ابنتك في المخيم.. قضايا ووصايا – الحبيب عكي
صحيح أن أفضل المخيم ما اجتازه الطفل (ة) على السجية.. دون برمجة (Programmation) ولا وصاية (tutelle) إلا ما كان من رغبته وقناعته، وتلك هي الطريقة المثلى لتكوين شخصيته المتميزة وتفعيل فرادتها عند اتخاذ قراراتها. لكن، وباعتبار الطفل (ة) لا يزال في مرحلة النمو.. واستكمال شخصيته.. وبناء تصوراته وتصرفاته.
وباعتبار تعدد المرجعيات التي تقتحم عليه حياته دون استئذان، وهي لا تفتىء تؤثر على اختياراته وتحسم في قراراته، بالإيجاب أو بالسلب أحيانا.. سواء ما كان من المدرسة والشارع والأصدقاء.. أو من الإعلام.. وبعض الثقافة المكتسبة هنا وهناك.. أو من الأقرباء من الكبار والأقران من الصغار، فيستحسن أن يكون للطفل(ة) تفكير مسبق في بعض الأمور والقضايا، وبناء رؤيته المسبقة اتجاهها رفقة الآباء باعتبار مسؤوليتهم التربوية والاستشارية والحمائية اتجاه الأبناء، ودون فرض رأي ولا مصادرة صغر.
ليكن إعدادك لابنتك للمخيم إذن، في إطار مساعدتها على اجتياز مرحلة تخييمية مريحة، لا تشعر فيها بالاضطراب ولا بتضارب المرجعيات وتنازع الوجهات فيما تتعرض له من وضعيات ومواقف، وخير إعدادك لها هو تركيزك معها على المرجعية الفكرية العامة لفهم قضاياها وتحليلها.. فهم وضعياتها واستلهام حلولها، وكذلك على منهجية التفكير السليم والمنطقي للوصول إلى هذه الحلول، وضمن ذلك في مرتبة معينة إمكانية عرض الأمر على المربية في المخيم قصد التشاور والتداول فيه بقدر ما يحصل بينها وبين الطفلة من ثقة.
أمر آخر أساسي هو إشعار البنت وإفهامها على أنها عند مغادرة البيت فهي حرة في اختياراتها ومسؤولة عن قراراتها، وأنه بقدر ما الصواب يؤدي إلى الخير فإن الخطأ يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وعندها فإن الآخرين لن يتحملوا معنا نتيجة أخطائنا، فلنبتعد عن تقليدهم وعن إدخالهم في قضايانا ما أمكن.
وعموما، فتأطير البنات في المخيم لا يطرح في الغالب إشكالات كبيرة، ولكن بعض الوضعيات تجعلهن ربما كبعض أمهاتهن مغلوبات على أمرهن فلا يدرين كيف يتصرفن أو يتصرفن بعفوية وعاطفة غير محسوبة الخطوات ولا مضمونة المآلات، ومن ذلك بعض القضايا التي رأيتهن يتخبطن فيها وتفقدهن تدبيراتها بعض توازن الشخصية التي جئن إلى المخيم بحثا عن تقويتها، فمثلا:
1- هناك حمولة الثقافة الأسرية الثقيلة من عادات وتقاليد.. يصعب فهمها.. قبولها.. فبالأحرى تجاوزها.. والواقع أن في أسرنا الصائب ينبغي تثبيته وغير الصائب وينبغي تغييره بالعودة إلى المرجعيات العقدية والحقوقية السليمة.
2- اضطراب بعض المفاهيم الأساسية في حياة الطفل(ة) وبالتالي اضطراب تعامله مع الآخرين.. كالخلط بين الحياء والخجل.. والحق والواجب. والجرأة والوقاحة.. والحيلة والخبث.. والضعف والصبر..، وخير الأمور أوسطها: ” لا صلبا فيكسر المرء ولا رطبا فيعصر”.
3- ظهور العديد من مظاهر الفقر العاطفي الذي يعاني منه الأطفال بشكل عام وبشكل مهول، فيتمظهر بالتباهي وتحسيس الآخرين بالدونية.. والأنانية وحب السيطرة على كل شيء.. والتطلع المبكر إلى عالم الكبيرات واختصار الأنوثة والقبول في كل ذلك.. اللباس.. الموضة.. التزين(ماكياج).. التسريحات.. آخر صيحات الهواتف وأبهضها.
4- إتقان الأعمال المنزلية والأعمال الفنية.. وهذا أمر طبيعي، ربما بحكم الاستئناس بالأمهات وما حبا الله بناتهن من أصوات جميلة ومشاعر مرهفة.. ولكن في المخيم هناك أشياء كثيرة وأهم لا بد أن يسجلن فيها تفوقهن كذلك، وقد لا يفعلن.
5- بعض الإناث وكأنهن مثل بعض الذكور.. ليس في طريقة اللباس والكلام والعادات والاهتمام فحسب، ولكن أيضا في عدم الحرص على الممتلكات الخاصة.. ولا ترتيبها.. ولا الحفاظ عليها.. مما قد يسبب في ضياعها أو سرقتها، وإن بشكل غير مقصود.
6- وضعيات محرجة وغريبة:
1- هناك بنات يسبحن بلباس السباحة.. وبنات يسبحن بلباسهن.. وبنات لا يسبحن إطلاقا ولو مرة واحدة خلال المرحلة التخييمية ككل، تعلق الأمر بالشاطئ أو بالمسبح.
2- بنات محجبات وغير محجبات، يسرحن شعرهن بأنفسهن.. وأخريات بمساعدة زميلاتهن و مؤطراتهن.. وأخريات لم يحللن شعرهن المخبل ولو مرة واحدة طيلة المرحلة.. وقيل ربما بوصية من أمهاتهن؟.
3- بنات يحافظن على الصلاة في وقتها ومع الجماعة.. وبنات يبقين يجمعنها إلى الليل كأنهن في الدراسة.. وبنات لا يصلين ولو ركعة واحدة طيلة المرحلة.. ولو حتى صلاة الجمعة؟.
4- بنات يحترمن المرافق الصحية الخاصة بهن والخاصة بالذكور.. ولكن يفتقدن إلى آداب الاستئذان والمرافقة عند الذهاب إلى مراقد الذكور وخيامهم لقضاء غرض ما، أو ربما لأن الأمر عندهن يتم جهارا نهارا، فلا داعي؟.
5- بنات بقدر ما يكون لديهن إقبال وانشراح في الأعمال والورشات المشتركة، بقدر ما يتركن كل ذلك في الورشات فحسب، ولا يجعلن له امتدادا خارجها مهما كانت الظروف والدواعي؟.
6- بنات يخرجن بصداقات مختلطة.. وبنات بصداقات من جنسهن.. وبنات بصفر صداقة ذكور، ويعتبرن ذلك تحرشا قد يستمر ما بعد المخيم، على شكل مكالمات ودردشات وتبادل زيارات وخدمات؟.
7- بنات يأكلن كل شيء في المخيم.. وبنات يعفن ويمتنعن عن بعض المأكولات.. وبنات لا يكدن يأكلن أي شيء غير “السقاطة” رغم محاولات المؤطرين و المؤطرات إثنائهن عن ذلك دون جدوى؟.
8- بنات وكأنهن مقاولات ورجالات أعمال.. لا يتوقفن من المكالمات مع أسرهن وكأنهن لسن في المخيم.. (رغم جمع الهواتف عموما)، وبنات لا يهاتفنها إلا لماما وكأنهن معهن في المنزل ولم يغادرنه إلى أي شيء؟.
9- بنات يشتكين من كل شيء إلى مربياتهن وربما إلى رئيس الجماعة أو مدير المخيم، ولا يقبلن من التأديب ما يستحقن، وبنات لا يشتكين من أي شيء، وإذا ما حدث لهن شيء فسرعان ما يتمكن من حله وتجاوزه بأنفسهن.
10- بنات يكدن يأتين على مصروف جيبهن من الأيام الأولى للمخيم فيفلسن أخره، وبنات يقتصدن بجد ويوفرن الكثير لخرجة التسوق وشراء الهدايا، وربما يوفرن أو يقرضن غيرهن؟.
11- بنات لدهين وعي بحيضهن وطوارئهن وخاصة اليافعات.. وبنات ليس لديهن أي وعي بذلك، ويصدمن إذا ما صادفنه، وبعد الاستئناس وتجاوز الصدمة، قد لا يمنعهن ذلك الطارئ من ممارسة أي نشاط حتى الصلاة.
12- بنات يفزن بجوائز التشجيع والاستحقاق في المسابقات والابداعات.. وأخرى في السلوكيات والشخصيات المثالية ويفتخرن، فبأي جائزة تريد أنت أن تفوز ابنتك، ولأي جائزة ساهمت في إعدادها وكسبها.
هذه بعض دواخل المجتمع التخييمي، تظل العديد من إشكالاته محط برنامج الجماعة المخيمة ككل، تسدد وتقارب نحو أوسط الأمور وأصوبها، ويبقى من مسؤولية المربي والمربية – بالدرجة الأولى – ضرورة الوعي بها.. والاجتهاد في مواكبتها وحلها.. بمشاركة زملائه وأبناء فرقته طبعا، هؤلاء الأبناء الذين كلما سبق إليهم بعض الوعي بمثل هذه الوضعيات.. كان العمل على حلها سهلا وتجاوزها ممكنا.. وفي مصلحتهم قبل غيرهم ثم في مصلحة المخيم والجماعة كلها.
وهذا الوعي أرى أن للآباء والأمهات دور كبير في غرسه وتحسيس أبنائهم وبناتهم به، ليس تحملا لمسؤوليتهم وإعدادا لأبنائهم لمخيم ناجح فقط، بل كأسلوب حياة حواري دائم يمنحهم النضج المطلوب والشخصية المندمجة بشكل أفضل.