السقوط في الأدبيات الحركية الإسلامية – شيروان الشميراني
بعض المفردات التي انتشرت وعملت عملها في التكوين العقلي والنفسي والعلائقي بين أفراد الحركات الإسلامية وغيرهم، ومنها ما كان بينهم وبين من يخرج على الخط التنظيمي أو حالته النفسية وقناعاته تتغير، فلن يكون قادراً أو قابلاً على الاستمرار كم كان في الماضي…
أبرز الوصفات التي جاءت وكانت عنوانا لكتاب وانتشرت كالنار في هشيم الجسد الإسلامي الحركي، هي السقوط، وهي تأتي كوصف لكل من يخرج أو يتكاسل أو تأتيه فترة سكون وصمت عملي، صك هذا المصطلح الكاتب الأبرز الذي شكل بكتاباته العقل الحركي الإسلامي ( فتحي يكن)، وجعله عنوانا لكتابه ( المتساقطون على طريق الدعوة).
السقوط قيمة معنوية، تصف معنويا الجانب الأخلاقي، والمتعلق دائما بجانب الأخلاق الاجتماعي، وقد دفع البعض إلى الاستسهال اعتمادا على مفردة السقوط – أن يتحدثوا فيما بينهم عن من يترك الخط التنظيمي أو العمل الدعوي عموما ب – الساقط-، ومعروف كم لهذه الكلمة واستعمالها بهذا الشكل الفج في الحديث عن أخ قديم بل عن أي إنسان من وقع مؤذي، السقوط حالة معنوية أخلاقية، و العمل الحركي السياسي الإسلامي، اجتهاد فرعي جزئي، ممكن أن يتغير ويتبدل في أي لحظة وأي وقت، ولا ضير في ذلك، لا ضير أخلاقيا، وممكن أن يتراجع الإنسان او السياسي عن ما كان يراه صوابا في مرحلة من مراحل تجسيد اجتهاداته، إلى غيرها، أو إلى لاشيء، حسب الحالة العمرية والعقلية أو النفسية.. فتحي يكن – رحمه الله – نفسه حصل له ذلك، فقد ترك الجماعة التي كان العنصر الأبرز في تأسيسها، وانظم إلى المحور المناوئ نوعا ما، محور حزب الله والنظام السوري، ومات على ذلك، وحصلت بينه و بين الإخوان المسلمين السوريين خلافات، إلى حد الاتهام الهادئ لبعضهم…فهل تجرأ احد على اتهام ورمي الأستاذ فتحي يكن ب – السقوط – و إنه إنسان – ساقط – ؟
هذه الرؤية التي أفرزت هذه المصطلحات، وكعادة الإنسان، كانت أساسا للهجوم على كل من يخرج عن الصف كما يقال، مع أن كوردستان كان محفوظا عن الهجوم الأدبي، لكن في أماكن أخرى كان الأمر سيئا جدا، حتى قادة من الصف الأول يشكون من الجفاء بسبب الخلاف في الرأي، أو الاتهام المباشر، وأخيرا كان وصف ( الغدر ، النذل) في وصف شخصية رائعة ك – احمد داود اوغلو- لخلاف بينه وبين رئيسه السابق والحالي.. وغدا يأتي جيل آخر أكثر تسرعا وأقل تربية ينحت وصفات أخرى أكثر تجاوزاً، من مثل ( الحقير، أو عديم الأخلاق)..
هذه الأوصاف والنعوتات، لا تتفق والأدب الإسلامي، والأخلاق الإسلامية، وقبول الاجتهاد المخالف، والروح الدينية، يجب تربويا عدم التهاون معها، إن الهجوم الأخلاقي المعنوي على الآخر، هو السقوط التربوي في الحقيقة…..
الحركة الإسلامية المغربية، أدركت خطأ اللجوء إلى مفردات مثل السقوط وغيرها، هي أمراض وتشددات تربوية وحركية أصيب بها المشرق المريض، في المغرب لم يستسلموا، بل وقفوا على كل سطر وكلمة وفكرة إسلامية وحركية في العمل الإسلامي، حللوها بحرية دون أن يكونوا أسرى لها لمجرد أنه من فلان، فصاغوا رؤىً وأفكارا وصفات ومصطلحات إسلامية أكثر قبولا لديهم، إن كان الأمر يتوجب يبقون على ما هو موجود، وإن لم يكن كذلك، يأتون بما هو أقرب إلى عقلهم و قناعاتهم، وعلى هذا الأساس رفضوا مصطلح السقوط، ووضعوا في محله – التراجع -، التراجع عن العمل، أو القناعات السابقة، أو عن الانتماء التنظيمي، أو الاجتهاد السابق، أو التغيير في الأفكار، أو حتى ترك العمل التنظيمي… فهو تراجع، و ليس سقوطاً، وقد يكون تغييراً، بمعنى الاستمرار في العمل وليس ترك العمل، لكن بصيغة أخرى وشكل آخر، و لنية عند الله تعالى، ممكن الجدال حول الجدوى من هذا التغيير، والنقاش، لكن الهجوم المعنوي والتشكيك الأخلاقي …لا..