إعادة فتح معبري سبتة ومليلية.. رغبة إسبانية وتريث مغربي

يتصاعد نقاش حول مدى فعالية اعتزام الرباط ومدريد إعادة الفتح الكامل لمعبري مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين. ويركز النقاش على الانعكاسات المحتملة لهذه الخطوة المرتقبة على مدن الشمال المغربي، خاصة أن إغلاق المعبرين منذ أكثر من 6 أعوام ساهم في الحد من تهريب السلع بين الجانبين.

وفي حين “تضغط” إسبانيا لإعادة فتح المعبرين كليا بسبب تضرر التجارة في سبتة ومليلية من الإغلاق، لا يزال المغرب “يتأنى” ويجعل من “الترقب” سيدا للموقف. ويرى نقابي مغربي أن التبادل التجاري مفيد للطرفين، خاصة أنه يدر دخلا جمركيا، داعيا إلى فتح نقاش حول هذا الموضوع للوصول إلى حلول وبدائل.

وعلى مدى عقود امتهن مئات المغاربة بينهم نساء وأطفال، تهريب سلع من سبتة ومليلية، إذ كانوا يحملون على ظهورهم أكياسا ضخمة مُحملة ببضائع إسبانية. غير أن هذا الوضع تغير منذ إغلاق المعبرين، ودفع السلطات المغربية إلى إطلاق مشاريع لتنمية المنطقة، في محاولة للقضاء على أنشطة التهريب وتداعياتها على اقتصاد المملكة.

ووفق إحصاءات، فإن أنشطة التهريب من سبتة ومليلية كانت تكبد خزينة المغرب خسائر بين 500 مليون دولار و700 مليون دولار سنويا.

فتح مع وقف التنفيذ

السلطات الإسبانية أعلنت إعادة فتح معبر مليلية أمام السلع، في انتظار إعادة فتح معبر سبتة، بينما لم يصدر أي تصريح من السلطات المغربية. وقالت مندوبة الحكومة الإسبانية بمليلية صابرينا موح، الأحد الماضي، إنها ستعقد اجتماعا هذا الأسبوع مع منظمات الأعمال الإسبانية، لبحث إعادة فتح الجمارك التجارية بعد نحو 6 سنوات ونصف من الإغلاق.

واعتبرت أن “دخول شاحنة محملة بالأجهزة، في 15 يناير الجاري، من مليلية إلى بني أنصار، يمكن اعتباره بمثابة إعادة فتح مكتب الجمارك التجارية المغلق منذ غشت 2018 من جانب واحد”. وأضافت موح، وفق إعلام إسباني، أن “اختبارات أُجريت منذ اتفاق إسبانيا والمغرب عام 2022 على إعادة فتح الجمارك، مكنت من اكتشاف مشكلات فنية تحتاج لحل”. وتابعت أن “الجمارك ستساعد مجتمع الأعمال على النمو، والحصول على أسواق جديدة”.

وبينما لم يصدر تعقيب من السلطات المغربية حول الملف، رصدت وسائل إعلام مغربية دخول شاحنة بضائع من كلا الطرفين يوميا. وفي غشت 2018، قرر المغرب إغلاق مركز الجمارك مع مليلية، ومنع أي عملية استيراد أو تصدير عبر المعبر البري، ليتبعه في دجنبر 2019 قرار بإغلاق معبر سبتة أمام تجار السلع المهربة.

وآنذاك أعرب المسؤولون الإسبان عن غضبهم من الإجراءات المغربية، وباشروا الضغط للسماح بعبور كلي للسلع والمنتجات؛ في ظل خسارة العاملين في مجال تصدير واستيراد البضائع في سبتة ومليلية. في المقابل لا تزال السلطات المغربية تختار “الصمت” في إدارتها لهذا الملف.

مطلوب حلول وبدائل

محمد بوجيدة، عضو نقابة العاملين المغاربة بسبتة ومليلية، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، يقول إن الأمر يتعلق في مرحلة أولى بدخول شاحنة واحدة حاليا من كلا الطرفين، وهي خطوة إيجابية لكلاهما.

ويعتبر بوجيدة، في حديث للأناضول، أن التبادل التجاري بين الطرفين مفيد لهما، خاصة أنه يدر دخلا جمركيا لكلاهما. ويدعو إلى فتح نقاش حول الموضوع للوصول إلى حلول وبدائل بالمنطقة، مشددا على ضرورة انخراط البرلمان المغربي في هذا النقاش. كما يدعو بوجيدة إلى تسهيل مرور المواطنين، خاصة المغاربة القاطنين في مليلية.

ووفق تقرير برلماني مغربي “توجد حوالي 3500 امرأة مغربية تمتهن التهريب المعيشي في معبر سبتة، ويوجد أيضا 200 طفل قاصر”. وأضاف التقرير الصادر عام 2019، أن “المغربيات الممتهنات للتهريب المعيشي يعشن وضعا مأساويا، وينمن ليومين وأكثر في العراء”. وأوصى بمحاربة شبكات التهريب وتجفيف منابعها، حماية للاقتصاد الوطني.

ومنذ إغلاق المعبرين، أطلق المغرب حزمة إجراءات لتحقيق التنمية الاقتصادية، سواء في مدينة الفنيدق والمدن المجاورة، أو الناظور والنواحي. وفي يناير الجاري، صادقت اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية بالناظور على 44 مشروعا بتكلفة إجمالية 16.7 مليون درهم (1.67 مليون دولار).

وتتوزع هذه بين 15 مشروعا مقدما من طرف التعاونيات و29 لفائدة شركات صغيرة، وهي تهم قطاعات الفلاحة، والصناعة التقليدية، والتجارة والخدمات، والصيد البحري، والسياحة والنقل. ومن بين هذه المبادرات أيضا، إطلاق برنامج بتكلفة 400 مليون درهم (4 ملايين دولار) بالفنيدق في فبراير 2021، يهدف لتسريع بناء وتهيئة منطقة الأنشطة الاقتصادية بالمدينة.

وفي دجنبر 2024، قال تقرير رسمي مغربي إنه في إطار التمكين الاقتصادي للنساء على مدى ثلاث سنوات، تم إنجاز 70 مشروعا بكلفة 1.9 مليون درهم (19 ألف دولار) بين 2022 و2024، بكل من الفنيدق والمضيق ومرتيل، حيث استفادت عشرات النساء من معدات وآليات ودعم مالي. وتهدف هذه المبادرة، المنظمة من طرف الجمعية الجهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب بعمالة (محافظة) المضيق والفنيدق، إلى تقوية قدرات النساء صاحبات مشاريع.

ووفق بوجيدة، فإن المغرب استطاع الحد من “التهريب المعيشي”، مضيفا أن “هناك صرامة كبيرة في منع التهريب بين البلدين”. ويشدد على ضرورة تقوية البدائل في المنطقة، خاصة لفائدة المواطنين الذين كانوا يمتهنون التهريب المعيشي. وينصح بتقوية المشاريع، لافتا إلى أن إحصاء في الناظور أظهر تراجع عدد السكان، ما يدل على أن جزءا منهم هاجر إلى أماكن أخرى.

ضغط إسباني

ولا يزال المسؤولون الإسبان يضغطون من أجل فتح المعبرين كليا، بسبب الخسارة التي تكبدتها سبتة ومليلية. وتحدثت تقارير إعلامية إسبانية عن أن قيمة المعاملات التجارية للتهريب المعيشي تبلغ في مليلية لوحدها أكثر من ملياري يورو (2.2 مليار دولار).

وقال رئيس مجلس رابطة وكلاء وممثلي الجمارك الإسبانية أنطونيو ليوبيت دي بابلو إن العاملين بمجال تصدير واستيراد البضائع في سبتة ومليلية خسروا 80 بالمئة من نشاطهم التجاري الحدودي جراء استمرار إغلاق الحدود التجارية مع المغرب.

وأضاف دي بابلو، على هامش الدورة العشرين لمنتدى الجمارك بمدينة مالقا في نونبر 2024، أن التحديات التي يواجهها مهنيو القطاع في سبتة ومليلية والجزيرة الخضراء، لا تزال بحاجة إلى حلول. وانتقد ما أسماه “نقص الضغط” من الحكومة الإسبانية على المغرب للوفاء بالتزاماته.

وأعرب عن اعتقاده بأن “الحكومة الإسبانية لم تتمكن من إلزام المغرب بالوفاء بتعهده الذي تم الاتفاق عليه عام 2022 لإعادة فتح الجمارك في سبتة ومليلية”. وقبل أيام، أعلن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن الاتفاق المبرم مع المغرب، بخصوص إعادة فتح المعبرين كليا، كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في 8 يناير الجاري.

 وكالة الأناضول

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى