الجيش الأكثر نذالة!- أسامة الأشقر
وقد ورد في خطاب الملثّم أنّهم يتعاملون مع الجيش الأكثر نذالة في العالم، وسألني بعضهم عن دلالة النذالة في سلوك أي قوم فأجبتُه بإيجاز:
إنّ النذل هو الدنيء الذي لا كرامة له، وهو الوغد الساقط الذي لا شرف فيه، وهو الخسيس الحقير الذي لا احترام له ولا مروءة فيه، وهو الشحيح الفقير المتجرّد من أي صفة محمودة متمكّنة.
والصفة المذكورة في النذل أنه شديد الوفاء لطباعه الشريرة، وأصله الوغل الخبيث، وهو الأكثر إخلاصاً لطبيعته النرجسيّة، وغرائزه الوحشيّة.
وبين النذالة واللؤم والوضاعة والرقاعة والطَّغامة رحمٌ عريقة، وهذه الصفات تلحق بالهيئات والجماعات والمجتمعات كما تلحق بالأفراد، وعادة ما تكون الهيئات كالجيش صورة عن أفرادها المكونين لها، ومجتمعها الذي تنتمي إليه.
والجيش النذل هو البَغْل النَّغْل الغليظ الخبيث السيرة الذي لا يُمتدح من عدوّ أو صديق، ويحب أن يرخي على نفسه أرْدية الصفات المحمودة، ويؤكد عليها لخلوّه منها وعُريّه من فضيلتها، ولخبث طباعه وعدم قدرته على اكتساب تلك الصفات ولو احتمالاً.
والجيش النذل إنما يتعاظم بفرط وحشيّته، وعدم وجود مرجعيّة حاكمة سياسيّة أو قانونية أو تشريعيّة تردعه لأن مرجعيّته مثله، كما كانت جيوش المغول من قبل، فتراه لا يأبه لشعائر الأخلاق، ولا حقوق الإنسانية، ولا يكترث لمبادئ القانون، وقد قالوا من قبلُ إنّ النذل لا يألم العَذل.
والجيش النذل كالشخص النذل سواء بسواء فتراه شديد الإيلاف لمن يُحسن إليه أو يتقرّب منه، فيركبه، ويَحتنكه، ويحلبه، ويظل ملتصقاً به كالقُرادة لا يتركه حتى يمتصّ كل دمه، ثم يقذف به كارهاً له.
وأمثال هذا الجيش النذل لا يصلح إلا أن يحمل عصا ليطارد فئران الشوارع التي تسترق حبوب المستودعات، وأمّا أن يقفوا كالرجال في الميادين يقاتلون وجهاً لوجه فهم أبعدُ كثيراً من أن ينالوا هذا الشرف.
وسبب نذالتهم أنهم لا ينتمون إلى أرض أو قِيم فقد أتوا من كل أرض، وتعلّقوا بوطن موهوم لا يجمعهم به شيء في لغة أو دين أو ثقافة ولا سابق معرفة، بل إنهم على عداوة أصيلة مع تاريخ هذه الأرض والأقوام الذين تتابعوا عليها من كلّ مِلة وعِرق ، كما أنّهم موصوفون بالخيانة فيها إذا قرّت بها فئة منهم دهراً.
ومن نذالتهم أنهم يأكلون بدينهم وهم ملاحدة أو علمانيون أو مشقوقون بالتعصّب، ويأكلون بتاريخ زوّره آباؤهم، وتزيّدوا فيه، وحرّفوه، وأكلوا به ثمناً قليلاً.
ولهذا فإن طباعهم تنزع إلى اللؤم والطمع ووفرة الغرور، ولا يحتاجون إلى تبرير ما يقترفونه من فسوق وتجاوز واعتداء، وهم المثال الأعلى والنموذج الأمثل لمن يقتدي بهم في النذالة.
ولهذا صحّ وصف الملثم في جيشهم أنه الأكثر نذالة فهم خَلابيس لئام تناسلوا بين دهاليز التاريخ وكهاريز الشقوق والمصارف؛ وشأن النذل أنّه لا يعطي إلا إذا خاف، ولا يَدفع إلا أن يُقهر.