المرأة مع رمضان.. بناء أشواق بناء أدوار وبناء أتواق – سحر الخطيب

[1]“إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها”

تعنى المرأة ببناء الأشواق في رمضان، ذلك الضيف الكريم الذي يطرق أبواب القلوب بكلّ نعومةٍ ورهبة، يحمل معه عبق الروحانيات وأشواق العباد إلى خالقهم. وفي هذا الشهر المبارك، تُضيء المرأة شمعةً خاصةً في بيتها، لتمنح الأجواء الرمضانية لمسةً أنثويةً تفيض حناناً وإيماناً. فهي بقلبها الحاني وروحها المرهفة، تبني أشواقاً تلامس السماء، وتجعل من رمضان لوحةً فنيةً تزينها الطاعات والذكريات.

رمضان شهرٌ مليء بالروحانيات والأجواء الإيمانية التي تبعث في النفس الشوق إلى الله تعالى، وتجعل القلب يشتاق إلى الطاعات والقرب من الخالق. وللمرأة دورٌ كبير في بناء هذه الأشواق وإضفاء لمسةٍ خاصة على هذا الشهر الفضيل، سواء في بيتها أو مع أسرتها أو في مجتمعها.

فمن تزيين البيت، تصنع المرأة مشاهد ذات طابع خاص لاستقبال رمضان بأجواء روحانية تعطي شعورا بالفرح والترقب. كما أنها من خلال إعداد ركن خاص للعبادة، تمهد للخلوة الخاشعة مع الله. فتتحول أركان البيت إلى لوحةٍ رمضانيةٍ بألوان الفوانيس المضيئة، والزينة التي تهمس بقدوم الشهر الكريم. كلّ قطعةٍ تذكر بأنّ هذا الشهر ليس كباقي الشهور، بل هو ضيفٌ عزيزٌ يملأ القلوب بالبهجة.

ومن المؤكد أيضا أنأطباق الطعام تحمل نكهةَ هذا الشوق فتتنوع الأطباق على مائدة الإفطار، كلّ طبقٍ يحمل قصةً من العطاء والصبر. المرأة تحرص على أن تكون المائدة مليئةً بالبركة، فتقدم ما لذّ وطاب، مع لمسةٍ من الإبداع تخطف القلوب مراعية في ذلك حال أمهات المؤمنين في رمضان وكذلك نساء أهل البيت اللواتي كان حالهن من حال النبي ﷺ، فقد تعلمن من رسول الله ﷺ أن رمضان شهر عبادة وطاعة وقربى من الله تعالى، فكن يكثرن من الطاعات، ولا يهتممن كثيرا بشؤون البيت ولا بكثرة طعام ولا شراب ونحو ذلك مما يشغل كثيرا من الأسر في عصرنا الحالي.

لقد أضحى الغالب الأعم عند الناس أن شهر رمضان عندهم هو شهر الطعام والشراب وأن ميزانية الأسرة تتضاعف قرابة ثلاثة أضعاف أكثر مما هي عليه في غير رمضان، وهذا مخالف لهدي بيوت نساء النبوة في رمضان.

المرأة تحرص على إعداد وجبات إفطار لذيذة ومميزة مع مراعاة التوازن بين الأطعمة الصحية واللذيذةوإشراك أفراد الأسرة في اختيار الأطباق. بالإمكان أن ترافق هذه الأطباق آيات قرآنية أو أحاديث نبوية شريفة على مائدة الإفطار، لتذكير الجميع ببركة الشهر الفضيل. ولبناء الأشواق، من اللازم أن تنظم المرأة جلسات قرآنية وأذكارا جماعية لتشجيع الأسرة على ختم القرآن خلال الشهر الفضيل.

كما وأنها تقبل على التخطيط لأعمال الخير والعطاء خلال مبادرات إطعام المحتاجين وإفطار الصائمين وتخصيص صندوق للتبرعات في المنزل لتفعيل فضيلة الجود واقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود من الريح المرسلة في شهر رمضان الأغر. وتشجع مثل هذه المبادرات الأبناء على أوجه الخير.

وتستطيع المرأة أيضا تنظيم فعاليات رمضانية للأطفال لتعليمهم آداب الصيام وفضائل رمضان. و تختار قصصا عن الأنبياء والصالحين للحكي قبل النوم تعزيزا للقيم الروحية داخل الأسرةوحرصا على زرع بذورنورانية في قلوبٍ صغيرة.

إلا أن والهمة والعزم لا يخصان فقط الأسرة وإنما لا بد للمرأة أن تهتم بعبادتها الشخصية من قيام الليل واستغلال أوقات الإفطار والسحور للدعاءوالتضرع للهوتلاوة القرآنوإحياء الأذكار. ثم أن المرأة هي من تضفي الأجواء الرمضانية في المجتمع من خلال التخطيط لتنظيم الإفطارات الجماعية بهدف تقوية الروابط الجماعية وتشارك الهدايا لنشر الفرح والبهجة بمقدم الضيف الكريم.

لكن إذا ما أرادت المرأة النجاح في بناء الأشواق لرمضان، فعليها ألا تنسى الاعتناء بنفسها جسديا وروحيا، لأن الصحة الجيدة تساعد على العبادة بشكل أفضل. كما عليها أن تخصص وقتا للتفكر في خلق الله والتأمل في معاني رمضان، بصفته فرصة لتجديد الإيمان. وليس فقط الإيمان بل يتجدد أيضا التواصل مع الأهل والأصدقاء وتتجدد العلاقة مع الإنفاق والإطعام والاعتكاف والتزاور والدعاء ومدارسة القرآن.

كانت أمهات المؤمنين في رمضان يشغلن أنفسهن بكثرة قراءة القرآن في رمضان، كيف لا ورمضان هو الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ويجتهدن في القراءة ما لا يجتهدن في غير رمضان. كما كن يكثرن من ذكر الله تعالى خاصة في هذا الشهر الفضيل أكثر من غيره.

و من أشهر أعمال أمهات المؤمنين في رمضان كثرة الصدقة، وكان من أكثر من اشتهر بالصدقة منهن زينب بنت جحش – رضي الله عنها- فقد كانت تجيد دبغ الجلود وصناعة بعض الأشياء، وتتصدق بثمنها على الفقراء خاصة في رمضان، كما اشتهرت عائشة – رضي الله عنها- بكثرة الصدقة، وهو أمر مشتهر بين جميع أمهات المؤمنين.

فبلمسة أنثوية رقيقة، تُضيء المرأة شمعة الإيمان في بيتها، وتجعل من رمضان لوحةً فنيةً تزينها الطاعات والذكريات. فهي بقلبها الحاني وروحها المرهفة، تبني أشواقاً تلامس السماء، وتجعل من هذا الشهر عيداً للقلوب.

من بناء الأشواق، تعنى المرأة أيضا ببناء الأدوار في رمضان، ذلك الشهر الذي يهبُّ علينا بنسماته الروحانية، ليس فقط فرصةً للصيام والعبادة، بل أيضاً محطةٌ لإعادة بناء الأدوار داخل الأسرة، وتقوية الروابط بين أفرادها. في هذا الشهر الكريم، تتحول البيوت إلى مساجد صغيرة، والأسر إلى فرقٍ متعاونةٍ تتناغم في أدائها لترسم لوحةً إيمانيةً رائعة. كلّ فردٍ في الأسرة له دورٌ يؤديه بكلّ حبٍ وإخلاص، ليكون رمضان شهراً لا يُنسى.

الأب هو عمود الخيمة الذي يرتكز عليه البيت، فهو القائد الذي يوجه أسرته نحو الخير والبركة. في رمضان، يتحول الأب إلى إمامٍ في الصلاة، وقارئٍ للقرآن، ومربٍّ يذكر أبناءه بفضائل هذا الشهر. هو الذي يحرص على أن تكون أجواء البيت مليئةً بالروحانيات، فيشجع أفراد أسرته على الصيام والقيام، ويشاركهم في العبادات الجماعية. بكلماته الحكيمة وروحه الهادئة، فيصبح الأب مصدراً للإلهام والتوجيه.

أما الأم فتكون قلب البيت النابض بالحبالذي يمنح البيت دفئه وحنانه. في رمضان، تتحول الأم إلى فنّانةٍ تزيّن البيت بلمساتها الرقيقة، وتعدّ مائدة الإفطار بأطباقٍ لذيذةٍ تحمل نكهة الحب. هي التي توقظ أسرتها للسحور، وتحرص على أن تكون اللحظات الرمضانية مليئةً بالبركة. بكلماتها اللطيفة وروحها المرهفة، تُذكّر أبناءها بفضل هذا الشهر، وتشجعهم على العطاء والعبادة. الأم هي من تبعث الأجواء الرمضانية في الأسرة حتى تملأ البيت بالسلام.

ومن دور الوالدين، لا ننسى أدوار الأبناء، فالأبناء هم بناة المستقبل وأمل الأسرةورمضان فرصةٌ لتعليمهم قيم الصبر والعطاء. في هذا الشهر، يتحول الأبناء إلى تلاميذٍ يتعلمون من آبائهم وأمهاتهم فضائل الصيام والقيام. هم الذين يشاركون في تزيين البيت، وإعداد مائدة الإفطار، وتوزيع الصدقات على المحتاجين. بكلماتهم البريئة وأفعالهم الطيبة، يصبح الأبناء مصدراً للفرح والبركة في البيت.على غرار الأبناء، ترفرف البنات كزهرات مشرقة في البيت تمنحه جمالاً وروحاً أنثويةً رقيقة. في رمضان، تتحول البنات إلى مساعداتٍ لأمهاتهنّ في إعداد الطعام، وتنظيم البيت. هنّ اللواتي يحرصن على أن تكون الأجواء الرمضانية مليئةً بالحب والسلام.

بكلماتهن العذبة وروحهن المرهفة، تُضفي البنات لمسةً خاصةً على البيت، تجعله مكاناً للراحة والطمأنينة. لا يمكن أن نتغاضى عن دور الجَدّ والجدة، كنز الأسرة الثمين، الذي يجسد حكمة الماضي وعطاء الحاضر.في رمضان، يتحول كل منهما إلى مرشدين روحيين يذكران الأبناء بفضل هذا الشهر، ويحكيان لهم قصصاً عن رمضان في الماضي بكلماتحكيمة وروحهادئة، يصبح الجدُّ والجدة مصدراً للإلهام والتوجيه والسكينة في عش المؤمن والمؤمنة الدافئ.

في رمضان، تجد التعاون يربطالأسرة في رمضان، فتتحول إلى نسيجٍ واحدٍ مترابط، حيث يتعاون الجميع في إعداد الطعام، وتنظيم البيت، وإحياء العبادات. كلّ فردٍ يقدم ما يستطيع، ليكون البيت مكاناً للبركة والسلام. بكلماتهم الطيبة وأفعالهم الصالحة، يصبح أفراد الأسرة فريقاً متعاوناً، يبني أشواقاً تلامس السماء، رمضان هو شهرٌ لإعادة بناء الأدوار داخل الأسرة، حيث يتعاون الجميع ليكون هذا الشهر شهراً لا يُنسى.

لا تكتفي المرأة ببناء الأشواق والأدوار في رمضان، بل تعنى أيضا ببناء الأتواق. في رحاب رمضان، حيث تُنسج الخيوط الذهبية للآمال بخيوط من نور الإيمان، تتنفس الروح أريج الأمل، وتتطلع إلى سماءٍ أكثر صفاءً، وأرضٍ أكثر اخضرارًا. إنه شهرٌ لا يُعانق الزمن فيه إلا ليُعيد للقلوب نبضها، وللأرواح سكينتها، وللآمال أجنحتها التي تحلق بها نحو فضاءاتٍ أرحب حيث تكفر الذنوب وتعتق الرقاب من النار وتفتح الجنان وتطوى صحائف السيئات.

ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان فُتّحـت أبواب الجنة، وغُـلّـقـت أبواب النار، وصُفّـدت الشـياطين)رواه مسلموقال أيضا عليه السلام: “ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة.”رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني. وعلى رأس القائمة، يمنح المؤمن ثواب ليلة يرزق فيها ما يعادل أعمارا عديدة من الطاعات والعبادات والأعمال الصالحة، يقول تعالى في سورة القدر: “ليلة القدر خير من ألف شهر” وتمتزج فيها جموع المؤمنين الصائمين القائمين بجموع الملائكة فيذكرون ويتعبدون الله في نفس واحد بهدف تعظيم خالق الأكوان ومانح الأنفاس ومعلم الهدايات.  ويختم الشهر بصلاة في يوم نفيس من أيام الله، يتجدد فيه بناء صرح الإيمان في نفس المؤمن بهمة وعزيمة المتقين.

رمضان ليس مجرد أيامٍ تُعد، بل هو ورش عظيم لبناء الأتواق الثمينة، حيث تُصاغ التطلعات بخامات الصبر، وتُطرز الأمنيات بإبرة التقوى. في هذا الشهر الكريم، تُفتح أبواب السماء، وتُشرع نوافذ الرحمة، لتدخل نسائم الأمل إلى كل قلبٍ عطشان، وكل نفسٍ تائهة.

في ليالي رمضان، حيث السكينة تُغلف الكون، تتحول الدعوات إلى شرارات نور، تضيء الطريق نحو آمالٍ كانت غائبة، وأحلامٍ كانت بعيدة. كل صلاة، كل دعاء، كل تسبيحة، هي لبنةٌ تُوضع في بناء رجاء جديد، في صرحٍ يعلو بنا فوق هموم الدنيا، ويقربنا من سماء الرضا. فالمرأة تتوق وتبني التوق لدى أسرتها إلى العتق، إلى القرب من رب الخلق، و إلى تعميق الشوق بملء صحيفة مشرقة من العمر.

الصيام، بتعبيره الصامت، يُعلمنا أن الأمل ليس مجرد انتظار، بل هو عملٌ وجهدٌ وصبر. فكما نتحمل الجوع والعطش، نتعلم أن نتحمل صعاب الطريق، وأن نثق بأن وراء كل جوعٍ شبع، ووراء كل عطشٍ ريّ، ووراء كل صبرٍ فرج.

وفي لحظات الإفطار، حيث تلتقي القلوب على مائدة الرحمن، نجد أن الأمل يتجسد في لقمةٍ تذهب جوعًا، وفي كأس ماءٍ يروي ظمأ. نتعلم أن الأمل ليس بعيدًا، بل هو هنا، في هذه اللحظات البسيطة التي تُذكرنا بأن الخير قريب، وأن الفرج آتٍ.

رمضان هو مدرسة الأمل، حيث نتعلم أن نصنع من اليأس حلمًا، ومن التعب طاقة، ومن الظلام نورًا. إنه الشهر الذي يُعيد تشكيل قلوبنا، لتصبح أكثر قدرة على الحلم، وأكثر استعدادًا لتحقيق الآمال.

فلنصنع في رمضان آمالًا لا تُحدها السماء، ولنحلم بأحلامٍ تلامس النجوم. فلنكن كالصائم الذي يعلم أن وراء كل جوعٍ شبعًا، ووراء كل تعبٍ راحة، ووراء كل صبرٍ فرجًا. رمضان هو بداية جديدة، وهو فرصة لنسج أتواق جديدة، ترفرف بأجنحتها نحو غدٍ أفضل، وأكثر إشراقًا.

 

[1]المعجم الكبير للطبراني وحسنه الألباني

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى