الصمدي يكتب: قالب السكر لا ينكسر من الضربة الأولى
ما يتم تسريبه بين الفينة والأخرى الى وسائل الإعلام من نقاش بين أعضاء اللجنة المكلفة بمراجعة بعض القضايا في مدونة الأسرة الجديدة ليس عاديا ولا بريئا.
فهذا الملف الذي يتم الاشتغال به بعيدا عن الرأي العام وتفاعلاته في ظرف يتسم بغلاء الأسعار، وأجواء العطلة والاستعداد للدخول المدرسي، وأخبار الحوادث اليومية المثيرة التي يحرص البعض على أن يغرق بها الفضاء الأزرق، مما يجعل الموضوع خارج الاجواء وفي زاوية لا تسلط عليها الأضواء.
ومعلوم أن هذا الإصلاح الذي دعا إليه جلالة الملك، حدد إطاره العام بقوله حفظه الله “بصفتي أميرا للمؤمنين لن أحل حراما أو أحل حلالا لا سيما ما ورد فيه نصوص قطعية من القرآن الكريم ” أغلق باب نقاش القطعيات في مدونة الأسرة، ولكن بعض من أزعجهم هذا الإطار الشرعي الدقيق لم يسأموا، فأخذوا يشتغلون على ما يبدو بإثارة ما سوى ذلك مما يحيط بهذه القطعيات من ظنيات هي أغلب أحكام الشريعة في قضايا الأسرة ومعظمها وارد في السنة النبوية الصحيحة القطعية والظنية الدلالة، التي تعتبر بالإضافة إلى نصوص القرآن الكريم مرجع الاجتهاد ومستنده في قضايا الأسرة وغيرها، لأنها تتضمن تفصيل ما ورد في القرآن الكريم من المجمل وتقييد المطلق وتخصيص العام.
هذه الاستراتيجية التي تسمى باستراتيجية “كسر قالب السكر ” الذي ينتج عن تعدد الضربات وليس من الضربة الواحدة، ويكسر بداية من الذيل قبل الوصول الى الرأس، تستخدمها بعض الأطراف اليوم لاختراق الثوابت بفتح النقاش في دائرة المستحبات للتخفيف منها والتهوين من شأن التنازل عنها بداية، فإذا تم الاستغناء عنها والاكتفاء بما سواها كانت دائرة السنن في المرمى مباشرة خاصة تلك السنن التي لا تؤثر في قبول الأعمال ولا يترتب عنها بطلانها، فإذا انقضت عرى هذه السنن تسرب الهدم إلى الفرائض والقطعيات الثابتة بالسنة (وفي هذا السياق يفهم الهجوم على مصادر السنة والدعوة إلى الاستغناء عنها بالقرآن )، وهكذا تخترق الحدود والحواجز دائرة دائرة، وتنقض عرى الدين عروة عروة كما تنبأ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وصولا إلى حدود قطعيات القرآن الكريم.
ويلاحظ أن بعض وسائل الأعلام حتى الأجنبية منها تلعب دور الكومبارس في جس نبض المجتمع المغربي حول بعض قضايا مدونة الأسرة التي تمس قناعات الرأي العام وإيلافه (علاقة المرأة بزوجها – الصداق – النفقة ….) لاستمزاج ردود الأفعال وتزويد العاملين باستراتيجية الاختراق المتدرجة بمنسوب هذه الردود قوة وضعفا ليتم الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى بأمان، بانسياب هادئ لا يثير ردود الأفعال التي قد تفسد الخطة وتهدمها من أساسها كما كان الشأن في المحطة الأولى من مراجعة المدونة والتي قدر البعض أنه خرج فيها بخسائر غير متوقعة كثر فيها التلاوم والعتاب، وذلك نتيجة الحضور القوي للمؤسسة الدينية في قلب الحدث، وحضور قوى سياسية واجتماعية وثقافية ومدنية كانت ولا زالت تنعتها (بالقوى المحافظة والمناهضة للحداثة ) لمجرد أنها تدعو إلى التطوير والتجديد والتحديث من خلال الجمع بين الحفاظ على الثوابت والاجتهاد المنفتح في ما سواها على ضوء مقاصد الإسلام وقيمه السامية، واستلهام التجارب الفضلى الناجحة التي تعلي من شأن الأسرة بمختلف مكوناتها، وتجيب عن مختلف إشكالاتها، وتستجيب لحاجياتها ومتطلباتها، وهو المقصد الذي حدده جلالة الملك من فتح هذا الورش ومراجعته، محذرا في نفس الوقت من ما يعرفه العالم من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، والدعوة إلى صيانة الروابط الاجتماعية والعائلية من أجل مجتمع متضامن ومتماسك.
لن يخالف أحد في حاجة بعض مقتضيات المدونة إلى المراجعة في حدود هذه الضوابط والمقاصد التي تخدم الأسرة وتصون مقوماتها وتعلي من شأنها، وما سوى ذلك إنما هو عمل إحلالي ( إحلال نموذج مكان نموذج ) بالسعي إلى نقض عرى الثوابت من أصولها ولا علاقة له بالتجديد والتحديث في شيء.