“التوحيد والإصلاح” تختتم الملتقى الوطني الأول لمسؤولي الهوية والقيم والعمل المدني بعد عروض دسمة ونقاشات غنية
اختتمت بعد ظهر يوم الأحد 28 ماي 2023 أشغال الملتقى الوطني لمسؤولي الهوية والقيم والعمل المدني لحركة التوحيد والإصلاح بمركب التكوين بالرباط.
وعرفت فعاليات اليوم الختامي من الملتقى التي ترأس أشغالها الأستاذ محمد عليلو مسؤول قسم الهوية والقيم والعمل المدني، تقديم أربعة عروض دشنها الأستاذ رشيد العدوني النائب الأول لرئيس حركة التوحيد والإصلاح بعرض في موضوع “رؤية العمل المدني”.
العدوني يستعرض رؤية حركة التوحيد والإصلاح للعمل المدني
تطرق العدوني في عرضه إلى مسار تطور العمل المدني عند الحركة على مستوى الوثائق والتصورات، ومستوى التخصصات، والمستوى العملي.
ولفت إلى أن التطور على المستوى العملي لهذا المجال تميز بأمرين مهمين، أولهما طبيعة الممارسة والحضور والمقاربة التي عرفت مرحلتين أساسيتين، مرحلة ما قبل 2011 وهي مرحلة اتسمت بالتدافع في قضايا الهوية والقيم والحركة كانت فاعل أساسي في هذا التدافع، ومرحلة بعد 2011 التي شهدت اعتماد العمل المدني كمجال استراتيجي.
وركزت الحركة خلال المرحلة الثانية جهودها في جانبين أساسيين جهود الحركة الترافعية من أجل الدستور وتمثلت في جهودها في القضايا الثقافية وقضية الأمازيغية، مرورا بقضايا التعليم والنموذج التنموي والتي صاغت فيها الحركة عددا من المذكرات الترافعية. والجانب الثاني جهود الحركة في المساهمة في تأسيس الائتلافات المدنية.
وتناول العدوني في مداخلته المنطلقات والأسس الفكرية التي ارتكزت عليها الحركة في رؤيتها للعمل المدني من خلال عدد من المقولات المعروفة كأصالة العمل المدني في المجتمع الإسلامي ومركزية الاختيار الحضاري في العمل الإسلامي، والإسهام في إقامة الدين وإصلاح المجتمع.
وأبرز نائب رئيس الحركة مقاصد العمل المدني من خلال المقصد العام المتمثل في الإصلاح والمقاصد الأساسية، والتي تكمن في دعم فاعلية المجتمع في الإصلاح، وتعزيز المبادرة المجتمعية، ودعم جهود الوساطة بين المجتمع والدولة والإسهام في تحقيق الديمقراطية التشاركية، وتعزيز التعارف الإنساني والإسهام في دعم القضايا العادلة.
كما تطرق العدوني إلى الخصائص المنهجية للعمل المدني عند الحركة أولها الرسالية والمواطنة الإيجابية ثم الوساطة والقرب من المواطنين وأيضا الاستقلالية والحكامة الجيدة.
البراهمي: تقرير القيم أكد على عمق قيم المغاربة
قدم محمد البراهمي مسؤول قسم الدعوة والعمل الثقافي قراءة في الدراسة الميدانية الصادرة عن مجلس النواب حول “القيم وتفعيلها المؤسسي: تغيرات وانتظارات لدى المغاربة”مؤكدا على أهمية هذه الدراسة من خلال موضعها والجهة التي قامت بها والخلاصات والملاحظات التي أسفرت عنها.
واستعرض البراهمي في عرضه طبيعة الدراسة ومصادرها التي جمعت بين ثلاث مقاربات ميدانية ووثائقية كمية وكيفية، والأرقام والمعطيات التي تضمنتها والتي ركز فيها على مجالات ذات صلة بعمل وتوجهات الحركة؛ وهي الأسرة والإعلام والمدرسة ومعطيات متفرقة متعلقة بالثقة في المؤسسات والعلاقة مع الإدارة والحقوق والحريات، والخلاصات والملاحظات التي تناولتها.
وذهب البراهمي في ملاحظاته حول الدراسة إلى أن ملامح الخيبة من المعطيات المتوصل بها واضحة، حيث جاء في خلاصة بالتقرير أن هناك عوامل مقاومة تتجلى في التمثلات والأفكار الرافضة باسم الحفاظ على التقاليد والهوية وأزمة النماذج المعيارية.
و سجل المتحدث غياب تسويق إعلامي قوي لخلاصات التقرير من طرف البرلمان والهيئات السياسية والمدنية والإعلامية المتحكمة في المشهد. كما تم اقحام معايير ومؤشرات لا تدل على “الحداثة” بمفهومها الفلسفي الذي يرجوه من أعد الخلاصة وقرأها، بل هي قيم لا تتعارض مع القيم المرجعية.
ويؤكد هذا المعطى حسب البراهمي الإشارة إلى أن المجتمع المغربي يتجه نحو تبني قيم الحداثة دون التخلي عن قيمه الموروثة والأصيلة، وأن هذه مرحلة انتقالية طبيعية “من التقليد إلى الحداثة”.
وذهب المتحدث إلى أن القيم الحداثية التي يتحدث عنها أصحاب التقرير “قيم الحرية والعدل والمساواة والإنصاف والعمل ..” هي قيم إنسانية إسلامية أصيلة، مما يؤكد أن المجتمع المغربي متشبث بقيمه الأصيلة المترسخة بتعبير التقرير نفسه في معتقداته الدينية ونسيجه الثقافي.
وخلص البراهمي في مداخلته إلى أن التقرير برمته جاء مخالفا لانتظارات النخبة التي تروج لمفاهيم الحداثة والفردانية، ومقاربة النوع والمساواة بمفاهيم ومؤشرات وتمثلات لها حمولة قيمية مرجعية، كما يؤكد التقرير عمق المرجعية القيمية في تمثلات المغاربة وتصرفاتهم وتطلعاتهم، وفي بنية علاقاتهم ومؤسساتهم رغم ما يشوبها من تشوهات راجعة لخلل في بنية التصرفات لا في بنية التصورات.
و نبه عضو المكتب التنفيذي للحركة إلى أن التقريرحمل مؤشرات مهمة على طبيعة التحديات التي ينبغي على الفاعل الإصلاحي الانتباه لها، وإيلاء العناية لها في برامجه ومشاريعه الإصلاحية، كما يؤكد على صوابية الاختيارات والتوجهات التي اختارتها الحركة موجهة لمشاريعها الاصلاحية، من حيث مجالات التدافع (قضايا القيم) ومن حيث المؤسسات (مؤسسة الأسرة/التعليم/الإعلام).
العمراني: للمجتمع المدني دور في التوعية باهمة الرقمنة
و ألقى بالمناسبة الأستاذ سليمان العمراني المتخصص في قضايا التحول الرقمي كلمة أكد فيها على أن المجتمع المدني أصبح مكونا أساسيا بعد دستور 2011 لكن ينبغي في المقابل التساؤل حول الكسب التنموي الذي قدمه وهو سؤال يتعلق أيضا بمختلف مؤسسات الوساطة.
وأشار العمراني في عرضه حول موقع جمعيات العمل المدني في التحول الرقمي إلى أن رهان الدولة في هذا المجال، ينظر إليه البعض من جهة التحديات والتهديدات والبعض الآخر ينظر إليها من جهة الفرص والإيجابيات، داعيا إلى النظرة المتوازنة لاستثمار الفرص في هذا التحول الرقمي ووضع آليات لمواجهة المخاطر والتحديات.
وأكد عضو مجلس شورى حركة التوحيد والإصلاح أنه لا يمكن تنجح رهانات رقمنة خدمات الدولة ومؤسساتها دون أن تسعى لرقمنة المجتمع، لأن المواطن هو من يترجم هذه الرقمنة ويثمنها، وهذا ما برهنت عليه أزمة جائحة كوفيد التي قدمت درسا يجب الاستفادة منه خصوصا وأننا عدنا إلى النمط السابق.
الصمدي: نقاش الكونية والخصوصية حسم في إطار إمارة المؤمنين وثوابت الأمة
قال الدكتور خالد الصمدي الخبير التربوي وأستاذ التعليم العالي، إن الاشتباك في نقاش الكونية والخصوصية تم حسمه في تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي تم المصادقة عليه بالإجماع داخل المجلس بأربع كلمات وهي “كونية القيم وخصوصية مفاهيمها” أي أن المفهوم الذي يجب أن نشتغل عليه يجب أن يكون منسجما مع خصوصية البلد.
وأوضح الصمدي في عرضه الموسوم بـ”خريطة القيم في القرآن الكريم” أن القيم تم إدماجها في المؤسسات التعليمية خصوصا في مشروع تكوين المدرسين، وهناك وحدات خاصة بالقيم وهذا يعني أن بلادنا تولي أهمية للموضوع وهناك فتح لشراكة المؤسسات مع المجتمع المدني.
ودعا أستاذ التعليم العالي إلى تغيير المقاربات والاشتغال على استثمار كل الطاقات وتحريكها في مجال القيم، مشيرا إلى أن عددا من المسؤولين يحسون بثقل المسؤولية لكن هناك عشرات من الفرص ينبغي استثمارها والميزة اليوم أصبحت هي التربية وليس التعليم .
و استشهد المتحدث بمشروع إدماج مواد وقيم مدونة الأسرة في المناهج الدراسية التي جاءت بناء على دعوة ملكية في خطاب سامي، مشيرا إلى أن المعارك المختلقة حول مراجعة مدونة الأسرة هي مجرد تضليل خصوصا وأننا نشتغل في إطار إمارة المؤمنين وثوابت الأمة.
واستعرض الصمدي البنية المفاهيمية لهذه الخريطة عبر ثلاثيات استهلها بثلاثية (المعارف-المهارات-الوجدان) منبها إلى أنه من يشتغل على مواضيع القيم فهو يشتغل على الإنسان، وبالتالي جانب القيم يجب أن يهيمن على باقي المجالات من قبل المشتغلين على هذا المجال.
وأبرز الصمدي في الثلاثية الثانية (المفهوم-المؤشر-المرجعية) أن التدافع حول القيم يحتاج منهجية واضحة ودقيقة جدا، مؤكدا أن القيم كونية عالمية فطرية باتفاق الجمعي وبالتأصيل الشرعي والاختلاف يقع في المفهوم انطلاقا من اختلاف المرجعيات، حيث يقع في هذا الاختلاف التدافع ولا نتصور يوما مفهوما، وتؤكد المؤشرات معايير الصلاح والفساد، وعند وضع مؤشرات للقياس قابلة للملاحظة يمكن آنذاك أن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
وفي الثلاثية الثالثة على مستوى القياس في مجال القيم (مؤشرات معرفية-مؤشرات مهارية- مؤشرات وجدانية وانفعالية)، ذهب المتحدث إلى أن المؤشرات المعرفية سهلة التلقين ربما بالحفظ أحيانا، لكن المؤشرات المهارية تحتاج إلى التكرار وتصبح عادة والملاحظة في وضعيات مختلفة ومتعددة، وأن تكون في وضعيات طبيعية وليست متكلفة، منوها بأنه كلما كان مؤشر من هذه المؤشرات سليما كلما كان الأمر إيجابيا، وإذا كانت المؤشرات الوجدانية الانفعالية صحيحة فالمربي الذي يتشغل على القيم سيكون في الطريق الصحيح.
وتطرق الصمدي في الثلاثية الرابعة (القيم-الأخلاق-المبادئ) في خريطة القيم إلى مفهوم القيم التي هي معايير للحكم على المفاهيم والسلوكات والانفعالات والأخلاق التي هي تمثل الإنسان للقيم قربا أو بعدا ثم المبادئ حيث تصبح الأخلاق مبدأ غير قابل للتراجع ويصبح سيرورة دائمة.
وذهب الوزير السابق في قطاع التعليم العالي إلى وجود أربعة دوائر للقيم تنطلق من دائرة ذاتية وتمر بدائرة اجتماعية، ثم وطنية وتنتهي بالعالمية والكونية، والاشتغال على منظومة القيم في الدائرة الأولى يمر إلى الثانية من الأسرة بشكل سلسل وللمرور للثالثة يلعب المجتمع دورا مهما، ثم الدائرة الرابعة يكون للدولة دور مهم.
واختتم الصمدي بمداخلته بعرض ستة مراقي للقيم وعرض فيها مجموعة من التجارب الناجحة والتي تنطلق من الانتباه ثم الاهتمام فالتفاعل والاقتناع مرورا بالدفاع عن هذه القيم ونشرها.
ونظمت حركة التوحيد والإصلاح يومي السبت والأحد 27 و28 ماي 2023 الملتقى الوطني لمسؤولي الهوية والقيم والعمل المدني بمركب التكوين بالرباط وافتتح بكلمة توجيهية لرئيس الحركة الدكتور أوس رمّال فيها على أهمية الهوية والقيم في حياة الأمة المغربية، مسلطا الضوء على ما يعرفه هذا المجال من تحديات وصعوبات، بعد انتشار توجهات تهدف إلى النيل من الثوابت الوطنية الجامعة للأمة المغربية.
كما عرف اليوم الأول للمتلقى تقديم مصطفى الفرجاني عرضا حول قانون التبرعات. وقد أكد محمد عليلو رئيس قسم الهوية والقيم والعمل المدني أن الملتقى كان فرصة للحوار واستيعاب طبيعة مجال الهوية والقيم والعمل المدني والعلاقة التي تربط بينهم.
موقع الإصلاح