أضحية عيد الأضحى بين التكليف والتكافل – عبد الحق لمهى
الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، أنزل الوحي وبين فيه ما يحتاجه الناس من أمور دينهم ودنياهم، وأرشدهم إلى الاهتداء به فقال عنه في كتابه العزيز “ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ “[1]والصلاة والسلام على من كانت سنته وسيرته نبراسا يهتدى بها في كل الأحوال، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره ومنهجه إلى يوم الدين.
وبعد،
بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك لهذه السنة التي شهدت ما شهدت من الاضطرابات عالميا ومحليا. ارتأيت عرض بعض الأحكام الشرعية ذات الصلة بأضاحي العيد وفق المذهب المالكي مذهب المغاربة، من خلال” كتاب مدونة الفقه المالكي وأدلته” [2]تذكيرا لنفسي ولعموم المكلفين من المسلمين، الذين يتعبدون الله بشريعة الإسلام وهديه. ولست في ذلك كله مفتيا.
وقبل هذا العرض أقول هل تعتبر أضحية العيد واجبة وجوبا لا يقع إسقاطه على المكلفين بأي حال من الأحوال؟ خاصة مع ما عاشه الناس من الاضطراب الاقتصادي بسبب جائحة كورونا المستجد في المغرب تحديدا. هل للأضاحي حكم شرعي واحد فقط يعم كل الناس على اختلاف درجاتهم في الكسب أو الدخل اليومي أو الشهري …؟
تلك الأسئلة وغيرها مما يتعلق بموضوعنا، سنحاول تقريب الإجابة عنها من خلال تعريف الأضحية، وبيان حكمها وبعض شروط صحتها ومندوباتها ومكروهاتها.
1 ـ الأضحية:
“هي ما يذبح أيام عيد الأضحى من الأنعام تقربا إلى الله تعالى، وقد شرعت الأضحية في السنة الثانية للهجرة.”[3]
2 ـ حكمها:
“الأضحية سنة مؤكدة من سنن الإسلام للقادر عليها، الذي لا تجحف بماله، أما من تجحف بماله وتؤثر على نفقته، ويحتاج إلى صرف ثمنها أثناء السنة، فلا يطالب بها، قال تعالى “ “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ” [4]“[5].
“وأصل التقرب إلى الله بالذبيحة يرجع إلى ما أخبر به القرآن في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما رأى في المنام أنه يذبح ابنه، وقد كافأه الله تعالى حين صدق الرؤيا وأراد التنفيذ، وأسلم ابنه للذبح فناداه عز وجل: “أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ” [6]“[7]
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين[8]، وقال عبد الله بن عمر عن الأضحية: ” هي سنة ومعروف”، ويدل على عدم وجوبها أنه قد نقل عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما تركها في بعض الأوقات، خوف اعتقاد الناس وجوبها.” [9]
وقال مالك: “الضحية سنة وليست بواجبة، ولا أحب لأحد ممن قوي على ثمنها أن يتركها”[10]
يفهم مما ذكر عن حكم الأضحية أنها ليست واجبة وجوبا لا يمكن أن يسقط عن المكلفين بأي سبب، بل في الأمر متسع لمن كان قادرا عليها أخرجها ومن لم يقدر سقطت عنه، وفي ذلك كله رفع للحرج على كثير من الناس اليوم ممن تعوزهم الظروف الاقتصادية والاجتماعية عن اقتناء أضحية العيد، وإن كان بعض الناس تحكمه عادات المجتمع لا أحكام الدين فيقوم بالاقتراض من أجل توفير الأضحية، مع أن الشرع أعفاه من هذا الأمر فلا يضيق على نفسه بعد أن وسعت عليه الشريعة الإسلامية بما شرعته من أحكام اليسر ورفع الحرج.
3 ـ شروط صحة الأضحية:
ومنها:
ـ السلامة من الاشتراك في الثمن:
“من شروط صحة الأضحية عدم الاشتراك في ثمنها أو في لحمها، فإن وقع الاشتراك في شيء من ذلك بين اثنين أو أكثر، فلا يجزي عن واحد من الشركاء، لأن النسك لا يتبعض، قال مالك في الموطأ:“وإنما سمعنا الحديث أنه لا يشترك في النسك”[11]“[12].
الاشتراك في الأجر:
“يجوز الاشتراك في الأجر بأن يشتري شخص واحد الأضحية، وينوي عند الذبح إدخال غيره معه في الثواب، فتكفي الأضحية عن كل من نواه معه، ويسقط طلبها عنه وعن كل من أدخلهم معه، ولو كانوا أكثر من سبعة بالشروط الآتية:
1ـ أن تكون الشركة في ثواب الأضحية، لا في ثمنها، بأن يدفع واحد ثمنها، ويشرك الآخرين في الثواب.
2 ـ أن يكون من نوي إدخالهم في الثواب يسكنون مع صاحب الأضحية.
3 ـ أن يكونوا من قرابته كولده وأخيه وعمه، ويجوز أيضا إدخال الزوجة معه لأن الزوجة وإن لم تكن من قرابة الزوج، فإن صلتها بالزوج أعظم من صلة القرابة.
4 ـ أن يكونوا ممن ينفق عليهم صاحب الأضحية، وجوبا كالولد والزوجة أو تطوعا كالأخ والعم، ففي الموطأ: ” ما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعن أهل بيته إلا بدنة واحدة” [13]
” هذه الشروط لابد منها إذا كان صاحب الأضحية يريد أن يدخل نفسه مع غيره في ثواب الأضحية، أما إذا كان صاحب الأضحية يريد أن يتبرع بثوابها لغيره دون أن يدخل نفسه معهم، فإنها تجزي عنهم من غير قيد ولا شرط، فللإنسان أن يضحي عن فقراء بلده، أو فقراء المسلمين جميعا من غير أن يدخل نفسه معهم، فقد جاء في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، فقال عند الأول: عن محمد وآل محمد، وعن الثاني: عمن آمن بي وصدقني من أمتي.[14]
وإذا ذبح إنسان أضحية عن جماعة سقط عنهم حكم الأضحية، ولكن لحم الشاة باق على ملكه وله أن يحبسه.”[15]
4 ـ المندوبات العامة للأضحية والمضحي:
ومنها:
الجمع فيها بين الأكل والإهداء:
يندب للمضحي أن يجمع بين الأكل من الأضحية والصدقة والإهداء، دون تحديد بثلث أو غيره، ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى في أول الأمر عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث(أيام)، ثم أذن، وقال:” فكلوا وادخروا وتصدقوا” [16]وقال تعالى: “فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ”.[17]
5 ـ المكروهات:
ومنها:
ـ ” يكره التغالي والمبالغة في ثمن الأضحية، وكذلك الإكثار من عدد الضحايا خوف المباهاة بها والمفاخرة، وفي الموطأ من حديث أبي أيوب، قال: كنا نضحي بالشاة الواحدة، يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهى الناس بعد، فصارت مباهاة” [18] فإن تحقق الانسان من نفسه عدم المباهاة، وخلص القصد إلى الثواب بزيادة عدد الأضاحي أو التغالي في ثمنها كان ذلك محمودا، فان استفراه الأضحية مستحب إذا خلصت النية لقوله تعالى” وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ” [19]” [20]
ـ” إبدال الأضحية بعد شرائها بشاة أقل منها، لأنه رجوع في شيء نوي به التقرب إلى الله، فمن أراد أن يبدل الأضحية لا يبدلها إلا بخير منها، ولذلك فلا بأس أن يشترك جماعة في شراء شياه أضاحي يقتسمونها بعد الشراء، وذلك إذا استوت الشياه في الجودة والسمن، ويكره لهم ذلك إذا تفاوتت الشياه، لأن بعضهم عند القسمة سوف يأخذ الأدنى بدل الأجود في الأضحية.
وإذا اختلطت الأضاحي بعد الذبح ولم يعرف الشخص أضحيته من أضحية غيره فليأخذ كل واحد أضحية ويتراضى مع غيره، وتجزيه وله أكلها.”[21]
من خلال عرض الأحكام السالفة الذكر يمكن استخلاص ما يلي:
ـ أن الأضحية ليست في درجة الواجبات العينية التي إن لم يفعلها المكلف كان آثما، وإنما هي سنة ومعروف يؤجر صاحبها ولا يعاقب تاركها ما دامت سنة مؤكدة.
ـ أنها قربة إلى الله تعالى فيحسن بمن أراد أن يقدمها اختيار أفضلها وأجودها دون مغالاة ومباهاة. وحري بالمؤمن أن يعض على هذا الأمر حتى يدرك الخيرين معا أكل لحوم الاضحية والتلذذ بها، والفوز بالأجر والثواب من الله تعالى.
ـ في الاشتراك في أجر الأضحية رفع للحرج على كثير من الناس ممن لم يستطع توفير أضحية العيد. وفي ذبح الاضحية والتبرع بثوابها إدخال للسرور والبهجة على الفقراء والمحتاجين، مما يقوي الروابط الأخوية بين المسلمين بعضهم بعضا.
ـ في الإهداء من الأضحية تحقيق لمبدأ التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع وهذه قيمة قل أن تجدها بين الأمم.
إن من شأن فقه تلك الأحكام الشرعية السالفة الذكر والاجتهاد في العمل بمقاصدها، تحقيق كثير من التيسير ورفع الحرج الذي قد يقع فيه الناس بسبب سوء فهمها والحرص على استبدالها بما جرت به العادة في المجتمع من ضرورة توفير الأضحية بكل وسيلة مشروعة وغير مشروعة، قد تكلف صاحبها من الديون وتثقل كاهله بها مما لم يقل به الشرع.
تلك بعض الأحكام المتعلقة بأضحية العيد عرضتها للقراء، من خلال بعض كتب الفقه المالكي تحديدا، بهدف العمل بها على قدر المستطاع. والله المستعان.
هوامش:
[1] ـ البقرة، 185.
[2] ـ يقول عنه فريد الانصاري رحمه الله “وهذا الأخير من اجود الكتب المعاصرة في الفقه المالكي مادة ومنهجا” انظر مفهوم العالمية من الكتاب الى الربانية، فريد الانصاري، دار السلام، الطبعة الأولى، 1440ه ـ 2009 م، ص 159.
[3] ـ مدونة الفقه المالكي وأدلته، الصادق بن عبد الرحمان الغرياني، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1429ـ 2008، الجزء الثاني، ص 185.
[4]ـ الكوثر، 2.
[5] ـ مدونة الفقه المالكي وأدلته، مصدر سابق، ص 185.
[6] ـ الصافات، 107.
[7] ـ مدونة الفقه المالكي وأدلته، مصدر سابق، ص 185.
[8] ـ البخاري مع فتح الباري 12/114.
[9] ـ مدونة الفقه المالكي وأدلته، مصدر سابق، ص 185.
[10] ـ كتاب الموطأ، مصدر سابق، ص 298.
[11] ـ كتاب الموطأ، للإمام مالك، مصدر سابق، ص 298.
[12] ـ مدونة الفقه المالكي وأدلته، مصدر سابق، ص 190 .
[13] ـ كتاب الموطأ، الامام مالك، مصدر سابق، ص 298.
[14] ـ عزاه في عون المعبود 8/4 لابن ابي شيبة، وانظر نصب الراية 4 /210 ….
[15] ـ مدونة الفقه المالكي وأدلته، مصدر سابق، ص 190ـ 191.
[16] ـ مسلم 3/1561.
[17] ـ الحج، 28
[18] ـ كتاب الموطأ، الامام ماك، مصدر سابق 297.
[19] ـ الصافات، 107
[20] ـ مدونة الفقه المالكي وأدلته، مصدر سابق، ص 196.
[21] ـ مدونة الفقه المالكي وأدلته ، مصدر سابق، ص 197.