لن ينجي أحد منا عمله
بسم الله الرحمان الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى من تبعه وتابعي تابعيه ومن تبعهم جميعا بإحسان إلى يوم الدين.
إخواني وأخواتي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
هذه الكلمة هي في الحقيقة مجرد تقاسم مع إخواني وأخواتي لإحساس عشته مباشرة بعد الخروج من شهر رمضان، هذا الشهر الذي انتظرته السنة كاملة على أمل أن أفوز فيه بما بشر به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة من الأحاديث المبشرة “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” و”من قام رمضان إيمانا احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، و”من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يصادف هذا الشهر استحقاقات مهنية كثيرة متتالية مترابطة ما يتعلق بأعمال الباكالوريا من إعداد وإجراء وتصحيح ومراقبة ومداولات ونتائج ثم الدورة الاستدراكية وإعدادها، وأنا خارج من هذا الشهر انتابني إحساس بأني لم أعش رمضان كما كنت أتمنى ولم أوفق لأن أحياه وفق الصورة التي كانت مرسومة في مخيلتي وأنا استعد لها فوجدتني أبحث على ما يخفف عني شيئا من هذا الإحساس وقلت لنفسي العمل ليس هو المعول عليه ورجعت إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحيح البخاري في الرقاق عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها حين قال :”سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته بمغفرة ورحمة” وهو نص يفهم في بعض الأحيان أنه لا معول على العمل وأن الرجاء في رحمة الله وفي عفوه يسع الجميع، ورجعت إلى كتاب الله عز وجل لأقف وقفة لم أقفها من قبل في هذا السجال بين الدخول الجنة بالعمل ودخولها بالطمع في رحمة الله ومغفرته، وجدت بالضبط 50 آية في كتاب الله كلها لعبارة “آمنوا وعملوا الصالحات” وبطبيعة الحال غيرها في كتاب الله تعالى كثير في نفس المعنى لكن ليست بهذه الدقة، بحث عن ذلك في كتاب الله عز وجل وكأني افعل ذلك لأول مرة لأتتبع هذا السجال وهذا المعنى فوجدت نصوصا قاطعة من كتاب الله عز وجل تقرن العمل بالإيمان.
يقول عز وجل :”وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب” يذهب بنا إلى معنى آخر هو أن الواحد منا يطمع في مغفرة الله عز وجل ويطمع في رحمته لكنه في نفس الوقت يجب أن يظل دائم الخوف من عذابه ومن عقابه، حتى لا يغتر بشيء من هذه المعاني التي تجعل الواحد منا يسمح لنفسه أن يعيش شيئا من الدعة والكسل والتفريط وهو في النهاية على رحمة الله عز وجل وينسى عقابه والحساب بين يديه، نفس المعنى نجده في قوله عز وجل :”نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم”، ولعل هناك آيات أخرى تجتمع فيها رحمة الله عز وجل ومغفرته بشدة عذابه وألمه، بطبيعة الحال المعنى واضح هو أن الواحد منا يجب أن يعيش دائما على خط الاستقامة الذي يوجد بين الطمع في رحمة الله ودخول جنته وحد الخوف من عقابه ومن عذابه ومن دخول ناره، والحساب في النهاية بين يدي الله عز وجل ميزان دقيق، أخرج مسلم في صحيحه في البر والصلة والأدب عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله عز وجل أنه قال “يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم” والإحصاء حساب دقيق، “أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه”، فالغفلة مع الطمع في رحمة الله عز وجل والتقصير والتفريط والعصيان مع الطمع في رحمة الله هو سبيل لا يهدي إلى ما ينشده المسلم المؤمن لنفسه، حساب في يوم لا يخفى عليه منا أدنى شيء” يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء”، حساب تسجل علينا فيه الإعمال تسجيلا لا يغادر شيئا، “وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا”، كتاب تدون فيه كل كبيرة وصغيرة، كل نظرة خائنة، كل لمزة، كل نظرة فيها استهزاء، كل خفقة فيها إهانة، كل كلمة يلفظها الواحد منا انتبه لها أو لم ينتبه تسجل في هذا الكتاب حتى أن المجرمين يوم الوقوف بين يدي الله يقولون :”يا وليتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا”، في وقوف لا ينفع فيه مال ولا جاه ولا سلطان ولا منصب حتى في أعمالنا ولا في قيادات الدعوة الإسلامية لله عز وجل، ولا منصب حتى في درجات الإمامة في المساجد ودرجات العلم يوم يقول ذو المال ” ما أغنى عني ماليه” ويقول ذو الجاه والسلطان “هلك عني سلطانيه”، ” يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه” لماذا لأن كل واحد منهم “لكل امرئ منهم شأن يغنيه”، حساب ينتهي لا محالة بإحدى الدارين، قال عز وجل قال “يوم يات لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ”، فالله حينما يصور لنا هذا اليوم يصوره في مشهد عظيم، بدقة “وجاء ربك والملك صفا صفا” يتصور الواحد منا هذا المشهد لا يجد ما يمكن أن يشفع له بين يدي الله سبحانه وتعالى إلا ما قدمه من عمل صالح وإلا ما يتدارك به الله من رحمته ومن عفوه، في هذه الدنيا قد يخفى الكثير من حال كل واحد منا عن الآخرين، لكن بين يدي الله عز وجل “يوم تبلى السرائر فماله من قوة ولا ناصر ” لا يخفى على الله من حالنا أي شيء، ولا يعول الواحد من على أي شيء.
خرجت من هذه الوقفة ومن هذه المحاسبة من هذا الموسم وأنا أقيم غلة رمضان بعزم يخالطه الأمل في الله عز وجل على أن يوفقني لا تدرك كل تقصير الذي كان في هذا الشهر المبارك على أنه تقصير كبير وإلا اغتر لكل ما يكون قد تقدم فيه من أعمال صالحة أو من حسنات، وهذا الكلام هو كلام صالح لكل الناس في كل زمان ومكان فهو موعظة، ولكني أقوله في هذا المكتب لإخواني وأخواتي وقد يسمعه ويشاهده بقية إخواننا وأخواتنا في أرض الوطن أخص به بالذكر نفسي وإخواني من هذه الطينة لأنه تأتي علينا لحظات من هذا الضعف نتعلق فيها بأمور لعلها لا تكون كافية وشافية في الخروج من هذا الإحساس، فالواحد من قد يفرط في التقرب من الله عز وجل في عدة محطات وهو يعول على أن له مسؤولية في عمل إسلامي ويقوم بعمل في كذا وكذا ويسمع لنفسه بالتفريط في عدد من هذه المحطات والأصل أن يعيش الواحد من بين هذه الرغبة طامعا في أن تتداركه رحمة الله وأن يسعه عفوه ورضوانه لكن متهيبا متخوفا بيقين وبشدة من أن يكون مقصرا ومفرطا، من ألا يجحد من العمل ما يكفيه بين يدي الله عز وجل حين يعرض كتبه على الميزان وحين يقف على قوله تعالى “إنما هي أعملكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه”.
نسأل الله عز وجل أن يتجاوز عنا كل تفريط وكل تقصير ونسأله عز وجل أن تكون أسمائنا جميعا بدون استثناء على رؤوس القوائم المعتوقين من النار في ليالي رمضان، وأسال الله تعالى أن يعيننا على آن نحيا في هذه الدنيا كما يحب ربنا عز وجل ويرضى دائمي الصلة به ودائمي الخوف منه دائمي الرجاء فيه وكما جمعنا في هذه الدنيا على ما نحسبه أحسن ما يمكن أن يجتمع عليه أهل هذا الزمان الدعوة إلى الله عز وجل وإقامة دينه أساله أن يجمعنا مرة أخرى في الآخرة على حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم نغرف من كفه شربة لا نظمأ أبدا بعدها.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د.أوس رمال / سلسلة تبصرة
الشعور بالضعف في النشاط التربوي والإيماني سببه الذنوب والمعاصي وهذا شيء طبيعي يقع للمؤمن في سيره إلى الله. خصوصا إذا فقه نفسه وعلم أنه عبد سائر إلى ربه. فالخاتمة لايعلمها إلا الله. قال صلى الله عليه وسلم ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله. وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” رواه البخاري.