شهر النفحات الإيمانية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله وسلم وبارك على أشرف المرسلين وعلى لآله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
معشر الإخوة، الأخت الكريمة، نحمد الله سبحانه وتعالى أن جعلنا نعيش إلى أن بلغنا هذا الشهر الفضيل شهر رمضان، فالله سبحانه وتعالى من فضله علينا أن جعل لنا مواسم وجعل لنا محطات نتزود فيها حتى نتقوى على طاعته وعلى طريقه سبحانه وتعالى ومن ذلك الصلاة والصيام وسائر الطاعات الأخرى فعن أبي هريرة رضي الله عنه، الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنبت الكبائر، هذا الشهر الكريم هو شهر النفحات الطيبة وشهر النفحات الإيمانية يقول النبي صلى الله عليه وسلم:”إذا دخل رمضان فحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين”، وفي حديث آخر “وينادى في مساء كل ليلة يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة”.
هذه الأجواء الإيمانية تجعل الإنسان يتزود وتجعله يتقوى، وتجعله يجدد العهد مع الله سبحانه وتعالى وذلك لهذه السنن التي وضعها الحق في هذا الشهر المبارك والأجواء التي تطبع هذا الشهر، قال القاضي عياض رحمه الله أنه يحتمل أن تكون هذه الأجواء كما جاء في الحديث حقيقة ويحتمل أن تكون مجازا بما فتح الله تعالى وما يفتح على عباده من الطاعات ومن أسبابها خلال هذا الشهر الكريم، وبما يمنع عنه من أسباب المعاصي هذا الشهر، وهذه الأجواء هي مناسبة عظيمة للارتقاء بالنفس وتزكيتها، للارتقاء بها على مستوى العقيدة والارتقاء بها على مستوى العبادة والارتقاء بها على مستوى الخلق.
ففي العقيدة شهر رمضان يربي على الإخلاص ويقويه، فسائر الأعمال قد تكون ظاهرة للناس ولكن الصوم هو بين العبد وربه وفيه هذا الجانب الذي هو الإخلاص ظاهر واضح حتى لو استطاعت دولة مثلا أن تفرض على الناس عبادة معينة و سلوكا معينا لو فرضت عليهم الصيام ما استطاعت ذلك، ذلك أن الإنسان قد يخلو بنفسه ويفعل ما يريد ولكن الصيام هو بينه وبين الحق سبحانه وتعالى فيتجلى فيه الإخلاص أشد الجلاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا :”كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.
وهو كذلك مجال للارتقاء بالطاعات ذلك أن هذا الشهر العظيم تميز بالصيام :”يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات”، وفيه كذلك القيام والقرآن وفيه ذكر الحق سبحانه وتعالى فمن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، والقران الكريم يشير إلى هذا الشهر ويميزه بأنه شهر القران الكريم :”شهر رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” وهو كذلك تربية وتزكية على الصبر وعلى حسن الخلق، فالصوم صبر على الشهوات وصبر على الطاعات وصبر على الإخلاص فيكون الإنسان صابرا على ما يفسد صيامه ويكون صابرا على طاعة الله سبحانه وتعالى ويكون صابرا حتى يكون عمله مقبولا عند الحق سبحانه وتعالى وذلك بتقوية نيته وتجديدها.
وبهذا فشهر رمضان هو كذلك مناسبة للدعوة إلى الحق سبحانه وتعالى، ذلك أن القلوب تكون رقيقة فيه ومقبلة على الخير ومتجنبة لأسباب الشهوات وغيرها مما يجعلها قابلة لتقبل الخير قريبة من الحق سبحانه وتعالى وهذا ما نشهده في مجتمعاتنا حيث الإقبال على الطاعات وحيث الخير عام في كل مكان وبالتالي تكون الأنفس قريبة من الحق تعالى وطيعة ومستعدة للدعوة والخير، وهذا يفرض علينا أن نستثمر هذه الأجواء في دعوة الناس إلى الخير وفي دفعهم إلى هذه الخيرات وفي المحافظة على سائر الطاعات والعبادات.
هذا الشهر أيضا هو شهر لمضاعفة الأجور فالله سبحانه وتعالى اختص أمكنة وأزمنة للخير واختصه بمضاعفة الأجور وتكون هذه المضاعفة أكثر لشرف الزمان أو لشرف المكان، كما لو أخذنا أماكن خصها الله سبحانه وتعالى كالأراضي المقدسة وكما لو أخذنا أزمنة مقدسة ومنها هذا الزمن الفضيل الذي هو شهر رمضان، ” كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فانه لي وأنا أجزي به” (الحديث)، كذلك العمرة إذا أخذناها كمثال نجد فيها تضاعف الحسنات إلى أن تصل إلى إلى حجة حتى مع النبي صلى الله عليه وسلم ( عمرة في رمضان تعدل حجة وفي رواية تعدل حجة معي)، كذلك في أيام هذا الشهر مضاعفة الأجر وأعظمها أن فيه أعظم ليلة وهي ليلة القدر الذي أنزل فيها القران “إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر”، وقنين بشهر كهذا أن يجعل الإنسان يرتقي إلى الحق سبحانه وتعالى، وأن يجعله يجدد العهد على الطريق وفرصة لتدارك ما قد يكون أخل به في سنته، وكذلك للتزود للسنة القادمة حتى يستطيع فعلا أن يسير على هذا الطريق وأن ينال رضا الحق سبحانه وتعالى، وحتى تكون نتيجته الخيرة هي التقوى وهي شكر الله سبحانه وتعالى “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”، وحتى تكون كذلك نهايته هي شكر الحق سبحانه وتعالى على هذه النعمة أولا التي هي نعمة هذا الشهر واستثمار هذا الشهر الفضيل ووصله وبلوغه إليه وعلى ما ناله فيه سواء في بدايته أو وسطه أو في آخره وهذا ما يجمعه قوله سبحانه وتعالى :”شهر رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون”.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل هذا الشهر الفضيل خيرا علينا وعلى أمتنا وعلى دعوتنا، والسلام عليكم.
الأستاذ محمد سالم بايشا/ سلسلة تبصرة