رئيس”التوحيد والإصلاح” في حوار مع “عربي بوست”: نؤمن بالتجديد ومهمتنا التربية والدعوة ولانمارس العمل الحزبي
أكد رئيس حركة التوحيد والإصلاح الدكتور أوس رمَّال أن الحركة تؤمن دائما بالتجديد، وننخرط في أي مشروع يكون الغرض منه التطوير والتجديد. و أوضح في حوار أجراه مع مع موقع “عربي بوست” أن الحركة تركز في أدبياتها على التجديد والإصلاح والرسالية والاستقلالية، مشيرا إلى أن مهمة هي التربية والدعوة وما جاور ذلك، ولا تمارس العمل الحزبي.
وشدد فيما يتعلق بتعديل مدونة الأسرة، على تأكيد الحركة على المرجعية الدينية ، وأنها لن تقبل بديلا عن الأسرة المغربية التي تتكون من زوج وزوجة وأبناء، وأن مسألة الإرث قطعية تم تفصيلها في القرآن الكريم بكامل فرائضه.
وبخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، أكد الدكتورأوس رمّال أن المغاربة مستعدون للتضحية بدمهم من أجل صحرائهم إذا اقتضى الحال، مشيرا في الوقت نفسه أن المغاربة ما فتئوا يخرجون صفا واحدا على اختلاف أطيافهم وتياراتهم إلى الشّارع لمناصرة القضية الفلسطينية ودعمها.
وفيما يلي النص الكامل للحوار:
عربي بوست: انتُخبت على رأس حركة التوحيد والإصلاح عام 2022 في المؤتمر العام السابع الذي اختار شعاره “بالاستقامة والتجديد تستمر رسالة الإصلاح”. هل كانت تلك وقفة لتقييم مسار الحركة وعملها في خضم التطورات التي يشهدها المغرب؟ وهل تعتقدون أن عمل الحركة اليوم يتطلب تجديداً فكرياً يستجيب للتحديات الفكرية والقيمية المطروحة؟
د أوس رمّأل: جفي أدبيات حركة التوحيد والإصلاح نجد مفاهيم التجديد والإصلاح والرسالية والاستقلالية تواكبنا منذ مدة طويلة جداً. ورؤية الحركة في المخطط الاستراتيجي الجديد لستة عشر عاماً، والذي بدأ العمل به في 2022، ترتكز على “عمل رسالي مجدد لإقامة الدين وترسيخ قيم الاستقامة والإصلاح”.
ولذلك نحن في حركة التوحيد والإصلاح نؤمن دائماً بالتجديد، وننخرط في أي مشروع يكون الغرض منه التطوير والتجديد. فأي تجديد تكون فيه مصلحة للحركة وللأمة وللوطن نرحّب به ونكون فيه.
ولهذا، المؤتمر السابع كان فعلاً محطة من المحطات التي حاولنا فيها ما أمكن، أن نجدد مجموعة من الأمور، خصوصاً أن 2022 كانت سنة انتهاء المخطط الاستراتيجي السابق، والمصادقة على المخطط الاستراتيجي الجديد للحركة (2022-2038).
س: ما هي الركائز الأساسية لهذا المخطط الاستراتيجي؟
ج: كما تعلمون، كل مخطط يسبقه تشخيص للمرحلة من خلال الوقوف على عدد من الفرص والتهديدات وعدد من نقاط القوة ونقاط الضعف عند حركة التوحيد والإصلاح، وهو ما يجعلنا نكوّن نظرة على المستقبل؛ لمعرفة أهم الأمور التي سنشتغل عليها في إطار برامجنا وفي مخططنا.
أكثر من هذا كانت لدينا فرصة، في إطار التجديد، أن نُجدد هيكلة الحركة مركزياً وجهوياً وإقليمياً ومحلياً. أيضاً، كنا فيما سبق نتحدث عن وظائف أساسية للحركة؛ وهي الدعوة والتربية والتكوين، ثمّ في وقت متأخر أضفنا إليها مجالي العمل المدني والعمل العلمي والفكري.
بالنسبة لهذه المرحلة ظهر لنا أن مجالات العمل الاستراتيجي عندنا في حركة التوحيد والإصلاح تقتضي إضافة مجالات جديدة، ولذلك أصبح لدينا اليوم تسعة (9) مجالات للعمل الاستراتيجي، بمراعاة التطورات التي يعرفها بلدنا خاصة؛ والعالم العربي والإسلامي والحركة الإسلامية عبر العالم، ثم العالم بشكل عام، اليوم الذي شهد تحديات على المستوى القيمي عابرة للقارّات وتتجاوز كلّ الديانات.
س: حسناً، في هذه الهيكلة الجديدة ما هو نصيب الشباب في قيادة حركة التوحيد والإصلاح؟
ج:ربما اقتضت الضرورة هذه المرّة أن يعاد انتخاب رئيس ليس من الفئات الشابة في هذا المؤتمر، لكن بالتأكيد المآل في المؤتمرات المقبلة للشباب. واليوم النائب الأول لرئيس الحركة محسوب على الشباب في نحو الأربعين من عمره؛ من خريجي منظمة التجديد الطلابي، والنائبة الثانية هي أيضاً تُحسب على الشباب، ثم يوجد عدد من المجالات الاستراتيجية في المكتب التنفيذي كُلف بها شباب لا يتعدى عمرهم 40 عاماً.
س: مسألة الفصل بين السياسي والدعوي في علاقة حركة التوحيد والإصلاح بحزب العدالة والتنمية من الأمور التي تُستحضر دائماً في الحديث عن حركة التوحيد والإصلاح. هل استطعتم التوصل إلى هذا المبتغى الذي ناديتم به قبل؛ ربما منذ المؤتمر العام الوطني السادس؟ هل تحقق ذلك فعلاً على أرض الواقع اليوم؟
ج: في الحقيقة كان هناك كلام عن العلاقة بين الدعوي والسياسي منذ تأسيس حركة التوحيد والإصلاح. ساعتها كانت هناك مجموعة من الأسئلة، وكان هناك كلام اصطُلِح عليه آنذاك بما سميناه “الوصل أو الفصل”؛ هل سيكون هناك وصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي أو سيتم الفصل النهائي ولن تبقى أي علاقة بينهما؟
لكن تبين أن كلام الفصل هذا سابق لأوانه في ذلك الوقت، لأن عملنا السياسي كان يحتاج في بداياته إلى دعم واحتضان وتقوية، وهو ما لا يمكن أن يقوم به أحد سوى حركة التوحيد والإصلاح حينها.
لكن في الوقت نفسه بدأ الكلام على التمايز؛ إذ كان لا بد من رفع اللبس عن أنفسنا وعن الناس من حولنا عامة، وعن الدولة أيضاً، على أساس تجاوز اللَّبس حينما يجمع الواحد بين خطبة الجمعة وعضويته في البرلمان.
كل هذا دفعنا إلى رفع اللبس، وقد ذهبنا إليه بشكل متدرج، حتى وصلنا اليوم إلى مستوى معقول جداً؛ حيث إنّ المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح لم يعد فيه ولا عضو واحد من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ولا من نقابة الاتحاد الوطني للشغل.
والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية لم يعد فيها أي أحد من أعضاء المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، وهذا تحصيل حاصل؛ فجداول أعمال الحركة أصلاً لم يحصل أن تضمّنت أي نقطة تخصّ الحزب أو أعمال الحزب.
لدينا بطبيعة الحال شراكة مع الحزب والنقابة وعدد من الجمعيات التي تجمعنا معها أهداف ومقاصد وقيم مشتركة والمرجعية الدينية الإسلامية، لكن في الوقت نفسه هناك استقلالية كاملة في التدبير وفي التسيير.
اليوم ليست هناك هيئة تتدخل في هيئة أخرى، بل في بعض الأحيان تتعارض مواقفنا بشكل تام، إذ يمكن للحركة أن تتخذ موقفاً في قضية من القضايا والحزب يكون له رأيٌ مغاير أو العكس، وهو ما يخلق نوعاً من الاختلاف.
س: في سياق شراكتكم القائمة مع حزب العدالة والتنمية، هل يمكن أن تكون هناك شراكات لحركة التوحيد والإصلاح مع أحزاب وطنية أخرى؟
ج: لا أذكر لحد الساعة أنه كانت لنا في يوم من الأيّام علاقة سيئة أو مقاطعة لأي حزب من الأحزاب، لدرجة أن لدينا أعمالاً مع أحزاب يسارية، خصوصاً عندما نخرج في إطار مجموعة العمل من أجل القدس وفلسطين التي تضم أطيافاً مختلفة. المشترك بيننا نتعاون عليه وما اختلفنا فيه يعذر فيه بعضنا بعضاً، وهذا يعطي نوعاً من التقارب.
لذلك من حيث المبدأ، لا مشكل لنا في أن نمضي شراكات مع الأحزاب، لكن كل ما في الأمر لحد الساعة أن ما توافقنا عليه في مجلس الشورى (الهيئة الثانية بعد المؤتمر العام)؛ أننا أخذنا على عاتقنا أن تكون شراكتنا استراتيجياً مع حزب العدالة والتنمية ومع نقابة الاتحاد الوطني للشغل، وهو قرار اتخذناه نحن وليس بالتنسيق لا مع الحزب ولا مع النقابة.
حركتنا عملها هو التربية والدعوة وما جاور ذلك، ولا تمارس العمل الحزبي، لكن نحن مغاربة ومواطنون وجميع القرارات السياسية التي تتقرّر في البلاد تنطبق وتسري علينا؛ وبالتالي لا بدّ من المشاركة؛ فارتأينا أن ندعم حزبنا الذي أسسناه في المحطات الانتخابية.
س: هناك من يذهب إلى أن انفصالكم عن إخوانكم في حزب العدالة والتنمية، كان سبباً كبيراً جداً في النتائج التي حصل عليها الحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة بالمغرب. كيف يمكن لحزب سياسي مُهيكل أن يتأثر بانفصال ذراعه الدعوية؟
ج: يجب التأكيد بشكل مباشر أننا لم نكن قط ذراعاً أو جناحاً للحزب؛ لأنه عندما نتحدث عن الذراع أو الجناح فمعنى ذلك أن هناك جسماً واحداً وعقلاً مدبّراً واحدا ً، وهذا الأمر غير موجود نهائياً.
نحن يجمعنا مشروع إسلامي كبير، فيه مرجعية مشتركة ومجموعة من الأهداف والقيم المشتركة، لكننا لسنا جسماً واحداً بأجنحة وأذرع.
الآن هناك أمر آخر، هو أنّنا عندما نقول إن لدينا شراكة مع “العدالة والتنمية”، فإن بعض إخواننا من أعضاء الحركة أو المتعاطفين معها ممن له ميول إلى العمل السياسي ويرغب في أن يكون عضواً في حزب ما أو نقابة معينة، فالمنطق لدينا أن يكونوا أعضاء في حزب العدالة والتنمية.
وحتى لما تأسس حزب العدالة والتنمية، الذي كان في السابق اسمه “حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية”، كان قد تأسّس في الأصل بالحركة وبأعضائها، وإلى الآن عدد كبير من أعضاء حزب العدالة والتنمية هم في الأصل من الحركة، بل أكثر من ذلك بعض القيادات الحزبية اليوم كانت قيادات على رأس الحركة سابقاً.
لكن الحاصل هو أن العمل السياسي فيه صعود ونزول، إذ إنه في فترة عشنا ظروفاً خاصة جعلت حزب العدالة والتنمية يتبوأ المكانة الأولى بين الأحزاب، ثم بدأت مجموعة من الإرهاصات والتحديات في السنوات الخمس الأولى من حكومة عبد الإله بنكيران، وأقصد هنا إشكالية جدل لغة التدريس بين العربية والفرنسية وكان حولها جدل كبير جداً، ثم جاء ما يسمى بـ”التناوب اللغوي”، الذي تبين اليوم أنه غير صالح وأنّه حرب على اللغة العربية الرسمية وعلى الدارجة المغربية.
من هنا بدأت بعض المشاكل، ثم جاءت في الفترة الثانية تحديات قانون القنب الهندي، حتى وصلنا إلى هذا المشكل المتعلق بالتطبيع والتوقيع على الاتفاق الثّلاثي في عهد حكومة محسوبة على “العدالة والتنمية”، عندما كان يترأسها الدكتور سعد الدين العثماني.
هذا كله تسبب في إشكالات، والحركة كانت مواقفها واضحة من اللغة العربية ومن قانون القنب الهندي وواضحة من التطبيع، وكانت أول جهة تصدر بياناتها ضد هذه الأمور في أقل من 24 ساعة، لأنها أمور تنبني عليها هوية الحركة وهوية المغاربة.
لكن الإشكال وقع عند أعضاء حزب العدالة والتنمية أنفسهم رجالاً ونساء، إذ سبّب لهم ذلك تذمراً شديداً جداً، خصوصاً مع التطبيع، ولما جاءت المرحلة الانتخابية كان لذلك التذمّر وقعه.
ولذلك كان لنا في هذه المحطة الانتخابية التوجيه العادي نفسه لأعضاء الحركة لكي يدعموا إخوانهم في حزب العدالة والتنمية، وفي الوقت نفسه لم يكن بإمكاننا أن نفرض على الناس التصويت، لأنه أمر يتنافى مع الحرية.
وجزء كبير من نتائج الانتخابات السابقة يؤكّد اليوم -بعد هذه الاعتقالات في صفوف البرلمانيين والمنتخبين- أن تلك الانتخابات كان فيها أموال وفساد انتخابي؛ وهو ما تسبب فيما نراه اليوم. كل هذه الأمور تسببت في النتائج التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية وليس انفصال الحركة عن الحزب.
س: الحديث يقودنا للحديث عن توقيع حزب العدالة والتنمية على ما يسمى بـ”اتفاق أبراهام” الذي يطبّع مع إسرائيل. ما الذي أجبر قيادة الحزب على التوقيع مع كيان غاصب؟
ج: سأكون كاذباً إن قلت إنني أعرف تفاصيل ما وقع حينها، وكلّ ما بلغني آنذاك هو أنه لما تمّ النداء على سعد الدين العثماني بصفته رئيساً للحكومة، وقيل له إنه سيوقع مع المُوقعَيْن الآخرَين. فبالتأكيد أن الذي راج في ذهن العثماني آنذاك هو أنّه راعى موازنات وأولويات فوقّع على الاتفاق.
لكن إلى الآن مقتضيات الاتفاق الذي وُقّع عليه غير معروفة وغير منشورة، ولا علاقة لها بالديانة الإبراهيمية، بل الأكثر من هذا، الدولة المغربية، فيما أذكر، لم تصدر عنها إلى حد الساعة في بيان أو بلاغ رسمي، كلمة “التطبيع”.
الذي تعبر عنه وزارة الخارجية والهيئات الرسمية، هو إعادة فتح العلاقات مع الدولة المحتلة لفلسطين (إسرائيل) لقضاء مجموعة من الأمور التجارية والسياحية، لأنه يوجد مغاربة هناك ويهود هنا، وهذا هو الرائج.
لكن نحن في حركة التوحيد والإصلاح لم نتردد، عقدنا مباشرة بعد توقيع “اتفاق أبراهام بين المغرب والولايات المتحدة والكيان الصّهيوني” لقاء خاصاً للمكتب التنفيذي واتخذنا قراراً وصغنا بياناً.
عرضنا مضامين البيان في شريط مصور، نؤكد فيه رفضنا أولاً، ثم ثانياً نؤكد أنه تم فتح باب من الخراب له تبعات، حتى وصلنا لهذه المستجدات مع “طوفان الأقصى” التي فضحت دولة الصهاينة ومن يدعمهم وخنست الأصوات المغربية التي كانت -للأسف- تردد عبارة: “كلنا إسرائيليون”، وكانوا يعتقدون أن الركوب على موجة التطبيع سيوصلهم إلى القمم.
سعد الدين العثماني أمين عام سابق لحزب “العدالة والتنمية” المغربي وقع على اتفاق التطبيع خلال مرحلة توليه منصب ورئيس الحكومة، أرشيفية/ مواقع التواصل
س: ألا تعتقدون في هذا الإطار، أنه حتى المغرب ربما قُويض بالاعتراف بسيادته على الصحراء لكي يوقع اتفاق أبراهام؟
ج: قضية الصحراء في المغرب دامت نصف قرن وكان لها كلفة، ولا أقصد الكلفة المادية؛ لأن ما تمّ إنجازه يعكس وجه التنمية في أقاليمنا المغربية، وهو شيء يفرحنا كثيراً.
قصدي بالكلفة هو نوع من الضغط يمارَس على المملكة لمدة 50 سنة، خصوصاً أن كل من يريد مقايضة هذا البلد ونظامه يفعل ذلك عن طريق قضية الصحراء ويُزايد علينا بهذه القضية، سواء من الأقارب أو المستعمر السابق أو الاتحاد الأوربي أو غيرهم.
بالتأكيد أن الإعلان عن ذلك التوقيع تزامن مع الإعلان عن قرب فتح قنصلية أمريكية في الداخلة (لم تفتح إلى اليوم)، وهو ما يبين بالفعل أن الأمر له علاقة بقضيتنا الوطنية. وبالتالي كانت كل هذه الأمور هي التي برّرت للمغرب التوقيع على الاتفاق (مع إسرائيل والولايات المتحدة).
لكن نحن قلنا وما زلنا نقول إننا لا ننتظر أحداً لكي يدعمنا في قضية صحرائنا المغربية، ونحن كمغاربة مستعدون للتضحية بدمنا من أجل صحرائنا إذا اقتضى الحال، لأنّنا لا يمكننا أن نترك إخواننا في الصحراء أو نخذلهم.
فالمغاربة ليسوا محتاجين لأي جهة كانت، سواء إسرائيل أو أمريكا لكي تدعمنا، ولكن في المقابل؛ يجب ألا ننسى أن هناك نظاماً دولياً تخضع له جميع الدول، إضافة إلى أن الدولة المغربية لها تقديراتها، ورغم ذلك لدينا يقين بأن المملكة ليست “سمناً على عسل” مع نظام الصهاينة.
س: هل يعبر عن ذلك الموقف المغربي الرسمي في ظل استمرار المجازر التي يرتكبها الاحتلال في حق الفلسطينيين؟
ج: بالتأكيد، مسار المغرب في إعادة فتح العلاقات مع الكيان الصهيوني متميز على مسارات البلدان العربية الأخرى، وهذا تُرجم على مستوى البيانات التي وردت عن الديوان الملكي أو الدبلوماسية المغربية والتي تؤكد أنه لا يمكن التخلي عن القضية الفلسطينية وعن القدس.
خصوصاً أن جلالة الملك هو رئيس لجنة القدس، وأن المغاربة كانوا وما زالوا يعتزون بأن لديهم “حارة المغاربة” و”باب المغاربة” بالقدس، وشاركوا في جميع الحروب التي دارت لاسترجاع القدس واسترجاع الأقصى.
كما أن المغاربة والشّعب المغربي ما فتئوا يخرجون صفاً واحداً على اختلاف أطيافهم وتياراتهم إلى الشّارع لمناصرة القضية الفلسطينية، دون أن ننسى أنه رغم التوقيع على الاتفاق المشؤوم، فقد استقبل المغرب قيادات أساسية من المكتب السياسي لحركة حماس.
ولحد الساعة، المغرب يتبرأ من كل الأفعال التي يقوم بها العدو الصهيوني في غزة خاصة وفي الضفة الغربية وفي كامل فلسطين. لكن في تقديراتنا، نحن ننتظر أكثر ونرجو أكثر، وبشكل أساسي أن يتم التكفير عن ذلك التوقع، وأن يتم التراجع عن كامل الاتفاقيات.
لقد اتضح الآن أنه لا يُشرِّف المغاربة أن تكون لنا علاقة مع جنس من هذا النوع؛ يعتبر قتل الأطفال هو أعظم القربات! واليوم جاءت محكمة العدل الدولية لتؤكد أن الذي يحدث في غزّة إبادة جماعية لشعب عربي مسلم أصيل؛ لأهل الأرض وملاكها وسكانها الأصليين.
س: يوجد في المغرب اليوم نقاش واسع حول تعديل مدونة الأسرة. لماذا يثار دائماً في نظركم الجدل الواسع حول هذا القانون الذي يهم الأسرة المغربية؟
ج: لعل السبب بسيط في حقيقة الأمر، بالعودة إلى التاريخ؛ المغرب كان دائماً دولة مسلمة منذ قرون، وكانت جميع قوانين البلد تسير وفق الشريعة الإسلامية، إلا أنّ فترة الاستعمار كانت فارقة.
وهذا الاستعمار، الذي سمى نفسه “حماية”، اعتبر أن وضع قوانين مدنية في المغرب من دور الحماية في تطوير البلد، وفعلاً تم إحداث مجموعة من القوانين على المستوى الجنائي وعلى المستوى التجاري والاقتصادي والسياحي وغيرها…
وفي أواخر عهد الملك الراحل محمد الخامس، كان التفكير في أن تتحول مدونة الأحوال الشخصية إلى قانون مدني، لكن ذلك لقي اعتراضاً من السلطان المغربي، ودعمه في ذلك العلماء، رافضين بشكل قطعي أي تغيير للمدونة.
وفي الوقت نفسه الاستعمار ترك خلفه نخبة مستلَبة بثقافته، ابتعدت بشكل كبير جداً عن أصولها، خاصةً أصولها الدينية والإسلامية، ثم بدأ هذا الاختلال والسماع من حين لآخر عن كلام حول مراجعة مدونة الأحوال الشخصية لتصبح مدونة الأسرة وهو ما حدث بالفعل سابقاً في عام 2004، واليوم كذلك بدأ الحديث عن التعديل، كأن هذا الأمر سيُعتمد كل 20 سنة، بالنظر إلى تطور المجتمع وتطور نظام القضاء.
ونحن كحركة مجددة ليس لدينا أي إشكال في تعديل المدونة، لكن بشرط أن نحافظ على ما توارثناه للأجيال المقبلة، ونرفض أن تكون الأسرة المغربية على النموذج الغربي الموجود اليوم، على أساس أن تعيش امرأة ورجل مثلاً تحت سقف واحد بدون زواج، وإن كان بينهما التزام.
ليست هذه هي الأسرة التي نريدها نحن لأولادنا والتي يريدها المغاربة لأولادهم، بل الكل اليوم يبحث في نموذج الأسرة المغربية وفي هذه العلاقة المتينة بين الأبناء والآباء والأمهات والأجداد وكيف تستمر، ولذلك نحن نطالب بالحفاظ على هذه الأسرة بالحفاظ على المرجعية الدينية في مدونة الأسرة.
ليس لنا أدنى أي مشكل في المساطر، ولا مشكلة لدينا مع أي شيء ليس له علاقة بالمرجعية الدينية وبالكتاب والسنة وبالحلال والحرام. ولذلك جلالة الملك من موقعه كأمير للمؤمنين وهو المسؤول عن مدونة الأسرة، كان واضحاً عندما حدد السقف في أنه لن يتم تحليل حرام أو تحريم حلال، بل الأكثر من ذلك كلف هيئة بهذا الأمر دون أن يكون بين أعضائها علماء شرعيون، لأنها في آخر المطاف لن تحل ولن تحرم.
وفي هذا الإطار قدمنا مشروعنا وهو مذكرة حركة التوحيد والإصلاح لمراجعة مدونة الأسرة، وكان لنا الشرف أن تم استقبالنا من الهيئة التي كلفها جلالة الملك، وعرضنا المشروع بشكل جيد، وفي بعض القضايا طلبوا منا أموراً تفصيلية، وقررنا أن نعمل فيها مذكرة تفصيلية ونبعث بها.
س: ما هي أهم النقاط التي جاءت بها المذكرة التي طرحتموها لتعديل المدونة؟
ج: قدّمنا لمذكرتنا بمقدّمات أساسية ومحدّدات منهجية، لكي يفهم قارئ المذكرة أن ذلك هو المنهج المتبع في تعديل المدونة. وبطبيعة الحال هنا، كل ما يتعلق بالشريعة الإسلامية والدستور المغربي؛ لأنه لا يعقل أن نُخرج مدونة تخالف أسمى قانون في البلاد، إضافة إلى التوجيهات الملكية ومضامين المدونة السابقة نفسها.
ثم في الأمور التفصيلية، لا يمكن أن نقبل اليوم من هيئة ما أن تقترح تعريفاً للأسرة بالمدونة يخالف الدستور؛ من قبيل ما بلغنا عن إحدى الهيئات أنها تعرّف الأسرة على أنّها أشخاص، (دون تحديد الجنس)، يجمع بينهم الزواج أو القرابة أو الالتزام.
وهذا يعني أنه لن يكون هناك كلام عن فساد أخلاقي أو “زنا” أو خيانة زوجية، وهو ما يعني أنه حتى القانون الجنائي، الذي تم سحبه مؤخراً قبل المصادقة عليه، سينزع منه التنصيص على عقوبات الزنا والخيانة الزّوجية والفساد الأخلاقي..
وبطبيعة الحال نحن لن نسير في هذا المنحى، لأننا في قضية الأسرة لن نقبل بديلاً عن الأسرة المغربية، يكون فيها الزواج بين رجل وامرأة دون أي موانع شرعية.
في مسألة الأسرة هذه، لن نقبل أبداً بأسرة بين “شواذ” أو “متعددة”. هذا الأمر لا نقبله لأنفسنا اليوم، ولن نقبله للأسرة المغربية ولأبنائنا وأحفادنا غداً.
توجد أيضاً مسألة الإرث وهي قطعية، وقد فُصّل في القرآن الكريم بكامل فرائضه في عدد من السور والآيات. ولا يمكن أن نقبل اليوم مقترحاً للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وغيره، يرى أن نتحول إلى “الوصية”، بأن يكون الإنسان حراً في أن يوصي بتركته لمن أراد، وأن تزول منظومة الإرث.
وكان الاختلاف أيضاً في سن الزواج، أو زواج من هم دون الأهلية القانونية. بعض الجهات تسعى إلى تجريم هذا الزواج وتتحدث عن زواج الطفلات.
نحن أبناء المجتمع المغربي، ولسنا موجودين فقط في الأحياء الراقية للمملكة، ونحن نرحب بأن تكون سن الزواج 18 سنة، بل نعتبر أن هذه هي السن المناسبة. لكن يجب الحفاظ على ذلك الاستثناء للسُّلطة القضائية في تزويج من هم دون هذه السن، خصوصاً أنه في المدونة محصن من طرف القاضي. وقد ذهبنا لأبعد مما كان في المدونة السابقة، بأن نفرض على القاضي الاعتماد على الخبرة الطبية وتقرير المساعدات الاجتماعيات.
س: هل جمعكم كحركة دعوية مؤخراً تنسيق بجماعة العدل والإحسان في سياق تعديل المدونة؟
ج: استلمتُ رئاسة الحركة سنة 2022، ولكن كنت عضواً بالمكاتب التنفيذية السابقة، وكان دائماً بيننا وبين إخواننا في “العدل والإحسان” تواصل، نستضيفهم من حين لآخر ويستضيفوننا، ونعرف أخبارهم ويعرفون أخبارنا.
لكن، تنسيق بمعنى أن نجتمع على موضوع ونكوّن فيه رؤية مشتركة، إلى حد الآن لم يحصل. ما حصل هو أن لدينا لجنة في الحركة تشتغل منذ ثلاث إلى أربع سنوات على موضوع الأسرة، وأنجزت مشروعاً باسم “الأسرة مودة ورحمة، رسالة ومسؤولية”.
وتبين أن جماعة العدل والإحسان عندها مشروع يشتغلون عليه في لجنة خاصّة، وتواصلوا معنا في إحدى المحطات، واقترحوا أن تجلس اللجنتان معاً؛ فعرضت كل واحدةٍ مشروعها، وتبين فعلاً أن هناك تقارباً كبيراً جداً مع اختلاف في بعض الأمور.
لكن ليس هناك تحالف بيننا ولا أي تنسيق، فالإخوة في “العدل والإحسان” لهم توجههم واختياراتهم، وحركة التوحيد والإصلاح الشيء نفسه، ونادراً ما تكون هناك لقاءات بيننا، اللهم إلا لما تجمعنا بعض الوقفات أو المَسيرات كما تجمعنا مع جميع الأطياف الأخرى.