أحداث حي الشيخ جراح استمرار لصراع بدأ ولمّا ينتهِ بعد – عدنان أبو عامر
تجدد الأحداث الدائرة هذه الأيام في مدينة القدس المحتلة عموما، وحي الشيخ جراح خصوصا، الحديث عن تطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المدينة المقدسة، سواء بالإشارة لترسيخ مطالب الفلسطينيين بحقوقهم التاريخية فيها، وهو ما تثبته الحقائق السياسية والمعطيات الواقعية، مقابل الأطماع الإسرائيلية فيها، وما يمكن وصفها “خارطة طريق” يتبناها صانع القرار السياسي لدى الاحتلال لتحقيق هدفين لا ثالث لهما، أولهما رفع مستوى التواجد اليهودي فيها، وثانيهما تخفيض التواجد الفلسطيني إلى أدنى حد ممكن.
لقد كشفت أحداث حي الشيخ جراح عن مخاوف تزعمها الأوساط الإسرائيلية عما تعتبره التغير الديموغرافي، والواقع الجيو-سياسي في غير صالح المستوطنين، والتشديد على تأثيرهما المتوقع في واقع القدس الحالي، ومستقبلها السياسي، وطبيعة الترتيبات المستقبلية حولها.
مع العلم أن ما يقوم به الاحتلال والجماعات الاستيطانية تجاه الأحياء الفلسطينية في القدس يتركز أساساً في البعد الديموغرافي، تمهيدا للسيطرة المحكمة على المدينة، وتوفير احتياجات اليهود للمزيد من الشقق السكنية، وتسوية مشكلة الأراضي القائمة، وعدم تنظيم وضعها القانوني، باستحضار عدد من التبعات والإشكاليات التي تواجه الاحتلال في هذه القضية.
إن إلقاء نظرة على المخططات الإسرائيلية الهادفة للسيطرة على المدينة المقدسة، وما تشكله أحداث حي الشيخ جراح من إشارات لافتة، تتعلق بتهجير الفلسطينيين، وتوسيع المخططات الاستيطانية، ودور الحكومة الإسرائيلية في تطبيق ذلك، يؤكد أن الاحتلال يجد صعوبة حقيقية في فرض سيطرته داخل حدود المدينة.
يبدو لافتا خلال أحداث حي الشيخ جراح، استحضار تصريح شهير أعلنه “دافيد بن غوريون” ذات يوم بقوله إنه “يجب جلب اليهود للإقامة في مدينة القدس بأي ثمن، وتوفير أغلبية يهودية عددية فيها خلال زمن قصير، ما يتطلب منهم الموافقة على السكن فيها في أي منازل مؤقتة، وعدم انتظار الشقق الجاهزة”.
اللافت أكثر هو سعي الجمعيات اليهودية للحصول على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي في القدس لبسط سيطرتها عليها، ومنحها لليهود في وقت لاحق، دون خشية من ردة الفعل الدولية على خطوات قد تعتبر سياسية على أراضٍ محتلة خلف الخط الأخضر، بجانب اكتشاف حالات تزوير عديدة لبيع أراضٍ في القدس.
فضلا عن ذلك، فإن ما تشهده الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة يتزامن مع صدور عشرات القرارات التي اتخذتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والعديد من اللجان الوزارية لشؤون القدس، وطواقم من الخبراء، ولجان مهنية متخصصة لدراسة وضع المدينة، وكلها أوصت بوضع العديد من الخطط المختلفة لوقف ما سمته “النزيف” اليهودي الحاصل في المدينة، وتشجيع أكبر نسبة ممكنة منهم للبقاء فيها، على حساب المقدسيين، أصحاب الأرض الأصليين.