسوب التعبئة الوطنية، بأن الجزائر لن تفرط في حقوقها في هذه المنطقة.

أما الدائرة الثانية، فتتعلق، بتحضير جواب استباقي لدينامية المغرب النشطة من أجل ترجمة استحقاقات قرار مجلس الأمن إفريقيا، بالمطالبة بإلغاء عضوية جبهة البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، بحكم أن قرار مجلس الأمن حسم قضية السيادة المغربية للصحراء، وجعل حل النزاع ضمنها، لتتجمع للمغرب بذلك حجتان أساسيتان وذلك ثلاثة أشهر قبيل انعقاد القمة الثامنة والثلاثين للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا المرتقبة في فبراير المقبل: حجة المصالحة مع قوانين الاتحاد الداخلية، التي تمنع انضمام أي بلد لا يتوفر فيه شرط السيادة والاستقلالية كما توضح ذلك المادة الثانية من ميثاقه، وحجة قرار مجلس الأمن، بسيادة المغرب على صحرائه، وأن حل الحكم الذاتي يتم ضمن سقفه، بما يعني نهاية حلم قيام دولة صحراوية مستقلة ذات سيادة.

من الواضح أن تفاعل الديناميتين المغربية والجزائرية، يفيد بأن المعادلة تغيرت، وأن المغرب الذي كان في خط الدفاع، صار يتخوف من إمكان استعماله لأوراق هجومية قوية، وأن الجزائر التي كانت في خط الهجوم، صارت تحاول إقناع داخلها بأنها تحتاج لتعبئة وطنية لحماية مدن الصحراء الشرقية من المطالبة المغربية، بدل أن تشغل المغرب بجنوبه، وتستعمل ورقة البوليساريو لإيجاد منفذ استراتيجي لها في الأطلسي.

الرباط لحد الآن لم تدل بأي إشارة إلى قضية الصحراء الشرقية، فهي، بعقلانية دبلوماسية، تكتفي بترصيد نهجها السابق في حشد الدعم الدولي لمقترحها، والالتزام بقرار مجلس الأمن، بالمبادرة بتحيين مقترحها، دون التورط في أي «بوليميك» سياسي مع الجزائر، في حين، ما تزال الجزائر محكومة بمنطقها التقليدي السابق، بتكثيف سرديتها حول تأويل قرار مجلس الأمن وأنه يدعم خيار الاستفتاء لتقرير المصير، ومحاولة تعبئة الداخل ضد «مؤامرة مغربية» افتراضية تستهدف الصحراء الشرقية، والظاهر، أن لعب الجزائر بهاتين الورقتين، في ظل وجود مؤشرات مقابلة على تماهيها مع السياسة الأمريكية، يوحي بأنها بالمدى القريب لم تعد تملك خيارا سوى تحصين ما لديها، بدل تحقيق مكتسبات لم تعد ممكنة على الإطلاق، وأنها بالمدى المتوسط والبعيد تراهن على إمكان تغير الوضع الدولي والإقليمي لما يعيق تسريع حل نزاع الصحراء وفقا للرؤية المغربية.

أخبار / مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى