العمل السياسي بين المصالح والمفاسد – نورالدين قربال

توطئة

هذا الموضوع يؤصل للعمل السياسي من منظور قيمي يوفق بين الاختيار الديمقراطي بشقيه المرجعي المعبر عن خصوصية الذات من جهة والاجتهادات الإنسانية في المجال من جهة ثانية.

من أجل مقاربة هذا الموضوع سنركز على جدلية المصالح والمفاسد في علاقتها بالفعل السياسي وتقديراته وتقييمه.

لماذا العمل السياسي؟

الملاحظة الأولى أن بعض الشرفاء غالبا لا ينخرطون في العمل السياسي إذا استشرى الفساد، وهذا في تقديري يحتاج إلى تأمل ومراجعة لأسباب متعددة أهمها أن الفساد سيزداد انتشارا، ونؤصل للكرسي الفارغ مما يعين أهل الفساد على التطاول والتمادي في نشر الطغيان. مع الإشارة على أن الديمقراطية بناء وليست وجبة جاهزة. من تم تحدثوا عن النضال الديمقراطي ولوكان في موقع التدبير والتسيير.

إن العمل السياسي تدافع نزيه بين كل الأطراف مع البحث عن التوافقات الناضجة من اجل المصلحة العامة. مع استحضار السياق المتغير، لأن السياسة نوازل ولكل مقام مقال، انطلاقا من مبدأ جرى العمل عندنا.

السياسة تأثير وتأثر، أخذ وعطاء، جلب للمصالح ودرء للمفاسد على قدر الاستطاعة لأن التحرر من الكلفة يبسط الطريق لقنوات الألفة. لذلك لا يعذر أحد في المجتمع بعدم المساعدة في الورش الديمقراطي حسب المتاح، انطلاقا من المسؤولية بشقيها المعنوي والمادي. من تم فالسياسة هم مشترك في إطار التلازم بين الحق والواجب.

العمل السياسي: مزيدا من التأصيل

إن العمل السياسي الناجح هو الذي ينطلق من رؤية تصورية وفكرية ومعرفية، لكي يعمل في إطار العلمية والمهنية والعقلانية، هذا الزاد المعرفي هو الحصانة للمؤسسة السياسية من تجاوز التحديات والعراقيل خاصة وأن العالم اليوم مضطرب ويعيش في اللايقين واللامعنى. هذا ما يتطلب وجود جهاز مصاحب للفاعل السياسي يقوم بالمشاركة في الإعداد والتنزيل والمتابعة والتقويم.

إن التأصيل ليس فترة زمنية معدودة وإنما هو مسلسل زمني مصاحب للفعل السياسي من أجل الترشيد والعقلنة والتعاون والتوازن، من خلال عناوين كبير أهمها:

  • استحضار موضوعي لما جلبته المشاركة من مصالح وما اعترضتها من مفاسد دون إفراط ولا تفريط، ولا ضرر ولا ضرار.
  • تطوير اختيار المشاركة بالمستجدات التي تفرضها التطورات الإقليمية والكونية خروجا من السكونية إلى الدينامية المتحركة.
  • ضبط جدلية الإصلاح السياسي بين مفهومي الحضارة والسياسة في أفق التدافع الحضاري مع الآخر بناء على حوار الحضارات بدل صراعها كما هو سائد اليوم للأسف الشديد.
  • جعل المشاركة آلية تعزز الأمن والاستقرار والمصلحة العامة، لأنه لا تنمية سياسية ولا سياسة تنموية بدون استقرار.
  • تأصيل البعد الحضاري للإصلاح من خلال المعاني والمباني، فهو فلسفة قائمة على الوسطية والاعتدال، والتدرج، والتعايش لأن العالم ليس صوتا واحدا، والفكرة القوية تصيب العقل والقلب وتقلب الموازين نحو الإيجابية وتقلص من مضامين الشبهة والشهوة في إطار ثنائية الغيب والشهادة.

السياسة والفساد

نؤكد ابتداء أن السياسة فضيلة بواسطتها تتحقق المصالح إذا فهمت فهما قيميا وليس العكس في إطار مؤسساتي، لأنها تلامس قضايا الدولة والمجتمع في إطار تكاملي وتشاركي. فهل نضطر لإضافة صفة للسياسة حسب السلوك السياسي؟ الجواب معقد فإضافة صفة تميز بين الديمقراطي وغير الديمقراطي، بين الجدية والعبث، بين العلم والجهل، بين المعرفة واللاأدرية اختيار والاكتفاء بالموصوف دون ذكر الصفة اختيار ثان ،أنذاك سنترك حرية التعبير، لكن الأخطر في هذا هو عندما يرتبط الفساد بالسياسة ويعمم. بذلك يحضر النفور وعدم المشاركة، فمن الواجب القيام بالدور التأطيري والتأهيلي نشرا للوعي السياسي.

من أجل فك هذا اللغز الذي يستغل لحاجة في نفس يعقوب فقد ركز فقهاء السياسية على تحرير مناط الممارسة السياسية عن طريق الذكاء، والعلم، والنضال، فحيث ما كانت المصلحة الذاتية أو الجماعية فهي من نبل السياسة. من تم لا بد من تحريرها من القرارات الجائرة لأن الحضور السياسي مرتبط بالعدل، والعكس مرتبط بالجور.

من تم علينا أن نشجع تداول الفكر السياسي، لأنه يؤسس لمنطق الأمور. ويحمل الإنسان المسؤولية التي تسمو به عن الفوضى والعبث، بغض النظر عن الزمكان، في إطار احترام المواطنة، فلا يغلق الإنسان باب السياسة بيده، فعليه أن يقتحمه بعقله وقلبه مع الشعور بأنه يساهم في البناء الديمقراطي. لأن السياسية تأخذ مشروعيتها من الواقع المعيش، هذا الشعور يؤسس للذة الانتماء والكسب المعرفي لأن اقتحام عقبة الفعل السياسي روح وطنية عالية.

إن هذا النفس هو الذي سيوقف موجات الفساد بطرق مباشرة أو غير مباشرة. مباشرة بالعلم وغير مباشرة بالاستقامة أثناء التنزيل السياسي. من الواجب ألا نثقل كاهل الشباب بثقل أخطاء الماضي الذي لم يساهموا فيه سلبا أو إيجابا، ونفتح باب الأمل السياسي والديمقراطي والتنموي للجميع بحجة أن السلطة هي التوزيع العادل لقيم الديمقراطية.

التحالف ونبذ الاستعلاء

مهما كانت درجة الحرارة في العلاقات السياسية بين أطرافها، فإن هناك ضرورة التحالف التي يفرضها واقع لا يرتفع. فما العمل؟

لا أدعي بأن هذه الأسطر ستحل المشكل ولكن مساهمة من خلال اجتهاد يفرضه المسلسل السياسي. غالبا ما تبنى هذه التحالفات على منطق البراغماتية، التي تراعي المصلحة التي يفرضها السياق العام والخاص، بناء على الواقعية رغم اختلاف التموقعات لأن التحالف في عمقه حسابات دقيقة، وتقديرات راجحة، وموازنات بارزة، ومراعاة للتدافع بين المصالح والمفاسد.

نخلص من هذه القراءة إلى الخلاصة التالية:

إن الموازنة بين المصالح والمفاسد في الفعل السياسي ضرورة منهجية وحضارية وثقافية واجتماعية، لأن السياسة هي اجتهاد في فن الممكن، وهذه طبيعة المشاركة السياسية خاصة في عصر يعج بالتحديات الإقليمية والعالمية. مع الإشارة أن قراءة المصالح والمقاصد لا يمارس بالعاطفة وإنما يخضع لفقه سياسي يمتح وجوده من مجموعة من العلوم وتطبيقاتها. إن هذه الرؤية المقاصدية ترشد الفقه السياسي علما وممارسة، هذا ما اصطلح عليه بحسن النظر. لأن المشاركة السياسية لا تعني المشاركة الانتخابية فحسب. فالأولى تتسم بالتكاملية والرؤية الشمولية.

إن الفكر السياسي له راهنيته وآفاقه، ومساعد فعال في تدبير الشأن العام. اعتمادا على الترجيح والموازنة والاستفادة من التجارب وقراءتها قراءة سننية وموضوعية. فهل نحن قادرون على ضبط معايير التقويم للفعل السياسي؟ هل يمكن تحقيق التعايش رغم الاختلاف في الرأي؟ كيف نحقق قيمة الاعتذار في إطار أخلاق التدافع السياسي؟ كيف نحترم الاجتهاد المؤسساتي على حساب الاجتهادات الفردية المقدرة؟ كيف نصنع الإيجابية السياسية ونطفئ نار العدمية؟

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى