ذ حسن الإفراني يكتب المجلس التربوي: الصناعة الثقيلة أو ثغر الثغور (7/3)
لم المجلس التربوي؟
يتعلق الأمر بما سنتناوله هنا بالغاية أو الغايات التي ينشد المجلس التربوي تحقيقها، وعن مسوغات وجوده. بمعنى أننا نتجه هنا رأسا إلى المنسحبين من حضور المجالس التربوية لدواعي تختلف من شخص لآخر.
وسأبدأ في تنوير هذا السؤال انطلاقا من محورين أساسيين، الأول يتعلق بالحوافز الإيمانية، والثاني بالمبررات السننية.
1 – الحوافز الإيمانية:
انقسم الناس إجمالا إلى ثلاث زمر، منحرف عن جادة الصواب، وثابت على الصراط المستقيم، ومتذبذب بين هذا وذاك. وفي القرآن الحكيم إحدى الآيات الملفتة والتي كثيرا ما نتلوها، لكننا نغفل عن تأمل معناها، يقول الله عز وجل:”فتزل قدم بعد ثبوتها”، فلم يقل سبحانه مثلا فتزل بعد انحرافها أو بعد تذبذبها.. ذلك أن الحياة الدنيا ليست كلها عبارة عن طريق منبسط هاديء مفروش بالورود، بل هي كذلك عقبات كأداء تارة أكمة، وتارة جبل، وهي من غير شك مليئة بالأشواك كذلك.. بمعنى أن الفتن تتربص بنا في كل حين، مما يجعل الثبات صعبا، ويحتاج إلى الوقاية، والتعهد بين الفينة والأخرى. يقول عز من قائل:”ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا” وهذا الخطاب موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف بي وبك! والمثبطات عندنا أكثر من المثبتات، والعصر عصر فتن، من العمل إلى الانشغال بدراسة الأبناء إلى التسوق إلى المكوث أمام الشاشات إلى الرياضة إلى التجول.. فلا نكاد نضع العبادات إلا في أوقاتنا الضائعة بين هاته الانشغالات أو تلك، هذا إن وفرنا ذلك الزمن، وإلا فإن الأمر ينبغي أن تقرع له أجراس الخطر.
والأصل هو أن تلك المشاغل هي التي يتعين أن تكون تابعة لا متبوعة، فكما أن المثبت في الكيمياء الصناعية هو مادة كيميائية تضاف إلى المنتج لمنع حدوث تحلل، فإن نفس الدور تلعبه المثبتات التي تحضر في المجلس التربوي وتجعل الفرد مرتبطا بدينه، حاميا إياه من حدوث خلل أو تحلل.
و إجمالا يمكن الحديث عن خمس مثبتات، تتحقق كلها وتحضر في مجالسنا التربوية، وهي:
1 – قراءة القرآن الكريم: “كذلك لنثبت به فؤادك”، فمجالسنا موائد قرآن، نفتتح به، ويحضر في ثنايا دروسنا، ونحفظ منه ما تيسر، ونتدارسه ونتدبره
2 – قراءة السيرة النبوية وسير الرسل والأنبياء: يقول تعالى:”وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك”، ومجالسنا تحضر فيها السنة والسيرة، في مجمل لحظاتها، وتبقى التربية بالقصة وبالنموذج، من بين أنجع الأساليب وأكثرها تشويقا إلى الأنفس؛
3 – الدعاء: “يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك”، وهو من الأدعية المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والدعاء مخ العبادة كما نعلم، فمن سأل شيئا بقلب صادق لم يحرم، ومجالسنا التربوية تختتم دائما بالدعاء الصالح، وكفارة المجلس؛
4 – الرفقة الصالحة:”واصبر نفسك مع الذين يدعو ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا”، فهو مناسبة للقاء الإخوة، خصوصا وأنه يتعذر ملاقاة أكثريتهم بفعل الالتزامات المتعددة، وكما نعلم فإن الصاحب ساحب، والطباع تسرق الطباع، وملاقاة الأحباب تذكر بالله، وتشجع على الاستمرار في المعروف، والاستحياء من اتيان الذنوب والخطايا…؛
5 – العمل بالعلم:” ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا”، فالمجلس التربوي الناجح هو الذي يخرج بأمور عملية تترجم بعض القيم المتشربة فيه، كعيادة المرضى، أو زيارة المقابر، أو تقديم مساعدة، أو تنظيف مسجد أو حي، أو تشجير فضاء، أو التصدق بمقدار، أو التعاون على حج أو عمرة..
فيكفي أن يكون المجلس التربوي الأسبوعي نجمة خماسية تجتمع فيه المثبتات المذكورة أعلاه، فهو إذن مما ينبغي أن نعض عليه بالنواجذ وأن لا نفرط فيه، فبتفريطنا فيه، نكون نحن أول الخاسرين.