رسائل بمناسبة الدخول المدرسي والجامعي 2023-2024
يتفق عقلاء العالم أن التربية والتعليم هما الوسيلتان الأساسيتان لبناء الإنسان وتأهيله ماديا ومعنويا. وهما من الوظائف الأساسية للرسل عليهم السلام. وإن نجاح العملية التربوية يقتضي تظافر جهود كل الفاعلين، وإخلاصهم في القيامة بمسؤولياتهم، وهذه رسائل مختصرة لعلها تُسهم في إيقاظ الهمم وشحذ العزائم لأجل إعداد جيل مؤمن خادم لدينه ولوطنه وأمته.
الرسالة الأولى للمعلم
أول ما ينبغي أن ينتبه له المدرس هو أن الله اصطفاه لأمر عظيم، واختاره ليكون مع زمرة الأنبياء والعلماء، فلا ينبغي له أن يضجر من مهنته، أو يتأفف من ثقل مسؤوليتها، وليتذكر قول الشاعر شوقي رحمه الله:
قم للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
ولقد كان ابن رجب كثيرا ما يتذكر مكانة الاصطفاء لهذه المهنة كي يُلزم نفسه بالمرابطة فيها والصبر على مشاقها، وكان كثيرا ما يحدّث نفسه فيقول لها: ” أوَ ما تسمعه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: ” وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً “. ثم ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل، بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق، على خلوات التعبد، لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم؟”. وعلى المعلم أن يستوعب أنه صاحب رسالة تربوية، وليس موظفا كباقي الموظفين يعمل على قدر أجرته التي ينتظرها في آخر الشهر. كلا إنه رُشح لأمر عظيم يبقى دخرا له إلى يوم لقاء ربه.
فليجتهد في أن يكون قدوة لطلابه بانضباطه والتزامه، وفي شفقته وعدله بينهم، وفي تقريب ضعيفهم والتنويه بالمبرز منهم. وليكن رحيما بهم فالراحمون يرحمهم الرحمان. وليُلق شباك قنصه التربوي لعله يظفر بمواهب تخلد ذكره في الصالحات. وليتذكر قول النبي عليه السلام فيما رواه الترمذي رضي الله عنه ” فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أدْنَاكُمْ وإنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأهْلَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ”. وليعلم أن أعز ما يطلب في التعليم هو ما يثمره من تهذيب وتربية، فلا يبخل على طلابه بالتوجيه والنصح والكلمة الطيبة.
الرسالة الثانية للأولياء
أما الرسالة الثانية فهي للآباء والأمهات وسائر أولياء التّلاميذ، ذلك أن الطفل يتطبع بما يأخذه من أسرته قبل التحاقه بالروض والمدرسة، وبعد الالتحاق يبقى للأسرة دور التوجيه والدعم والمتابعة. ومن ثم فمسؤولية الأولياء توازي مسؤولية المعلم وتزيد عليها. والطفل كما قال أبو حامد الغزالي: ” أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه.” وإن مما يلاحظ على كثير من الأولياء أنهم يعتقدون أن مهمتهم تنتهي عند شراء الكسوة واللوازم المدرسية وأداء واجبات التمدرس، وهذا تقصير كبير فيما يجب على الآباء تجاه أبنائهم. فلابد من توجيه وتربية، ولابد من انخراط واع في العملية التربوية، من خلال متابعة ما يأتي به الطفل من المدرسة، وقد يقتضي الأمر الانخراط في مكاتب جمعيات آباء وأولياء التلاميذ أو على الأقل مواكبة أنشطتها وأعمالها قصد ربط الصلة مع المدرسة، والإسهام في الأنشطة الموازية لها، وحصول التناغم معها والتعاون مع أطرها.
الرسالة الثالثة للقائمين على شأن التّعليم (الوزارة الوصية وتوابعها…):
أما القائمون على الشأن التعليمي ببلدنا فإن مهمّتهم أشد، فهم الذين يضعون البرامج ويتابعون تنزيلها ووضعها. فالمأمول فيهم ألا يجعلوا التعليم ورشا لتجريب الصيغ والأشكال التربوية، وأن يضعوا نصب أعينهم هوية الوطن التي حددها الدستور، وأن يحرصوا على الانسجام بين الرؤية والقانون الإطار، ولا يغفلوا عن التّتبّع الحثيث لسير المؤسسات التعليمية، خاصة مؤسسات البعثات الأجنبية.
ومن جهة أخرى فإن نجاح العملية التربوية رهين بردّ الاعتبار للأستاذ، وإنزاله المنزلة التي يستحقها. إن رجل التعليم لا ينتظر أن يكون من الأثرياء لأن مهنته مهنة التضحية والعطاء، لكنه يريد عيشا كريما، ويريد أن يكون مرفوع الرأس في مجتمعه وبين أقرانه وتلاميذه، يأتي قسمَه وعليه وقار وهيبة. ومن ثم فعلى القائمين على الشأن العام أن يحرصوا على إخراج قانون أساسي عادل ينصف كل الفئات ويحفز على البذل والعطاء، وأن يضعوا التحفيزات المادية التي تجعل الأستاذ أكثر فاعلية وعطاءا.
الرسالة الرابعة للتلميذ والطالب:
أما التلاميذ والطلاب فليعلموا أن العملية كلها تقام لأجلهم، فيجب أن يحرصوا على الجد والمثابرة، وليأخذوا بالعزائم استجابة لنداء الحق سبحانه: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] فهو نداء لهم أيضا بأن ينخرطوا في التحصيل والدراسة بجدّ واجتهاد، وأن يطردوا الكسل والتسويف من قاموسهم. وليتذكر الطالب أن الله تعالى يفتح عليه بقدر تجرده وإخلاصه في نية طلب العلم من جهة، ومن جهة أخرى بقدر تحليه بحسن الخلق والأدب خاصة مع معلميه، جاء في كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال :”ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويُجِلّ عالمنا “.
وليكن هاجس الطالب تحصيل العلم والتفوق فيه، إلى جانب التحقق بالخلق والأدب. قال مالك رحمه الله: “كانت أمي تُعمِّمُني وتقول لي اذهب إلى ربيعة فتعَلّم من أدبه قبل علمه”[1].
الرسالة الخامسة للقائمين على الصحافة والإعلام
للإعلام في زماننا دور هام وخطير في آن واحد، فهو يسهم في حسن قيام الأفراد بمسؤولياتهم وأدائها على الوجه المشروع وذلك من خلال التّتبّع ورصد المخالفات وفضحها ونشر ما يتعلق بها. ومن جهة أخرى فله دور التحفيز والتشجيع من خلال نقل التجارب الناجحة والتعريف بها. ومن أجل ذلك فالرسالة الخامسة تتوجه للصّحفيين والإعلاميين؛ حيث ينبغي لهم -خاصة فيما له علاقة المؤسسات التربوية- أن يتحروا التثبت والصدق، وأن يجتهدوا في التعريف بالمبادرات النوعية والمتميزة من جهة، ومن جهة أخرى بأن يبتعدوا عن التشهير الذي يضر بسمعة المعلم ويذهب بمصداقية التعليم.
إن بعض المواقع الإلكترونية لا تميز بين الخبر الصادق والخبر الكاذب، فتقوم بالتشهير ببعض نساء ورجال التعليم الشيء الذي يؤدي إلى اهتزاز الثقة في المنظومة ككل. إن ديننا يدعو إلى الستر، ويرغب في تقديم النصح في الخفاء قبل اللجوء إلى التّشهير. وإن حالات السقوط والتردي محصورة بحمد الله تعالى في عدد قليل لا يمثل الزمرة الصالحة من المرابطين والمرابطات على هذه الرسالة الجليلة، وليتذكروا أنه ” من قال هلك الناس فهو أهلَكهم” كما جاء في الحديث الصحيح.
الرسالة السادسة لرجال ونساء السلطة والأمن
إنها رسالة لجنود الخفاء لمن يسهرون على أمن الوطن وعافيته، إنّ أخطر ما يهدد أي بلد هو أن يصاب أبناؤه بما يُذهب عقولهم وتوازنهم وسكينتهم النفسية، إن بعض من لا ضمير لهم ينشرون المخدرات في محيط المؤسسات ويزيّنونها للمراهقين، والمأمول من رجال الأمن وأعوان السلطة أن يضربوا على أيديهم ولا يدعوهم يفسدون عقول الشباب. وهناك فئة أخرى من منعدمي الضمير يستدرجون الفتيات إلى أوكار الدّعارة والفساد وهؤلاء أيضا يتعيّن على السلطات أن تتابعهم وفق مقتضيات القانون الجنائي، وأن تحمي الشباب من شرورهم. وإن يقظة رجال ونساء الأمن وتفانيهم في رسالتهم يُسهم بإذن الله تعالى في حفظ الشباب من المهالك والمنزلقات، ويحصل كثير من هذا خلال دوريات التفقد والمراقبة بمحيط المؤسسات، وأيضا من خلال رصد الشبكات الإلكترونية التي تغرر بالمراهقين والمراهقات.
الرسالة السابعة:
إنها لكِ ولكَ أختي وأخي المواطن، فاعلم أنّ من جهز طالبا للعلم ودعمه فله أجر تشجيع العلم والانتساب لأهله. وأن الكارثة التي حلت بوطننا تدعو أكثر من أي وقت مضى إلى مزيد من التكافل والتضامن ليس فقط في تيسير الحاجيات الأساسية من أكل ولباس وفراش، وإنما أيضا لأجل حفظ حق أبناء المناطق المتضررة في الاستمرار في التعلّم. وإذا كانت السلطات قد بذلت جهدا مشكورا في نقل بعض التلاميذ إلى مراكش للتعلم والإقامة في داخليات، فإن الحاجة لازالت ماسة في التكفل بمن بقي في دُواره وتوفير حاجيات التعلم له. كما ينبغي دعم صمود رجال ونساء التعليم ممن ابتلوا بهذه المحنة ونجوا منها، ومؤازرتهم قصد الاستمرار في رسالة التعليم.
نسأل الله التوفيق للجميع في هذه المهمة العظيمة، ولنتذكر جميعا قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].
[1] ترتيب المدارك وتقريب المسالك (1/ 130)