الغرب التائه بين حقوق المثلية وحقوق الإنسان – شيروان الشميراني
ليس من عادتي الكتابة في هذه المجالات، أقصد المثلية الجنسية، ولا تستهويني، عقلي يسبح في بحر آخر، لكن بما أن الهيئات الدولية ومنها الغربية لم تتأخر في تأييد الفجور الجنسي المعلن، في وقت يتجسد الظلم الواقع على الانسان في أجلى صوره في غزة، كان لابد من قول مقال.
في 27-4-2024 أصدر مجلس النواب العراقي قانوناً يعاقب البغاء والمثلية الجنسية تعديلاً لقانون شرع سنة 1988، برّر الأسباب الموجبة ب “الانسجام مع الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية التي خلق الله تعالى الانسان عليها من ذكر وأنثى، وحفاظاً على كيان المجتمع العراقي من الانحلال الخلقي ودعوات الشذوذ الجنسي التي غزت العالم، كعقاب رادع للفعل والمروج له”.
جاءت الردود والتعقيبات على عجل، تضمنت استنكاراً وقلقاً من حرية التعبير وتهديدات بسحب الاستثمارات الاقتصادية في البلاد وتلميحاً بتردد الشركات من المجيء الى بلد تُهان فيه حرية التعبير والممارسة. في السابق كان الغزو الفكري يأتي متزيّناً بُحلل باهية لجلب الرجال والنساء المستهدفين إليه وتحبيبه لهم، لكن الآن يفرض تحت التهديد، في حين هم يتهمون المسلمين في الغرب بأنهم يشكلون تهديداً لقيم العلمانية مع أنهم لم يفرضوا ولن يتمكنوا من فرض نمط حياتهم الإسلامية على الآخر الغربي، ويحاربون الحجاب لأنه منافي لقيم المجتمع الغربي ويشكل تهديداً أمنياً لكنهم يفرضون على المسلمين النمط القيمي الاجتماعي الذي ليس غربياً حتى، فليس هناك وحدة رأي عليه في الغرب، فكيف يكون إنسانياً عاماً؟
وإذا كان الغرب يبحث عن ردم الفجوة وتجسير الهوة بينه وبين الشعوب المسلمة فليس من مصلحته التصرف تجاه القضايا الداخلية الحساسة بهذا الشكل. اتخاذ هذه المواقف من هكذا مسائل تخلق الكراهية وتزيد منها، لأن التخندق عبر إطلاق التهديدات والتلويح بالتبعات الاقتصادية ليس مسلكاً حضارياً وإنما هو تعبير عن السيطرة والتسلط وإكراه الآخر على تقبل ما لا يؤمن به.
لدينا ملاحظاتنا على الاقتصار على الجانب القانوني وربما على نوع العقوبات، لأن القانون يأتي دائماً بعد الفعل، ولو أنه يصدّ عن الفعل ويحدّ من تفشيه، لكن الأهم هو منع الفعل قبل وقوعه عبر التربية والتثقيف، وذلك تجنباً لحدوث اشتباك بين الداعين اليه والمؤسسة القضائية وفي سبيل الإجهاز العلمي التربوي عليه في مهده.
عقاب الممارس للنشاط الجنسي غير الشرعي بحيث أصبح خصلة ثابتة له موافق للدين، والفطرة الإنسانية، والنظام العالم لمجتمعاتنا، والأخلاق الطبيعية العامة العابرة للخصوصيات الإجتماعية مع الأمراض المتنوعة التي ليس لها من سبب غير البغاء، تصور لو لم يكن هناك – الآيدز – سيدا- كم كان يفرق في الجانبين النفسي الصحي والإقتصادي؟
-دينياً هو مُحرّم، ولا يأتي الدين الإلهي بتحليل شيء أو تحريمه عبثاً، وإنما لمصلحة تتعلق بالبشرية سواء ظهرت تلك المصلحة الآن أو تأجل ظهورها بسبب ضعف التفكر، وسواء ظهرت للجميع أو لبعضهم. والدين يراعي الضعف الذي يعتري الانسان، لهذا جعل العقوبة تعزيرية مع التفريق بين من يقع ضحية لحظة ضعف امام الإغواء ومن يمارس الاغواء بذاته، فالضعيف حكمه هو ” فَإنْ تابا وأصْلَحا فَأعْرِضُوا عَنْهُما” لكن الذي تحول الإنحراف الجنسي إلى صفة من صفاته التعريفية فتبقى العقوبة – الإيذاء- دائمة يقدرها القاضي ” وَاللّذان يأتيانها مِنكُما فآذوهُما”. وهذا نص تشريعي نافذ.
-وفطرة، ليس المسلمون لوحدهم من يقفون ضد الشذوذ الجنسي، كثير من أتباع الديانات الأخرى، ومن ليس من أهل الدين السماوي، كالعديد من الدول الافريقية التي تعاقب المجاهرين بالشذوذ الجنسي بالحبس، لأن الفطرة حتى الحيوانية منها لا تميل إلى العنصر المشابه إنما الى العنصر المخالف، الجنس الآخر. لم نسمع بأن بهيمة مالت الى أحد أفراد نوعها.
– إنّ لمجتماعتنا من يؤسس لها نظامها العام الحاكم على المظهر الكلي الذي اتفق عليه أفرادها، ويراعونه من أجل ضبط حركة الافراد، ولكي تكون الصورة واضحة في الاذهان عندما يخرج أحدهم الى الشارع العام مالذي لا يمكنه التقرب منها حتى لا يتحول إلى مجتمع حيص بيص، والنظام العام مما يميز المجتمعات عن بعضها، فما يجوز هنا لا يجوز هناك وما يُستساغ هناك ملفوظ هنا مرفوض.
– إن طبيعة التكوين المجتمعي وهرمه تشكل الأسرة اللبنة الأساسية فيها، والأسرة لن تتشكل وفقاً لأحكام الدين والفطرة والطبيعة إلا عبر التزاوج بين عنصرين مختلفين، والغاية الأساسية من الاسرة ليست هي الجنس وإنما التكاثر والتناسل وإدامة النوع، والجنس ومتعلقاته في سبيل تكوين الاسرة أي أن الجنس وسيلة محببة للحفاظ على النوع ومن أجله خُلِفت رغبات الجسد ونداءاته، واللذة الناشئة منه هو من أجل تحمل مشاقّ تكوين الاسرة والتشويق إليها.
لهذا إن المثلية الجنسية هي خلاف الاخلاق الطبيعية، وتحريمها ومنعها تناسق معها وتوافق تام. ومع أنه قضية داخلية اجتماعية دينية حضارية، لكن الغرب كان متعجلاً في رفض القانون العراقي المعاقب لمن يمتهنها بأجر أو بدون أجر، أي البغاء وغير البغاء. في حين لا يرون في ذبح الحياة الحقيقية للإنسان الغزاوي ضيراً، ولا يمتلكون الجرعات الكافية من الجرأة الأخلاقية لإتهام إسرائيل بإنتهاك حقوق الإنسان، رغم أنه ليس انتهاكاً بل قتل لهذه الحقوق، وتحطيمها وتدميرها، يطالبونه بالتخفيف والتقليل من العدد فقط، وذلك لإمتلاك حجة إعلامية يسوقونها لتغطية الكمية الكبيرة من الجثث المنتهكة إنسانيتها، ذهبوا بعيداً لحدّ تزويد القاتل بأدوات القتل، وتغذية آلتها الحربية وسدّ النقص الحاصل فيها تحسباً لنفاذ ذخيرته التي تقتل الحياة كاملة وليس انتهاك حق من حقوقها فحسب.
يريدون من آلة الحرب الاسرائيلية الاستمرار في قتل الانسان وتبخر جسده بعد مقتله أو إنصهاره بفعل القنابل التي تسقطها الطائرات الحربية الإسرائيلية على المنازل المأهولة، وحرمانه إن بقي حيّاً من مقومات الحياة وحقوقه الإنسانية العامة.
ربما هي الصورة ذاتها، على حقيقتها، أي أنهم متفقون مع أنفسهم، فهنا يؤيدون الفجور الجنسي وهناك يؤيدون الفجور الأخلاقي، هنا يدافعون عن التعدي على قوانين الفطرة، وهناك يدافعون عن التعدي على قوانين الحياة كلها، هنا في العراق يهاجمون من يمنع الفجور، وهناك يهاجمون من يمنع الظلم، هنا يصرفون الأموال على المنحرفين جنسياً وهناك في غزة يصرفون الطائل من الأموال على القتلة، في العراق يدمرون الاسرة وفي غزة يدمرون الفرد والأسرة، في الموضعَين هم مع الجانب المنحرف، مع الطرف الطاغي، مع الجهة التي تنتهك قوانين الحق والفطرة.