الإعتبار بأخذ السنين من الأعمار بالإقبال و الإدبار
*الحمد لله قال و هو أصدق القائلين:( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5))الزمر
* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المنزل عليه في كتاب الله:(وَهُوَالَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا62 ) الفرقان
* ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،قال سبحانه(وجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12))الإسراء
* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته و التابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، وسلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له .
عباد الله : سنة ولت و أخرى أقبلت، سنة انتهت بخيرها وشرها ، سنة انتهت ومعها انتهى الآلاف من البشر، ووُلِد وسوف يُولد مثلهم أو أكثر، أيام و شهور مضت من أعمارنا وتمضي، وعجلة الحياة تدور ونحن معها ندور
ونحن جميعًا في كلّ يومٍ نودّع عامًا ، ونستقبلُ عامًا ، وهكذا إلى أن يأتيَ أمْرُ الله، والإنسان إنما هو بضعة أيّام، كلّما انقضى منه يومٌ انقضى بعضٌ منه ، نعم أيها الإنسان إنك بين أيّامٍ ثلاثة: يومٍ مضى ، ويوم تعيشهُ ، ويومٍ سيأتي ، فاليوم الذي مضى مَضى بِخَيره وشرّه، بسَعادته وشقائه، فلا جدوى من الحديث عنه، واليوم الذي سيأتي لا تملِكُهُ، فلا أحدَ يعلمُ ما سيكون عليه حالُهُ، بقيَت الساعة التي أنت فيها و باب التوبة مفتّحة لكلّ مخلوق، خطب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أصحابه فقال في خطبتِه:( أيُّها الناسُ إنَّه لا خيرَ في العيشِ إلا لعالِمٍ ناطقٍ، أو مستمِعٍ واعٍ، أيُّها الناسُ إنكم في زمنِ هُدنةٍ وإنَّ السيرَ بكم سريعٌ، وقد رأيتُم الليلَ والنهارَ كيف يُبليانِ كلَّ جديدٍ، ويُقرِّبانِ كلَّ بعيدٍ، ويأتيانِ بكلِّ موعودٍ، فقال له المقدادُ: يا رسولَ اللهِ ما الهُدنةُ؟ قال دارُ بلاءٍ وانقطاعٍ، فإذا التبستْ عليكم الأمورُ كقِطَعِ الليلِ المظلمِ فعليكم بالقرآنِ فإنَّه شافعٌ مشفَّعٌ، وشاهدٌ مُصَدَّقٌ، من جعلَه أمامَه قاده إلى الجنةِ ومن جعله خلفَه ساقه إلى النارِ، وهو أوضحُ دليلٍ على خيرِ سبيلٍ، من قال به صَدَق ومن عَمِلَ به أُجِرَ ومن حكم به عدل) و قال رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في خطبةِ أحدِ العيدينِ:(أَيُّهَا النَّاسُ، الدُّنْيا دَارُ بَلاءٍ، ومَنْزِلُ قُلْعَةٍ وعَنَاءٍ، قَدْ نَزَعَتْ عَنْهَا نُفُوسُ السُّعَدَاءِ،وانْتُزِعَتْ بِالكَرْهِ من أَيْدِي الأَشْقِياءِ،فَأَسْعَدُ النَّاسِ بها أَرْغَبُهُمْ عَنْهَا،وأَشْقَاهُمْ بها أَرْغَبُهُمْ فِيهَا،هِيَ الغَاشَّةُ لِمَنِ انْتَصَحَهَا والمُغْوِيَةُ لِمَنْ أَطَاعَهَا،والخاتِرَةُ لِمَنِ انْقَادَ لَهَا، والفَائِزُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا والهَالِكُ مَنْ هَوَى فِيهَا، طُوبَى لِعَبْدٍ اتَّقَى فِيهَا رَبَّهُ،ونَاصَحَ نَفْسَهُ، وقَدَّمَ تَوْبَتَهُ وأَخَّرَ شَهْوَتَهُ مَنْ قَبْلِ أنْ تَلْفِظَهُ الدُّنْيا إلى الآخِرَةِ فَيُصْبِحُ في بَطْنٍ مُوحِشَةٍ غَبْرَاءَ، مُدْلَهِمَّةٍ ظَلْمَاءَ، لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَزِيدَ في حَسَنَةٍ ولا يُنْقِصَ من سَيِّئَةٍ،ثمَّ يُنْشَرُ فَيُحْشَرُ إِمَّا إلى جَنَّةٍ لا يُرْفَعُ نَعِيمُهَا أَوْ إلى نَارٍ لا يَنْفَدُ عَذَابُهَا ) إنّكم معاشر المسلمين في زمن هُدنة ، وإنّ السير بكم سريع، فلِيَسألْ كلٌّ منّا كيف مضَتْ عليه هذه السنون، فهل بقيَ من العمر مثلُ ما مضى؟ إذا كان الذي بقي أقلّ ممّا مضى لأنّ معترك المنايا كما قال عليه الصلاة والسلام بين الستّين والسبعين، قال بعضهم : من بلغ سنّ الأربعين فقد دخل أسواق الآخرة ، ومن بلغ الستّين فهو كفاكهةٍ أيْنَعَتْ وحان قطافها ، فما بالُ هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا ؟ ماذا أعددت يا عبد الله لساعة الموت ؟ ماذا أعددْت لساعة الرحيل ؟ ماذا أعددْت لساعة الفراق ؟ ماذا أعْددْتَ لِتَرك الأحبّة ؟ ماذا أعددْت لِتَرك هذا البيت ؟ أيها المؤمنون ؛ إنّ السَّيْر بكم سريع، والأياّم تمضي سريعًا من أوّل الأسبوع إلى آخره، ومن أوّل الشهر إلى آخر الشهر أيّام تمضي سريعًا، من صيف إلى خريفٍ إلى شتاء إلى ربيع إلى صيف ، الحمد لله الذي جمعنا على طاعته في هذه الساعة المباركة و في هذا البيت المبارك وكم من أُناسٍ اجتمعوا ويجتمعون على معصية الله تعالى و العياذ بالله، مع إطلالةِ سنة وذهابِ أخرى يبرزُ للمتأمل منا أحداثٌ عظام، وقضايا جسام، يجدرُ بنا إن عقلنا وكنا أصحاب فطنة أن نقفُ عندها وقفات، لنسترجعَ فيها الذكريات ، وننظرُ في ماضينا وما أحدثنا فيه، ونتأملُ في مستقبلنا وما عزمنا أن نفعل فيه هل نستطيع أن نحاسب أنفسنا ؟ كم شقيَ في السنة التي مضت من أناس ، وكم سعد فيها من آخرين ، كم من طفل تيتّم ، وكم من امرأة ترمّلت ، وكم من مريض تعافى ، وكم من سليم في التراب توارَى ، أهل بيت يُشَيِعُون ميّتهم وأهل بيت يَزفّون عروسهم ، هذا بيت يفرح بمولود ، وذاك بيت يُعزَّى بمفقود وهنا آلام تنقلب أفراحًا ، وهناك أفراح تنقلب أتراحًا، أيام تمرّ على أصحابها كالأعوام،وأعوام تمرّ على أصحابها كالأيام،ومن العجب أننا نطمئن إلى الدنيا وهي ليست بدار قرار،بل كُتِبَ عليها الفناء،من العجب أن نركن إليها والركون إليها خطر، والثقة بها غَرَرٌ،دنيانا كثيرة التغيير، سريعة التنكير، شديدة المكر، دائمة الغدر، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، عيشها كبد ونكد، وصفوها كدَروغِيَر،ما هي إلا أيام معدودة، وأنفاس محدودة،وأعمال مشهودة، قال تعالى (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) ، لما دخل أبو الدرداء رضي الله عنه الشام قال: (يا أهل الشام اسمعوا قول أخٍ لكم ناصحٍ. فاجتمَعُوا عليه فقال: مالي أراكم تبنون ما لا تسكنون. وتجمعون ما لا تأكلون. وتقولون ما لا تدركون. إن الذين كانوا قبلكم بنوا مشيداً. وأملوا بعيداً. وجمعوا كثيراً. فأصبح أملهم غروراً. وجمعهم بوراً. ومساكنهم قبوراً)
عباد الله، العام الذي مضى هو من أيام أعمارنا ، وأصبحنا إلى الموت أقرب منا إلى الحياة، هل تعرفون لماذا تفرحنا الأيام إذا ذهبت؟ لأننا نتطلع إلى الدنيا وزخارفها، فقد مددنا الآجال، وسَوَّفنا في الأعمال، وبالغنا في الإهمال
إن من أعظم الغفلة أن يعلم الإنسان أنه يسير في هذه الحياة إلى أجله، ينقص عمرُه، وتدنو نهايتُه ، وهو مع ذلك لا يحتسب ليوم الحساب، ولا يتجهز ليوم المعاد، ذهب أيها المؤمنون عامُكم شاهدًا عليكم أو لكم، فهل هيئتم زادًا كافيا وأعددتم جوابا شافيا، واستكثرتم في أعماركم من الحسنات، وتداركتم ما مضى من الهفوات، وبادرتم فرصة الأوقات ، قبل أن يفاجئكم هادم اللذات؟ فاغتنم أيها المؤمن شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ، فما بعد الدنيا من مستعتَب ، ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة والنار،(قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) إنما الدنيا منازل ، فراحل ونازل، اللهم اجعل العام الجديد عام نصر وعز وتمكين للإسلام والمسلمين ،اللهم اجعله عام تآلف وتصالح، وتسامح وتصافح وتوحد وتكاتف بين المسلمين ، عام تآلف وتفاهم بين الحكام والمحكومين ، اللهم اجعله عام عز ونصر للإسلام والمسلمين ، وعبادك الموحدين ، اللهم اجعله عام أمن و أمان في الأنفس و الأموال والأوطان ونفعني الله وإياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزةعما يصفون…
الخطبة الثانية* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد : أيها المومنون إن من حكمة الله عزوجل تقديرُ القمر منازل حتى نشعر بمرورالزمن، ونعلم عدد السنين والحساب ولولا هذا التقدير لما استطاع الناس معرفة عدد السنين والحساب، واليوم والليلة في الأرض أربع وعشرون ساعة.أما عند الله عز وجل فاليوم يعادل ألف سنة مما نعده من أيام الأرض كما قال سبحانه: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ والإحساس بمرور الوقت والزمن لا يكون إلا مع الحياة والوعي، أما مع فقدانهما فإن الإنسان لا يحس بمرور الزمن، ولهذا فإن النائم لا يحس بمرور الزمن، فقد ذكر الله تعالى عن أصحاب الكهف أنهم لبثوا ﴿فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ ومع ذلك لما قاموا قالوا:﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾.وكذلك قصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ﴾ قال بعض أهل العلم «والظاهر أن الميت إذا مات لا يحس بمرور الزمن فهو كالنائم، لكنه يُنعم في قبره أو يُعذب، فعذاب القبر ونعيمه قد أتت به الأدلة من القرآن والسنة، ولكن الزمن يمر كما يمر الزمن على النائم، ولهذا يتفاجأ الإنسان بقيام الساعة؛ لأنه من حين يموت يتفاجأ بقيام الساعة عليه ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: 52].
واستعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد