مؤسسة القدس الدولية تصدر تقريرها السنوي “حال القدس 2021: قراءة في مسار الأحداث والمآلات”
أصدرت مؤسسة القدس الدولية، الأربعاء 30 مارس 2022، تقريرها السنوي “حال القدس 2021: قراءة في مسار الأحداث والمآلات”، الذي يتناول أبرز التطوارت في القدس عام 2021 على مستوى مشروع التهويد ومقاومته والمواقف حيال ذلك، مستشرفًا المآلات والتطورات لعام 2022 مع جملة من التوصيات للجهات المعنيّة.
في التهويد، استعرض التقرير تطورات أبرز سياسات الاحتلال لتغيير هويّة القدس على المستوى الديمغرافي، حيث واصل الاحتلال الترويج لبناء الوحدات الاستيطانية بوتيرة عالية، وبلغ عددها 14549 وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة خلال عام 2021، في مقابل نحو 12 ألف وحدة استيطانية في عام 2020. وفي ما يتعلّق بالهدم، هدمت سلطات الاحتلال نحو 187 منشأة في القدس في عام 2021، من بينها 115 منشأة هدمت ذاتيًا تجنبًا للغرامات الباهظة، فيما استمر في عام 2021 تسليم أهالي الأحياء المهددة بالتهجير أوامر الهدم، من بينها تسليم 172 أمر هدم في سلوان. واستعرض التقرير تطوّرات مساعي الاحتلال لتهجير حي الشيخ جراح، ورفض أهالي كرم الجاعوني التسوية-الخديعة التي عرضتها محكمة الاحتلال والتي تقضي ببقائهم في منازلهم كـ “مستأجرين محميين”، في مقابل اعترافهم بملكية منظمة “نحلات شمعون”.
وسلّط التقرير الضوء على واقع الاعتقالات وأسرى القدس، فرصد تزايد نسبة اعتقالات المقدسيين بنحو 40% في عام 2021، مقارنة بعام 2020، وأشار إلى وجود قرابة 350 أسيرًا في سجون الاحتلال، من بينهم 48 طفلًا، و13 فتاة وامرأة، و42 أسيرًا يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد. إضافة إلى ذلك، أوقفت ما تسمّى “مؤسسة التأمين الوطني” التابعة للاحتلال التأمين الصحي ومخصصات التأمين لنحو 16 أسيرًا مقدسيًا.
وعلى مستوى التهويد الديني، فنّد التقرير واقع الاعتداء على الأقصى، وقال إنّ الاحتلال سعى في عام 2021 إلى تعويض ما عجز عن تحقيقه في عام 2020؛ بسبب تفشي جائحة كورونا وما نتج عن ذلك من تقييد لبعض مساراته التهويدية وأدواته المعتادة في الاعتداء على المسجد، ولا سيما الاقتحامات.
واستعرض التقرير المسارات الأساسية التي سلكها الاحتلال في عام 2021، لفرض مزيد من السيطرة على الأقصى، وشملت هذه المسارات تثبيت استراتيجية “التأسيس المعنوي للمبعد” خاصة في الأعياد اليهودية، وتحويل أداء الطقوس اليهودية المتصلة بـ”المعبد” إلى ثابت دائم، وتكثيف هذه الصلوات، وتحقيق مزيد من المكاسب عبر الشراكة بين المنظمات المتطرفة وأذرع الاحتلال الأمنية والسياسية والقضائية، ومحاولة الاستحصال على مزيد من القرارات التي تؤيد اقتحام المسجد وصلاة اليهود فيه، علاوة على الاستمرار في اقتحام المسجد في الأعياد الإسلامية كسلوك تصاعد بقوّة في عامي 2019 و2021، لا سيّما تحت ذريعة تزامن الأعياد العبرية مع تلك الإسلاميّة.
وفي الأرقام، رصد التقرير مشاركة 34112 مستوطنًا في اقتحام الأقصى عام 2021، بزيادة 84% مقارنة بعام 2020، من بينهم نحو 1540 مستوطنًا في “ذكرى خراب المعبد”، و5597 مستوطنًا في أسبوع “عيد العُرش” ما بين 20 و27 أيلول/سبتمبر. وأصدرت سلطات الاحتلال 357 قرار إبعاد عن الأقصى، ما شكّل ارتفاعًا بنحو 13.3% عن القرارات الصادرة في عام 2020، فيما وثّقت 30 حالة اعتقال لموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية وخاصة من الحراس والسدنة وموظفي لجنة الإعمار.
ولفت التقرير إلى اعتداء الاحتلال ومستوطنيه على المسيحيين والمقدسات المسيحيّة في القدس، ومن ذلك التضييق على المسيحيين الوافدين إلى كنيسة القيامة بالتزامن مع أول أيام عيد الفصح، واعتداء مستوطنين على رجال دين مسيحيين قرب كنيسة القيامة ومهاجمة رجال دين مسيحيين من كنيسة الأرمن الأرثوذكس والاعتداء عليهم بالضرب.
على مستوى المقاومة، بيّن التقرير أنّ المقاومة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين رسّخت نفسها أبرز عوامل إقلاق الاحتلال وزعزعة أمنه، وقد استمرّت في استهدف المستوطنين والمستوطنات، ضمن إطار مواجهة الاحتلال وتغوّله، والاستجابة لما تشهده القدس والمقدّسات من اعتداءات.
وأشار التقرير إلى أنّ المقاومة الشعبية والمسلّحة شكلت في عام 2021 نقطة مفصلية في الصراع مع الاحتلال، مع مشاركة كلّ الفلسطينيين في أعمال المقاومة التي انطلقت من القدس المحتلة ووصلت حتى الأراضي المحتلة عام 1948، وقد أسهم إطلاق المقاومة في قطاع غزة معركة “سيف القدس” في رفد هذه الهبة التي ساهمت هبة باب العمود في إطلاقها، لتشمل كلّ فلسطين التاريخية، وهي معطيات حقّقت بأنساقها الشعبية والمسلحة تحولًا استراتيجيًا، وألقت بظلالها على اقتصاد الاحتلال وقدرته على “الردع”.
وفي المعطيات، أشار التقرير إلى تصاعد عمليات المقاومة بنحو 68% مع ارتفاعها من 912 عملية عام 2020 إلى 1539 في عام 2021، وفق “الشاباك”. أمّا المعطيات الفلسطينية فأحصت نحو 10850 عملية، من بينها نحو 441 عملية مؤثرة، و2170 عملية في القدس المحتلة.
وعلى مستوى المواقف، بيّن التقرير أنّ الموقف الرسمي الفلسطيني كان عاجزًا في خطابه ومواقفه وأدائه، بالمقارنة مع حجم الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية على القدس والأقصى والمقدسات، بالتوازي مع استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال فيما دعت القوى والفصائل الفلسطينية إلى تصعيد المقاومة الشعبية والمسلحة لمواجهة مخططات الاحتلال في القدس والأقصى، واتفاقيات التطبيع، وكانت معركة سيف القدس التعبير الأبرز عن توافق خطاب المقاومة وأفعالها على الأرض.
إقرأ أيضا: أكثر من ألف مستوطن اقتحموا المسجد الأقصى خلال أسبوع |
وأشار التقرير إلى استمرار تراجع القضية الفلسطينية على مستوى اهتمام الدول العربية والإسلامية، مع تصاعد الانفتاح الخليجي على دولة الاحتلال، في حين تراوحت ردات الفعل الأردنية الرسمية على سياسة الاحتلال في القدس، بين بعض الجهود القانونية والدبلوماسية، وتصريحات الشجب والاستنكار.
أمّا على المستوى الدولي، فاستمرّ الفشل في توفير الحماية للمقدسيين ومقدّساتهم، ولم يتمكن مجلس الأمن من إصدار إعلان مشترك لوقف العمليات العسكرية في معركة “سيف القدس”، ولم يصدر عن الاتحاد الأوروبية أيّ إجراءات تردع الاحتلال عن اعتداءاته، فيما استمرّ انحياز الولايات المتحدة إلى دولة الاحتلال، وتجلّى ذلك خصوصًا في أثناء معركة “سيف القدس” مع تأييد واشنطن العدوان الإسرائيلي تحت عنوان “حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
وفي ما خصّ المآلات، رأى التقرير، استنادًا إلى مسار الأحداث في عام 2021، أنّ “منظمات المعبد” ستصعّد من مطالبها الرامية إلى فرض المزيد من التحكم بالأقصى وأبوابه، ومحاولة تحويل بعض هذه المطالب إلى حقائق على أرض الواقع، والاتجاه إلى تثبيت أداء الصلوات اليهودية العلنية في المسجد، وتصعيد أدائها في الأعياد اليهودية، بالتوازي مع سعي الاحتلال إلى مزيد من التدخل في دور الأوقاف الإسلامية.
ورأى التقرير أنّ سلطات الاحتلال ستستمرّ في استهداف عوائل الشيخ جراح لتهجيرهم من الحي، عبر فتح المزيد من القضايا وتشتيت الجهود القانونية والشعبية لمواجهة أطماع الاحتلال، علاوة على تصعيد سلطات الاحتلال هدم منازل الفلسطينيين ومنشآتهم، في سياق فرض العقوبة الجماعية على المقدسيين، واستمرارها في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الخاصة بالاستيطان، لتغيير بنية المدينة وطمس هويتها العربية والإسلامية.
ورجّح التقرير تصاعد العمليات الفردية النوعية في عام 2022، واستمرار مسار المقاومة الشعبية، لا سيّما في ظلّ إصرار الاحتلال والمستوطنين على السير بمخططات تهويد الأقصى، وتمسّك الاحتلال بتنفيذ بمسارات التهويد في القدس المحتلّة، وتصاعد الاعتداءات في فلسطين المحتلّة عمومًا. وفي مقابل ذلك، فإنّ سلطات الاحتلال ستستمر في استهداف مسار العمل المقاوم بكلّ تجلياته، عبر تصعيد فرض الإجراءات العقابية و”الردعية” وإحكام أطواق المراقبة لتوقّع العمليات ومنعها قبل تنفيذها.
ولا يبدو التقرير متفائلاً في سيناريوهات المواقف العربية والإسلامية الرسمية إذ يتوقّع تصاعد مستوى التطبيع العربي مع الاحتلال، وما يرافق ذلك من استمرار تراجع موقع القضية الفلسطينية والقدس في سلّم أولويات النظم الرسمية للدول العربية والإسلامية.
ولا يتوقّع التقرير خروج الموقف الأمريكي والأوروبي عن مساراته المعتادة، إن لجهة الانحياز الأمريكي لدولة الاحتلال، وتبريري جرائمها تحت مسمّى “حق الدفاع عن النفس”، أو اكتفاء الأوروبيين بمواقف الشجب والإدانة من دون خطوات عملية لحمل دولة الاحتلال على وقف اعتداءاتها في القدس والأقصى أو فلسطين عمومًا.
وقدّم التقرير جملة من التوصيات إلى الجهات المعنية، ومن أبرزها توقف السلطة الفلسطينية الفوري والتام عن التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإبقاء الفصائل الفلسطينية المقاومة على تفاعلها الحثيث مع ما يجري في القدس والأقصى. وتوجّه التقرير إلى الجماهير الفلسطينية مشددًا على أهمية التنبه لما يحاول الاحتلال تنفيذه في القدس عامة، وفي المسجد الأقصى على وجه الخصوص، من إفراغ للمسجد من المصلين، والسماح للمستوطنين بأداء الصلوات اليهودية العلنية، وهذا ما يرفع من سقف مسؤولية الجماهير الفلسطينية القادرة على الوصول إلى الأقصى، خاصة في الأوقات التي تتزامن فيها الأعياد اليهودية مع الأعياد الإسلامية.
وشملت التوصيات الموجهة للأردن ضرورة تدارك ما يجري في الأقصى، إذ تقضم سلطات الاحتلال دوره في رعاية المقدسات في القدس المحتلة، وفي مقدمتها المسجد، ما يستوجب العمل الفعلي وليس الاكتفاء بالشجب وحسب، وحماية العنصر البشري الإسلامي في الأقصى، وتحصين دور الأوقاف الإسلامية في القدس.
وبالنسبة إلى الحكومات العربية والإسلامية، أكّد التقرير أنّ التطبيع لن يكون طوق النجاة للدول العربية إزاء ما تعانيه من مشاكل داخلية بل سيزيد العبء السياسي والأمني عليها، ما يستوجب عدم الانزلاق إلى هذا المستنقع. وأوصى التقرير بتقديم الدعم المباشر والسخي للمشاريع التي تعنى بعمارة الأقصى، ورفد المرابطين بالرعاية القانونية والمالية اللازمة، خاصة الفئات التي تتعرض للاعتقال والإبعاد بشكلٍ متكرر، إضافةً إلى إيجاد حلول مالية مباشرة للذين يتعرضون لهدم منازلهم في القدس المحتلة.
كذلك، شدّد التقرير على ضرورة توفير الدعم للقطاعات الحياتية للمقدسين، خاصة قطاعي التعليم والصحة، وهي قطاعات يمكن أن توفر للمقدسيين مظلة رعاية تقيهم الوقوع فريسة منظومات الاحتلال.
مؤسسة القدس الدولية