المجتمع المدني ورهان مقاومة التطبيع – الحبيب عكي
أصلا الفكر الصهيوني الذي يعتمده الكيان الإسرائيلي في معركته التطبيعية مع الفلسطينيين والعرب العاربة، هو فكر تلموذي..استعماري..استيطاني..عنصري..عدواني..توسعي..، طوال تاريخه تؤطره على أرض الواقع خرافة ” شعب الله المختار” الذي ينبغي أن تسخر له كل الشعوب، وواهم من يعتقد اليوم أنه يمكن التعايش والتعاهد والتعاقد مع هذا الكيان اللقيط الهجين، بمسمى التطبيع أو السلام أو الأمل في تقدم وازدهار المنطقة وتخليصها من تاريخها الدامي على مر العصور، فقط لأن هذا الكيان بمثابة الفطر المسموم في جذوع الأشجار المثمرة يأخذ منها ولا يعطي، وفي حالة عطائه بحكم (Symbiose) لا يعطي غير سموم قاتلة تأتي على الأخضر واليابس.
التطبيع حرب ثقافية بالدرجة الأولى تهدف إلى نسج علاقة عادية وطبيعية بين العرب وإسرائيل،و تحقيق التقارب والتعايش والتعاون بينهما، بغض النظر عما كان بينهما ولازال من حروب وصراعات وعدوان مستمر وهضم حقوق الضعيف من طرف الأقوى، والتطبيع خطة عدوانية استراتيجية يلجأ إليها الفكر الصهيوني بعدما بدا له من انحسار الاجتياح العسكري واستنفاذه لأغراضه ( د.أسامة الأشقر/ دليل مكافحة التطبيع الثقافي) والذي نستقي منه بعض هذه المفاهيم المقاومة وبعض معانيها ومنها، أن الاجتياح العسكري لا يمكن استعماله بلا نهاية، ولا يمكن أن يفرض على الناس القبول بالبذرة الإسرائيلية الخبيثة التي زرعها لهم في المنطقة بالقوة، فالعالم لم ولن يشهد انتصار ثقافة القوة على قوة الثقافة، ولا يمكن لهذا الاجتياح العسكري الظالم أن يحقق الأمن والرفاه للكيان الرهط المدلل عند فطامه، إلا بترحيب شعوب المنطقة ووضع خيراتها رهن إشارته، يعني التطبيع.
التطبيع إذن، حرب ثقافية لأغراض سياسية واقتصادية وأمنية، هدفها تهيء شعوب المنطقة والشعوب العربية والإسلامية بالقبول بالأمر الواقع، أمر الهزيمة الظرفية واليأس من المفاوضات التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الإذلال وضياع الحقوق، لذا لامناص من القبول بالكيان الاستيطاني كيهودي غربي متصهين في المنطقة، لن يقبل يوما بالطقوس العربية ومعتقداتها الإسلامية، ومن حقه أن يخترق الأنظمة والمؤسسات وأن يشوه كل المبادئ الحضارية والرموز الثقافية التي تحول دونه ودون ذلك، قال تعالى:”وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِير” البقرة / 120 .
ويظل أخطر ما في التطبيع، أنه حرب الهوية والذاكرة،وهي أخطر من الحرب العسكرية،لأن هذه الأخيرة قد تكتسب أو تخسر لتكتسب من جديد..جولات وجولات..ولو بعد حين، ولو بعد كم وكم من الزمن، ولكن لن يخوض هذه الحرب مشوه الهوية فاقد الذاكرة، وكيف سيحارب عربي مطبع يهوديا متصهينا يعتقد بمقتضى أجيال وأجيال من المسخ والمسح والتطبيع والتمييع أن ما يقال عنه عدوه..مجرد مواطن..وأنه مجرد صديق..وأنه مجرد مستثمر اقتصادي ومنعش سياحي..وأنه..وأنه..
كل الاستعمارات الغربية المشؤومة خرجت من الدول العربية والإسلامية بقوة الجهاد، ولكن هل جاهدها الخونة المطبعون معها وما منحتهم من الامتيازات؟؟ إنها إذن معركة حضارية هوياتية جيوستراتيجية قد تنهزم فيها الجيوش العربية وهي لم تخضها بالمطلق، ويستسلم فيها السياسيون العرب وهم يسعون في وهم التطبيع غير معتبرين بما سعوا فيه من سراب السلام وقد انقلب عليهم مجرد استسلام.
التطبيع إذن يشن حربه القذرة على الجميع، وبالدعم المعتاد للحبال الأمريكية والغربية عبر صفقات وصفعات، وقد يستسلم أمام إغراءاتها وضغوطاتها السياسي والعسكري والاقتصادي العربي وما ينبغي لهم، ولكن مهما تردت الأوضاع وكشرت عن أنيابها السباع والضباع، وهي كل يوم تعض وتنهش في أجسادنا العليلة وتذيقنا من الأسقام والأوجاع، وليس للأمة في ذلك إلا سدها المنيع وحصنها الحصين، ألا وهي الشعوب وفي طليعتها مجتمعاتها المدنية والأهلية، أفرادا ومثقفين،هيئات ومؤسسات، وكل من نذر نفسه ليصطف إلى جانب الأمة في معركتها، معركة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ومعركة عدم تزييف الوعي والحقائق التاريخية أو السماح في أمانة القدس والأقصى والسماح بتهويدهما وتخريبهما، ناهيك عن مأساة الشعب الفلسطيني وهو في كل حين مسرح للانقسام والتجويع والحصار.. والعدوان والدمار.
1 – فهل لازالت أجيالنا القديمة تحافظ على القضية أمانة في أعناقها ولم ينل منها الملل والإنهاك؟؟
2 – هل تستوعب أجيالنا الجديدة القضية بكل أبعادها التاريخية وحجم وتعقد الصراع الدائر بين أطرافها؟؟
3 – ماذا نستوعب من خطط التطبيع بكل مظاهره وخطورتها على العديد من مسارات القضية و مـآلاتها؟؟
4 – هل لا زلنا نبقي على جوهر القضية الذي هو الاستعمار والاستيطان وفقدان السيادة أم تختلط علينا الأمور؟؟
5 – ما خطتنا الفردية والجماعية الرسمية والمدنية السياسية والاقتصادية والثقافية والقانونية لمواجهة التطبيع في مختلف المجالات محليا وإقليميا ودوليا، وهي في كل حين تخترق الأنظمة والسياسات والمؤسسات والتظاهرات والمناهج والمقررات والرموز والشخصيات..ما أنشطتنا وما إبداعاتنا وكيف نعززها في مؤسساتنا وجمعياتنا وغيرها؟؟
6 – ما جهودنا في محاربة كل ما يبعث بعض الداخل الفلسطيني وبعض الجوار العربي على التطبيع،من الانقسامات..والمساعدات..والتهديدات..والتهويدات..والتطاحنات العربية العربية في اليمن وليبيا..والصراعات بين ثورات الربيع العربي والسلطـــات في مصر وسوريا..؟؟
وباعتبار المجتمع المدني سند الشعوب وضميرها الحي،ضد تزييف الوعي والحقائق، أو اختيار الإشكال الحل بدل حل الإشكال، وطوال تاريخه وهو يتميز باستقلاليته عن الأنظمة لا التبعية لها ولإكراهاتها وتقديراتها، له قواعد شعبية عريضة يحسن خدمتها وتعبئتها والتعامل والتواصل معها بسياسة القرب والإشراك، ينتظم في مؤسسات واتحادات وطنية وربما قومية واسعة، ينظم تظاهرات تحسيسية ومظاهرات احتجاجية ناجحة،ورغم إبعاده عن الإعلام الرسمي فقد اجتاح إعلام التواصل الاجتماعي البديل بنجاعة، وله فيه رصيده حملات مقاطعة ناجعة وموجعة للجشعين والمطبعين، ورصيد مقاومة لمشاريع قوانين قمعية لازالت تحن إلى البائد من عهود الاستبداد، ولكل هذه الاعتبارات والمؤهلات، فلا خيار له غير مقاومة التطبيع ومقاطعة المطبعين وفضحهم وفضح أنشطتهم وتظاهراتهم، وفي هذا الإطار: تحية للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع ولمجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين ولمناضليهما على جهودهم الجبارة في رصد الأنشطة المشبوهة بالتطبيع في المغرب، وفضح المطبعين من كل الفئات والمؤسسات والسياسات المنفتحة عليهم، وتحية لهم على سعيهم الحثيث رفقة الفرقاء لإخراج قانون تجريم التطبيع إلى حيز الوجود وهو المجمد في دهاليز البرلمان بفعل فاعل، تحية لكل المثقفين المغاربة والعرب الذين أعلنوا انسحابهم من كل ما له علاقة بالأنشطة والمؤسسات الإماراتية على خلفية فضيحتها التطبيعية العلنية المؤخرة مع الكيان الصهيوني الغاصب، تحية لهم بما رسموا لنا بذلك بوصلة ما يحتاجه الجميع من تجاوز شرنقة الكلام حلوه ومره إلى فعل الإنجاز والتراكم والإنتاج.