التعاون الإفريقي مطلب حضاري – نورالدين قربال
في سنة 2017 عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي رسميا، لأن العلاقات المغربية الإفريقية لم تتوقف، والمؤشر هو عدد الاتفاقيات الموقعة بين المغرب ودول إفريقية منذ 2002 تجاوزت 1000 اتفاقية ثنائية ومتعددة الأطراف. وفي الخطاب التاريخي الذي خص به جلالة الملك الاتحاد الإفريقي ركز جلالته على الاهتمام الجدي بتنمية إفريقيا بناء على منطق رابح-رابح، وقيم التعاون والتضامن. باعتبار التعاون ضرورة حضارية واجتماعية ومنهجية. إنه من الطاقات المتجددة التي تتخذ أبعادا مادية وغير مادية لأن الرأسمال غير المادي إعداد لتراب قاري تتناسل من خلاله بنية قطاعية متطورة لأنها صلبة المرجعيات المحركة.
إن هذا الوعي هو الطريق الوحيد لتجاوز الإشكالات والعراقيل التي يضعها البعض خدمة لأجندة استعلائية التي تشكل جيوب المقاومة للنجاح. ولكن بهذا التصور سترمى هذه المعاول الهدامة في براثن التخلف والفوضى، وإن كنا لا نريد لها ذلك ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي. لأن التعاون المثمر يؤسس لعلاقات جيدة ومندمجة ومستدامة، ولحوار دائم وباني ومفيد للقارة.
والتاريخ جزء من العلاج والبناء لأن الذاكرة لا تمحى رغم محاولات الطمس والتشويه التي تتعرض لها، لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه مهما كانت موازين القوة. خاصة عندما تتوفر إرادات سياسية قوية وبنية فكرية متطورة ومنفتحة، ووحدات تنموية متنوعة ومتعددة ومتجددة.
إن التعاون المثمر يؤسس على عمق العلاقات وصلب الالتزامات، وبذلك تتحقق الكرامات التي تعود على القارة والبشرية بالخير والبركة. إن النظام الجزائري للأسف زرع كيانا وهميا في صفوف منظمة الوحدة الإفريقية في الثمانينات، رغم أن المغرب موجود في صحرائه والصحراء موجودة في مغربها رغم الدعم الذي قدمه المغرب من أجل حصول الجزائر على الاستقلال. إذن هل بهذه التصرفات الصبيانية لنظام يتلاعب بمصير شعب أبي قدم أكثر من مليون شهيد يمكن أن نؤسس للتعاون؟
إن إفريقيا ماضية في البناء والتعاون مهما كان مكر النظام الجزائري البئيس. والحق مستمر والباطل ينهزم لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وما يضرهم غثاء كغثاء السيل. لأن الزبد يذهب جفاء. فإلى أي حد ” سيلعن النظام الجزائري الشيطان ويستحضر الإيمان ويفكر في الأوطان ويساهم في البنيان ويقي نفسه من الذل والخسران”؟
إن زرع جسم غريب داخل الاتحاد الإفريقي خطأ تاريخي جسيم يجب أن يصحح كما تؤكد على ذلك الخطابات الملكية، وهذا ما أكد عليه ملتقى طنجة “ميدايز” الذي يضم خبراء من كل العالم عندما طالب بطرد هذا الجسم السرطاني المسمى بالدولة الوهمية من حظيرة الاتحاد الإفريقي، لأنه بسببه ضيعت إفريقيا زمنا طويلا من البناء التنموي. إنه الهدر غير المشروع فلا يمكن أن يبقى هذا السم داخل بنية إفريقية تريد الانعتاق. فلا يعقل أن يظل الاتحاد الافريقي يضم من ضمن أعضائه دولة وهمية تفتقر إلى السند السياسي والقانوني، إنها دولة وهمية تعمل بالوكالة للنظام العسكري الجزائري وفاقدة للشرعية والمشروعية. إنه كيان بدون حالة مدنية وغير معترف به بالأمم المتحدة، التي الأغلبية المطلقة من الدول الأعضاء تقر بمشروع الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية.
إن التعاون بين الدول الإفريقية ضرورة حضارية، ومن أجل تعبيد الطريق لهذا الاختيار فمن الواجب التعاون بين كل شرفاء إفريقيا من أجل طرد الكيان الوهمي الحقير الذي لا حول له ولا قوة سوى خدمة أسياده أولي النعمة عليه على حساب الشعب الجزائري الشقيق. إن هذا النظام ليس له أي إضافة نوعية داخل الاتحاد سوى صرف الأموال الطائلة من أجل التشويش على مجموعة من الدول الإفريقية وهذه سبة في حق هذا النظام البئيس الذي لم يستطع إقناع قادة العرب للحضور إلى القمة العربية فكيف سيجمع شملهم. وهو المساهم الأول في الهدم. وقد خرجت القمة بخف حنين وأقبرت مخرجاتها لأنها غير خالصة لوجه الله وإنما هي قمة المزايدات الفارغة لكن “عين الشمس لا تغطى بالغربال”.
إن مستقبل الاتحاد الإفريقي مرتبط بعدم التسامح مع الكيانات التي تفتقر إلى الشرعية. حتى لا تظل دار لقمان على حالها. ويكفي المغرب فخرا أن حصيلته بإفريقيا ثقيلة جدا خاصة بعد العودة إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017. خاصة تلك الزيارات الاستراتيجية المحملة بدلالات الأخوة والتعاون والتضامن التي قام بها جلالة الملك لأكثر من25 دولة إفريقية والتي نتج عنها اتفاقيات تهم مشاريع مهيكلة للقارة الإفريقية نحو أنبوب الغاز مع دولة نيجيريا والذي ستستفيد منه 13 دولة إفريقية، وسيصب في أوربا. فماذا قدم النظام الجزائري للقارة سوى التشويش والفتنة التي هي أشد من القتل.
إن الوعي والمعرفة كفيلان بأن يؤصلا العمل بالتعاون، وقد أبلى المغرب البلاء الحسن في تطوير منظومة حقوق الإنسان في أقاليمنا الجنوبية مع اعتماد فضيلة التعاون الاقليمي والدولي. عن طريق اللجنتين الجهويتين بأقاليمنا الجنوبية. وهذا عكس ما يقع لإخواننا في مخيمات تندوف على يد النظام العسكري الجزائري، وزبانية البوليساريو خونة الوطن، والذين باعوا كرامتهم إلى النظام الغاشم الذي لم يمل من اللف والدوران أكثر من 40 سنة. لو أنفق هذا الوقت في عمارة الجزائر لكانت ضمن الدول الأكثر حضورا. لكن للأسف مازال هذا النظام يسبح في الماء العكر.
ويكفي هذا النظام ظلما وعدوانا هو رفض المنظمات الدولية الإنسانية زيارة المخيمات من جهة ورفض إحصائهم من جهة ثانية. مع العلم أن التعاون الإفريقي هو السبيل الوحيد لتجاوز كل التحديات، لأنه مسؤولية مشتركة بين كل الأطراف. وهذا هو رهان الاتحاد الإفريقي. بهذا النفس يمكن تجاوز التطرف والإرهاب ونغرس روح الاندماج، والمغرب أعطى النموذج الأمثل للتعاون بالتنسيق مع شرفاء القارة الإفريقية في مواضيع متعددة نحو: موضوع الهجرة، والإرهاب، والبيئة وأثناء جائحة كورونا، والرياضة، والاستثمار، والطاقات البديلة، والتأمين والتكنولوجيا، وغيرها من القطاعات.