المسيرة الخضراء، 44 سنة على الملحمة السلمية
في يوم 16 أكتوبر 1975، أعلن الملك الحسن الثاني رحمه الله عن تنظيم المسيرة الخضراء التي مكنت الشعب المغربي من استرجاع أقاليمه الجنوبية، وذلك بعد تأكيد محكمة العدل الدولية بلاهاي، في رأيها الاستشاري، أن الصحراء لم تكن يوما “أرضا خلاء”، وأنه كانت هناك روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب وبين الصحراء.هذا وجسدت المسيرة الخضراء، التي انطلقت في السادس من نونبر عام 1975، مدى عمق تشبث المغاربة بكل فئاتهم وشرائحهم بمغربية الصحراء وبالعرش العلوي المجيد، حيث سار تلبية لنداء جلالة المغفور له الحسن الثاني 350 ألف مغربي ومغربية، بنظام وانتظام في اتجاه واحد صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من براثن الاحتلال الإسباني.
وهكذا، وفي السادس من نونبر من سنة 1975 انطلقت جماهير المتطوعين من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي، ومن سائر ربوع الوطن، بنظام وانتظام في اتجاه واحد صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من براثن الاحتلال الإسباني، بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه، أظهر للعالم أجمع صمود المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب وعزمهم وإصرارهم على إنهاء الوجود الاستعماري بتماسكهم والتحامهم، قمة وقاعدة.
فلم يكن الأمر صعبا على الملك لإقناع المواطنين المغاربة بالذهاب إلى الصحراء، فالعلاقة الوطيدة بين العرش والشعب و الحب والاحترام اللذان يتمتع بهما لدى أفراد الشعب ارتقى بذلك إلى مستوى الواجب الوطني الكبير، وما كان لقائد آخر أن يتمكن من جمع تلك الأعداد من المتطوعين بسهولة وفي وقت قياسي، إلا أن تكون له منزلة رفيعة في قلوب شعبه، و يحظى بحظ كبير من الحب والاحترام .
لقد تسلح المتطوعون في المسيرة بالقرآن، ولم يُحمل خلالها أي سلاح، تأكيداً على أنها مسيرة سلمية، وانطلقت المسيرة بقدر كبير من الانتظام والدقة والتنظيم اللوجستيكي اللافت، فعبرت المسيرة الخضراء حدود الصحراء، تحت ردود فعل عالمية وإقليمية متباينة، أما إسبانيا فقد عارضتها، وطلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن لمواجهتها، كما أعلنت من خلال مندوبها في مجلس الأمن، أن المسيرة الخضراء هي زحف عسكري مسلح، ولذلك فقد حركت أسطولها البحري إلى المياه الإقليمية المغربية، كما أعلنت أنها قامت بزرع الألغام على مناطق واسعة من الصحراء.
وبعد نجاح المسيرة الخضراء على المستوى الشعبي والإقليمي والعالمي، وتوغل المتطوعين المغاربة في الأراضي الصحراوية المغربية، اضطر الإسبان إلى العدول عن موقفهم المناوئ للمغرب والبحث عن حل لمشكلة الصحراء، فبدأت اتصالاتهم بالمغرب، ما دفع الملك الحسن الثاني إلى إصدار أمره بعودة المتطوعين في المسيرة إلى طرفاية مؤقتاً، حتى يتم التوصل إلى حل سلمي للمشكلة، وقد ورد في كتاب “ذاكرة ملك”، أن الصحفي الفرنسي إريك لوران سأل الملك الحسن الثاني، في أي وقت بالضبط قررتم وقف المسيرة الخضراء؟ فأجاب جلالته: “في الوقت الذي أدركت فيه جميع الأطراف المعنية أنه يستحسن أن تحل الدبلوماسية محل الوجود بالصحراء”.
وفي 9 نونبر 1975، أعلن الملك الحسن الثاني أن المسيرة الخضراء حققت المرجو منها وطلب من المشاركين في المسيرة الرجوع إلى نقطة الانطلاق أي مدينة طرفاية.
ومن نتائج حدث المسيرة الخضراء الذي أصبح من العلامات الفارقة في تاريخ المغرب الحديث، قبول إسبانيا إجراء المفاوضات والوصول إلى اتفاقية مدريد الموقعة يوم 14 نوفمبر 1975، وهي الاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي بموجبها دخل المغرب إلى العيون سلميا، وانسحاب الإدارة الإسبانية من المنطقة يوم 26 فبراير 1976 قبل يومين من الموعد المحدد في اتفاقية مدريد الذي كان 28 فبراير.
ومنذ ذلك العهد، دخلت الأقاليم الجنوبية منذ تنظيم المسيرة الخضراء عهدا من الانجازات الهامة والنوعية ،و مكنت هذه الدينامية، التي تم إطلاقها برعاية من جلالة الملك، من ضخ استثمارات هائلة بهذه المنطقة من المملكة منذ استرجاعها، كما وجهت الجهود المبذولة في مجال توسيع وتعزيز البنيات التحتية، ووضع وتطوير الخدمات الاجتماعية ومكافحة الفقر.
الإصلاح