الإصلاحات القضائية تصدّع الجيش الإسرائيلي – مهند شريم
أعلن قبل أيام 37 طياراً من سلاح الجو الإسرائيلي عدم ذهابهم ليوم تدريب واحد، ومع ذلك أعلنوا عدم امتناعهم عن تنفيذ العمليات إذا لزم الأمر، إلا أن إعلانهم عن عدم الامتثال للتدريب وصفه بعض المحللين بالهزة الأرضية داخل الجيش، وهنا يأتي السؤال لماذا هذا الاهتمام بموقف الطيارين؟ وما الذي يمثله هذا الموقف؟ وهل الجيش تهزه مثل هذه المواقف رغم عديد قواته وعديد وحداته، خاصةً إذا علمنا أن من امتنع عن التدريب ما هم إلا بعض جنود الاحتياط
فما السبب الذي دفع بالصحافة وخاصة المحللين العسكريين وقيادة الجيش إلى الاهتمام الشديد بهذا الإعلان؟ وما الذي قرأه هؤلاء ولم يقرؤه غيرهم؟ وهو ما سنقف عليه في مقالتنا هذه، موضحين أهمية سلاح الطيران والآثار المترتبة على مثل هذه الخطوة في النقاط الخمسة التالية:
أولا- يعتبر سلاح الطيران من أهم أذرع الجيش الإسرائيلي الضاربة، وهو ما اهتمت به الدولة على الدوام وحرصت على التفوق النوعي دائماً وبناء هذا السلاح وأسرابه تختلف عن بقية الجيش، من حيث أن الاحتياط فيها يشكل نصف أسرابه، بينما يشكل جيش الاحتياط في القوات البرية وحدات وكتائب خاصة به، يشكل في سلاح الطيران وحدة واحدة وجسم واحد، وكل جندي احتياط طيار يخدم مرة واحدة أسبوعيا على الأقل، ويقوم بعمليات قصف ومهمات كأي طيار نظامي في الجيش، وهنا تأتي اهمية الذي أعلنه الطيارون، فعدم مجيئهم وانضمام آخرين إليهم يعني شلّ سلاح الطيران .
ثانيا- السرب الذي أعلن فيه الاحتجاج هو السرب 69 يتبع وحدة المطارق، والتي تتبع بدورها وحدة الرعد، وهذه الأسراب من الطائرات تعتبر وحدات السحق في سلاح الطيران ويد العدو الطولى، وهي التي تتجهز ليوم تأخذ فيه الأوامر لضرب إيران، وهي التي تمارس الضرب صباح مساء في سوريا وحدود العراق، وغيرها من الأماكن، وكل احتجاج أو تعطيل في هذا السلاح بنظر الإسرائيليين يضعف الردع ويقلل الفاعلية المرجوة من هذا السلاح.
ثالثا- الأخطر في هذا الاحتجاج وهو ما يخشاه قادة الجيش وسادة الدولة، أن يجر هذا الاحتجاج احتجاجات أخرى، فكما يقول قادة الجيش اليوم هؤلاء الطيارون في أغلبيتهم يتبعون مشرباً سياسياً يساريا ويرفضون الأوامر التي تأتيهم من حكومة يمينية، كثير من وزرائها كما يراهم هؤلاء الطيارون لم يخدموا في الجيش بتاتاً، أو أنهم خدموا قصيرة، ولكن ماذا لو تغيرت الحكومة وبدأ جنود وضباط سلاح المشاة، وكثير منهم يتبعون اليمين وحتى اليمين المتدين يرفضون الأوامر التي لا تتوافق مع قيمهم وأيديولوجيتهم، ماذا يحدث حينها؟ وعندها ينتهي جيش الشعب وتهدم أركانه ويعود كما كان قبل تأسيسه، مجرد عصابات تخدم أحزابها ومشاربها السياسية.
رابعا- كذلك يأتي هذا الاحتجاج من قبل طياري الاحتياط لخوفهم الشديد من المحاكمات، التي قد تطالهم في كل أنحاء العالم، فهؤلاء الطيارون يضربون في الصباح سوريا ولبنان وغزة والعراق، وفي اليوم التالي يهبطون في مطارات لندن وباريس وعواصم العالم، في إطار عملهم كطيارين مدنيين، وكانوا يعتبرون المحكمة العليا ومنظومتها القضائية درعهم الذي يحميهم أمام القضاء العالمي والدولي، من أن تحاسبهم على جرائمهم، فخوفهم من المحاسبة أكبر من خوفهم أن يقودهم نظام دكتاتوري.
خامسا- هذه الاحتجاجات أنهت اسطورة البقرة المقدسة التي كان يوصف بها الجيش، حتى بات عدد من المسئولين يصفون هؤلاء الطيارين وعديد من ضباط وجنود الاحتلال، الذين شاركوا في الاحتجاجات بأنهم ليسوا وطنيين وهم ليسوا ملح الأرض ولا حتى صهيونيين ولا حتى من شعب “إسرائيل”، كما وصلتهم نائبة في الليكود، وقالوا عنهم ان ما يقومون به هو أقرب ما يكون إلى انقلاب عسكري في دولة “إسرائيل”، صحيح أنهم لا يقودون دبابات في شوارع القدس ولا يحاصرون مكتب رئيس الوزراء، ولكنهم يستغلون حضورهم العسكري لفرض شكل الحكم الذي يريدونه .
إن هؤلاء الذين يحتجون ليسوا نخبة الجيش فقط، بل هم نخبة المجتمع، فكما هي خدمتهم العسكرية مهمة فإن أموالهم وعلاقاتهم وقدراتهم الشخصية ليست أقل أهمية، فهم العمود الفقري للمجتمع المدني، وهم يرون أنفسهم الضمان الأهم في الحفاظ على نظام الدولة الديموقراطي، خاصة وهم يرون أن من يوجه لهم الإهانة لم يخدم الدولة، بل ومشكوكٌ في دوافعهم، وهم بذلك خطراً على هذه الدولة وعلى مستقبلها، ولعله يمكن القول أن نهاية هذه الأزمة لن يكون مع نهاية الأزمة التشريعية الحالية، بل لعله بدأ صدعٌ داخل الجيش لن يلتئم ومع الوقت قد يتسع.