الأسرة.. اللبنة الأولى في المجتمع
تعتبر الأسرة في الإسلام صورة مصغرة للمجتمع ودعامته الأولى التي تقوم مقام الأساس من البناء، قال الله عز وجل: ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوٰجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبٰتِ أَفَبِالْبٰطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾.
وهي أساس استقرار المجتمع، وقلعة من قلاع الإسلام، وحصن من حصون الإيمان، إذا صلحت صلح المجتمع بأسره، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وهي مهد الطفل ومرعاه الأول، منها تنطلق مسيرته لبناء شخصيته في جميع مراحل عمره، وفي رحابها يكتسب أخلاقه وعقيدته وتربيته… قال الله جلّ ذكره: ﴿يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾، وقال تقدست كلماته: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلوٰةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْئَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعٰقِبَةُ لِلتَّقْوٰى﴾.
فالأسرة إذن هي اللبنة الأُولى في بناء المجتمع، الذي يتكوَّن من مجموعة أسرٍ ترتبِط بعضها ببعض، والمجتمع كله تُقاس قوَّته أو ضعفه بقدْر تماسُك الأسرة أو ضعْفها داخل المجتمع، وتَرجع قوة الأسرة أو ضعفها في المجتمع الإسلامي إلى مدى تمسُّكها بالدين الإسلامي.
وقد نبه القرآن الكريم إلى العلاقة الأسرية الوالدية من خلال التوصية بالإحسان إلى الوالدين: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسٰنَ بِوٰلِدَيْهِ إِحْسٰنًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصٰلُهُ ثَلـٰثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وٰلِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صٰلِحًا تَرْضٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْـمُسْلِمِينَ﴾.
كما نبه إلى العلاقة الأسرية الأخوية من خلال قصة كليم الله موسى مع أخيه هارون – عليهما السلام-: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي* هٰرُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا﴾.
ونبه أيضا إلى أهمية الأسرة من خلال العلاقة الأسرية الزوجية: حيث وصف الزواج بالميثاق الغليظ في قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضٰى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيْثٰقًا غَلِيظًا﴾ [سورة النساء:21]، ليبين قداسة عقد الزواج الذي يتمخض عنه تأسيس أسرة. كما جعل أهم مقصد للزواج تحقيق السكن النفسي الوجداني والمودة والرحمة بين الزوجين مما ينتج عنه أسرة مستقيمة يسودها الاستقرار والطمأنينة والسكينة ومن ثم تلقي بظلالها على المجتمع كله: ﴿وَمِنْ آَيٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيٰتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
وتظهر أهمية الأسرة ومكانتها العظيمة من خلال ما يلي:
1 – تلبية الأسرة لحاجتها الفطرية، وضروراتها البشرية، والتي تكون موافِقة لطبيعة الحياة الإنسانية؛ مثل: إشباع الرغبة الفطرية، وهي الميل الغريزي في أن يكون له ذرية ونسل، وإشباع حاجة الرجل إلى المرأة وعكسها، وإشباع الحاجات الجسمية، والمطالب النفسية، والروحية والعاطفية.
2 – تحقيق معان اجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الأسرة؛ مثل: حفْظ الأنساب، والمحافظة على المجتمع سليما من الآفات والأمراض النفسية والجسمية، وتحقيق معنى التكافُل الاجتماعي.
وهكذا يتضح أن للأسرة في الإسلام وظيفة مقدسة ورسالة سامية في المجتمع والحياة؛ لذلك وجب على المسلمين جميعا حماية الأسر المسلمة والذود عنها؛ وذلك ببنائها على مبادئ الإسلام ودعائمه وأسسه، والابتعاد عن الفرقة والنزاع وكل المشكلات التي تسبب في الطلاق وتفكيك الأسرة، واستحضار مراقبة الله تعالى في كل حركة من حركات الأسرة وسكناتها، وتعاون الجميع من الأقارب والجيران والمجتمع على النهوض بالأسر المسلمة ماديًا ومعنويًا.
الإصلاح