الفلسطينيون يحيون الذكرى 31 لمجزرة المسجد الإبراهيمي

يحيي الفلسطينيون اليوم ومعهم المسلمون وأحرار العالم، الذكرى 31 لمجزرة المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، وتأتي هذه الذكرى الأليمة، في ظل تصعيد الاحتلال لجرائمه في الضفة الغربية والقدس المحتلة، واستمراره في تنفيذ مخططاته العدوانية من الضمّ والتهجير واقتحام وتدنيس المسجد الأقصى المبارك ومحاولات تهويده، وتصاعد الهجمة ضد المسجد الإبراهيمي ومنع استكمال أعمال الترميم والصيانة للمسجد.
ففي فجر يوم الجمعة 25 فبراير 1994، الموافق 15 رمضان عام 1414 هجري، بدأت فصول الجريمة حين اقتحم المستوطن الإرهابي باروخ غولدشتاين برفقة مجموعة من المستوطنين، المسجد الإبراهيمي في وقت الصلاة وهو يرتدي بزته العسكرية.
وقف المتطرف غولدشتاين خلف أحد أعمدة المسجد وانتظر حتى سجد المصلون، ومن ثم فتح نيران سلاحه وأطلق ثلاثة مخازن من بندقيته الرشاشة على المصلين الفلسطينيين وهم يؤدون صلاة الفجر، ما أدى لاستشهاد 29 مصليا وإصابة 150 آخرين.
وبعد انتهاء المجزرة، أغلق جنود الاحتلال أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا وصول القادمين من خارجه إلى ساحته لإنقاذ الجرحى.
وفي وقت لاحق، استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد وأثناء تشييع جنازات الشهداء، فارتفع عدد الشهداء إلى 50.
وردا على هذه المجزرة، تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية، وبلغ عدد الشهداء الذين ارتقوا نتيجة المواجهات مع جنود الاحتلال 60 شهيدا.
وإثر المجزرة البشعة، أغلقت قوات الاحتلال المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة، بدعوى التحقيق في الجريمة، وشكلت، من طرف واحد، لجنة تحقيق برئاسة رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية القاضي “مئير شمغار” للتحقيق في المجزرة وأسبابها.
ورغم الأذى الكبير الذي أصاب الفلسطينيين بسبب المجزرة، إلا أنهم فوجئوا بإصدار لجنة التحقيق “الإسرائيلية” توصيات قاسية، كان أهمها تقسيم المسجد بين المسلمين والمستوطنين، مما فرض واقع احتلالي صعب على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضع حراسات مشددة على المسجد.
واستدعت اللجنة عشرات الفلسطينيين واستمعت لشهاداتهم، وفي النهاية قررت اقتطاع نحو 60% من المسجد الخلفي، وتحويله إلى كنيس يهودي، مع فرض إجراءات على دخول المصلين.
ويضم القسم المحتل من المسجد مقامات وقبور أنبياء، وشخصيات تاريخية، إضافة إلى صحن المسجد، وهي المنطقة المكشوفة فيه.
ووضع الاحتلال كاميرات وبوابات إلكترونية على المداخل كافة، وأغلق معظم الطرق المؤدية إليه في وجه المسلمين، باستثناء بوابة واحدة عليها إجراءات عسكرية مشددة، إضافة إلى إغلاق سوق الحسبة، وخاني الخليل وشاهين، وشارعي الشهداء والسهلة، وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطها.
وما زال المصلون الراغبون في الوصول للمسجد من خارج محيطه، يضطرون إلى عبور عدة حواجز عسكرية وإلكترونية، وعلى مداخله يضطرون لعبور بوابات إلكترونية.
ولم تكن المجزرة نتيجة قرار آني، بل ثمرة تخطيط وتدبير من قبل مجموعة مستوطنين، وبمشاركة غير مباشرة من جيش الاحتلال، الذي تغيّب عن نقاط تمركزه وقت وقوعها.
ومن آثار المجزرة تشكيل “بعثة التواجد الدولي المؤقت”، بقرار دولي عام 1994، لمراقبة انتهاكات الاحتلال في الخليل، وعملت منذ 1997، حتى قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو منعها من العمل مطلع 2019.
وانتقاما لشهداء المجزرة، نفذت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خمس عمليات استشهادية بين أبريل ودجنبر 1994، قتل فيها 36 إسرائيليا وجرح أكثر من 100 آخرين.
ورغم مرور 31 عاما على تلك المجزرة، إلا أن “إسرائيل” ما زالت تسعى للاستيلاء بشكل كامل على المسجد الإبراهيمي، بعدما استولت على غالبيته وتتحكم فيه، الأمر الذي يتناقض مع الاتفاقيات والقوانين الدولية التي ضمنت حرية العبادة تحت الاحتلال.
وخلال العام 2024، أغلق الاحتلال المسجد الإبراهيمي 13 يوما أمام المصلين، في حين تم فتحه كاملا للمستوطنين، في تجاوز لاتفاق الخليل الذي ينص على منح المسجد كاملا في عشر أيام من السنة للمستوطنين، وعشرة أخرى مثيلة للمسلمين.
وفي سياق متصل، قالت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إن المسجد الإبراهيمي لا زال يتعرض لانتهاكات خطيرة، ومتزايدة من قبل قوات الاحتلال “الإسرائيلي” والمستوطنين.
وأكدت في بيان لها يومه الثلاثاء 25 فبراير 2025، بمناسبة الذكرى الـ31 لمجزرة الإبراهيمي، أن المسجد ملكية وقفية للمسلمين لوحدهم ولا يغير من هذه الصفة أي قرار مهما كان.
وأشارت إلى أنها هي صاحبة الولاية والسيطرة، والسيادة على الحرم من الناحية الدينية والإدارية والقانونية، وهو الأمر الذي أكدته مؤسسة “اليونسكو” في قرارها بإضافة الحرم الإبراهيمي إلى قائمة التراث العالمي.
ولفتت إلى أن المسجد الإبراهيمي تعرض العام الماضي لـ 197 انتهاكا من قبل الاحتلال ومستوطنيه؛ منها منع الاحتلال رفع الآذان من على مآذنه 674 وقتً وإغلاقه أمام المصلين لـ 10 أيام كاملة إغلاقا كاملا.
فيما مارس الاحتلال عشرات الانتهاكات والاعتداءات بأشكال مختلفة، كأعمال الحفريات والتفتيش، ومنع لجان الإعمار من القيام بواجباتهم، وغيرها من الاعتداءات التي تدل على حجم الهجمة الاحتلالية الشرسة على مقدساتنا.
من جهتها، أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن مجزرة المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل هي نموذج فاشيّ ممنهج ومتكرر ضد الشعب الفلسطيني، شاهد العالم تفاصيله في العدوان ضد قطاع غزة على يد المجرم نتنياهو وحكومته المتطرّفة وجيشه الصهيونازي.
وقالت الحركة في بيان لها اليوم الثلاثاء، “إن هؤلاء يشكلون خطرا حقيقيا ليس فقط على أرضنا وشعبنا، بل أيضا على أمن واستقرار المنطقة والعالم، في ظل صمت دولي وتقاعس عن تجريم انتهاكاتهم ووقفها”.
وشددت على “أن ذاكرة شعبنا حية، لن ينسى ولن يغفر هذه الجرائم والمجازر التي ارتكبها الاحتلال بحقّه، وليس آخرها جرائم الإبادة الجماعية ضد أهلنا في قطاع غزة على مدار أكثر من 15 شهرًا، وجرائمه المتواصلة في الضفة الغربية والقدس المحتلة”، معتبرة أن هذه جرائم موصوفة وموثقة وثابتة، ولن تسقط بالتقادم.
وأضافت أن “مخططات الاحتلال التهويدية والاستيطانية في عموم الضفة والقدس، عبر محاولات الاستيلاء والضمّ والتدنيس وطمس الهوية، ومنع المصلين من أداء عبادتهم بقوّة السلاح وعربدة المستوطنين المتطرّفين، لن تفلح في ترهيب شعبنا أو تزوير حقائق التاريخ”، مؤكدة أن “هذه المخططات لن تمنح الاحتلال شرعية أو سيادة على شبر من أرضنا، وستفشل في كسر إرادة شعبنا في المقاومة دفاعًا عن أرضه ومقدساته”.
وكالات